
يقدم مهرجان "مسكون" اللبناني المخصص لسينما "الفانتازيا والرعب والإثارة والخيال العلمي"، نسخته الرابعة لهذا الموسم، عبر منصة "سبامفليكس" للفيديو، بدءاً من 10 يونيو الجاري، بسبب الإجراءات المتعلقة لمواجهة فيروس "كورونا" المستجد.
وكان مقرراً تنظيم هذه النسخة في نوفمبر من العام الماضي، ولكن الاحتجاجات الشعبية التي شهدها لبنان بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية، دفعت بجمعية "بيروت دي سي" التي تنظم المهرجان، إلى تأجيل الحدث إلى الشهر الجاري.
وسيتم تقديم 19 فيلماً عربياً وعالمياً مجاناً على منصة "سبامفليكس"، حسب الطلب، ولمدة عشرة أيام متتالية من دون مواعيد محددة.
وقال المدير الفني لمهرجان "مسكون" أنطوان واكد في تصريح لـ"الشرق"، إن "هذه الخطوة الجريئة، تخدم أولاً جمهور السينما، وخصوصاً جمهور أفلام الرعب والفانتازيا والخيال العلمي، والذي ساهم المهرجان منذ إنشائه قبل خمسة أعوام، في ارتفاع أعداد متابعيه في لبنان"، وأضاف أن "جمهور المهرجان يزداد من موسم إلى آخر، ويقدم أفلاماً من مختلف بلدان العالم، وبمشاركة مهرجانات دولية".
وسيكون مهرجان "مسكون" أول مهرجان سينمائي في لبنان يقام عبر الإنترنت، ويشكل تحدياً لمنظميه بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، والإغلاق العام للحد من انتشار وباء "كورونا" المستجدّ.
حرية الاختيار
وقالت المديرة التنفيذية للمهرجان ميريام ساسين لـ"الشرق"، إن "المهرجان تخلى عن مواعيد محدّدة لكل فيلم، وعن اعتماد صيغة توقيت وبرمجة معيّنة للافتتاح والختام، وما الى ذلك". وأضافت: "أردنا أن يكون لكل مشاهد حرية الاختيار في أوقات المتابعة، وفي اختياره الفيلم الذي يريده ليفتتح به المهرجان".
وعن الصعوبات والتحديات التي واجهها المهرجان في دورة الاستثنائية، أكدت ساسين أن "التحدي الأكبر هي الظروف المضطربة التي يعيشها العالم حالياً"، وأشارت إلى أن "فريق العمل لم يكن باستطاعته الاجتماع، لكن سرعان ما اكتشفنا أننا قادرون بواسطة التكنولوجيا، على تذليل الصعوبات، والعمل عبر المنصات الرقمية، لإنتاج أعمال وأفكار جديدة".
وأضافت: "يمكننا إنتاج أعمال وأفكار جيدة، وساهم في ذلك ثقة الداعمين من السفارات والمؤسسات الثقافية، الذين آمنوا بنا، وساعدونا لتحقيق أفكارنا".
مواضيع جدلية في طابع كوميدي وخيالي
وتطرح أفلام "مسكون"، التي شارك معظمها في مهرجانات عالمية، مواضيع جدلية مثل" الإرهاب والذكورية والأبوية، والعلاقة بين العلم والدين، وفلسفة الموت، وعلاقة الأساطير بالسينما"، إضافة إلى مواضيع ملحّة تجيب على ما تمر به الشعوب حالياً، من عزل وحجر ووحدة. وتتناول أفلام أخرى أبعاداً إنسانية اجتماعية، مثل التنمّر والحب المستحيل.
وأشار المدير الفني واكد، إلى أهم هذه الافلام، مثل "أبو ليلى" للمخرج الجزائري أمين سيدي بومدين، وهو الذي عُرضَ للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي، ضمن "أسبوع النقاد" وهو من نوع الثريلر (Thriller) الممزوج بالخيال العلمي، ويتناول ما عاشه الجزائريون خلال الحرب التي شهدتها بلادهم.
وهناك فيلم (Le Daim) للمخرج الفرنسي المعروف كوينتين دوبيو، وهو فيلم يغوص في العبثية المظلمة، من بطولة جان دوجاردان وأديل هينيل، وكان افتتح "أسبوعي المخرجين" في مهرجان كان السينمائي 2019.
أما فيلم (First Love)، أحدث أفلام المخرج الياباني الشهير تاكاشي ميكي، فهو رومانسي ضمن فئة الأفلام المعروفة بـ"ياكوزا" (Yakuza) أو أفلام عالم العصابات، وعرض للمرة الأولى في "أسبوعي المخرجين" في مهرجان كان.
وأشار واكد إلى أن برنامج هذه السنة يتميز بعدد من أفلام الكوميديا السوداء، ومنها الفيلم الأرجنتيني (Initials S.G) للمخرجة اللبنانية رانيا عطية، والمخرج الأميركي دانيال غارسيا، الذي يشبه بطله غير المحظوظ الفنان الفرنسي سيرج غينسبورغ. وتم عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان "تريبيكا" السينمائي، وحصل على جائزة "نورا إيفرون".
ومن فئة الكوميديا السوداء أيضاً، فيلم روسي بعنوان (Why Don't You Just Die)، من إخراج كيريل سوكولوف، ويتمحور حول جريمة عنيفة.
ويقدم "مسكون" فيلم الخيال العلمي (The Long Walk)، الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان البندقية السينمائي، وهو فيلم من دولة لاوس ومن إخراج ماتي دو.
ويعرض في المهرجان أيضاً الشريط الوثائقي (Memory: The Origins of Alien ) للمخرج ألكسندر فيليب الذي حل ضيفاً على مهرجان "مسكون" في عام 2018. ويتضمن الوثائقي تحليلاً للأثر الذي تركه فيلم (Alien) لريدلي سكوت على الفن السابع، والذي شكّل محطة مهمّة في تاريخ السينما قبل أكثر من 40 عاماً.
تحرر من قبضة الرقابة
واعتاد اللبنانيون في السنوات الأخيرة على منع أفلام من قبل الرقابة اللبنانية، الأمر الذي كان يزعج منظمي المهرجانات.
ودانت مؤسسات لبنانية ودولية تعمل في مجال حرية التعبير وحقوق الانسان إجراءات الرقابة، والتي أثرت على ترتيب لبنان في حرية التعبير، بعدما كانت تتميز في هذا الجانب عن دول عربية أخرى.
ومن بين هذه الافلام فيلم (Climax) الذي منعت الرقابة اللبنانية عرضه في الدورة السابقة من مهرجان "مسكون" في عام 2018، لكن إقامة دورة هذا العام إلكترونياً، حّرر الفيلم من الرقابة، وسيتم عرضه كما هو.
ويتناول الفيلم الذي أخرجه الأرجنتيني غاسبار نويه، قصة فرقة رقص فرنسية، يجتمع أعضاؤها في ليلة شتوية للتدرّب في مبنى مدرسة نائية، لكنّ مخدّر الهلوسة (LSD)، يحوّل الحصّة التدريبية إلى كابوس.
ويُعرض كذلك فيلم (Blood Machines) للمخرج سيث إيكرمان، ويتضمن مشاهد مذهلة تترافق مع موسيقى فرقة (Carpenter Brut).
وفي البرنامج فيلمان قصيران حققا نجاحاً كبيراً هما (Piggy) للمخرجة الإسبانية كارلوتا بيريدا، وهو فيلم رعب عن مراهقة وزنها زائد تتعرض للتنمر من مجموعة من الفتيات، خلال العطلة في قريتها، و (What If The Goat Die) للمغربية صوفيا علاوي، والذي فاز بجائزة مهرجان "صندانس" الأميركي.
أفلام لبنانية تحاكي المستقبل الغامض
أما الأفلام اللبنانية القصيرة، فتشارك في مسابقة مخصصة لها، وهي ثمانية أفلام متنوعة في المواضيع، ويغلب عليها قضايا الصعوبات الاجتماعية، والمستقبل الغامض، وتتنافس على جائزتين نقديتين.
والأفلام الثمانية هي "عبور" (Crossover) للمخرجة لِيا كنعان، و (Elpide) لغاييل عزّام، و"جبّارة" لسمير قوّاس، و"خلل" لشربل القصيّفي، و"موت أحمر" لروجيه حلو، و (Neon Ashes) لعلي حاموش، و(Noisy Caterwaul) لسينثيا أبو جودة، و (Quarter Rest) لجاورجيوس حنّا.
ويتولى اختيار الفائزين، لجنة تحكيم تضم الناقد السينمائي اللبناني شفيق طبارة، والمخرجة اليونانية اللبنانية جويس نشواتي، ومبرمجة المهرجانات السويسرية آن ديلسيت.
وقال واكد إن "المهرجان لم يؤسس فقط لتوجيهه إلى الجمهور، وإنما أيضاً لفتح أعين المخرجين الشباب اللبنانيين لخوض التجربة، بعدما صارت أفلام الدراما والكوميديا كثيرة في المنطقة العربية، وبالتالي تشجيعهم على إخراج أفلام تتمحور حول قصص الرعب والخيال العلمي، وتتناول المستقبل البائس، مضمّنين إياها رسائل سياسية واجتماعية".
من جهتها قالت المديرة التنفيذية ساسين: "تبدو هذه الأفلام وكأنها ولدت من الأرضية نفسها التي ولدت منها ثورة 17 تشرين الأول (احتجاجات لبنان الأخيرة)، أي الغضب العميق الذي تترجمه صرخة من أجل تغيير إيجابي".
مختبر استشاري للمخرجين العرب
ويقدم المهرجان إضافة إلى الأفلام، محاضرات وورش عمل متخصصة. وقال واكد إن ذلك يهدف إلى "بناء حجر أساس لقاعدة جماهيرية، وثقافة متخصصة في أفلام الرعب والفانتازيا والخيال العلمي، لنصل على المدى الطويل إلى إنتاج أفلام تنافس في المسابقات العالمية، لمخرجين لبنانيين وعرب".
ويتميز مهرجان هذا العام وفق ساسين، بمبادرة جديدة وهي "إطلاق مختبر مسكون لأفلام الرعب والفانتازيا والخيال العلمي"، وهي مبادرة تهدف إلى "مساعدة السينمائيين العرب، الذين يعملون على مشاريع أفلام طويلة مماثلة، وتقريبهم من مرحلة الإنتاج".
واختيرت خمسة مشاريع أفلام للمشاركة في المختبر، تقدم مجموعة مواضيع متنوعة، ويحضر فيها المضمون السياسي والاجتماعي.
ومن بين المشاريع ثلاثة أفلام لبنانية، هي "ظهورات" لنزار صفير، و"زين" لوسام شرف، و"شمال" لسليم مراد، إضافة إلى فيلم "الخوخ الموسمي" للمغربية ريم مجدي، و (You Are in Trouble as We Laugh) للمصري خالد معيط.