Open toolbar

راعي أغنام فلسطيني في الأغوار المهددة بضمها إلى إسرائيل - الشرق

شارك القصة
Resize text
رام الله-

يعود أحد سكان التجمعات البدوية في منطقة شمال البحر الميت بذاكرته إلى الماضي، وهو يستمع إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الإذاعة، في شأن عزمه ضم هذه المنطقة إلى إسرائيل، ويقول: "منذ الأيام الأولى للاحتلال وهم (الإسرائيليون) يعملون من أجل هذه اللحظة لضم هذه المنطقة".

يستدعي الحاج ضيف الله عراعرة، الذي يبلغ عمره 71 عاماً، السنوات الأولى من الاحتلال، ويروي كيف داهم الجيش الإسرائيلي مضارب عشيرته، وقام بهدمها، وطرد سكانها مع مواشيهم، وأقام في مكانهم مستوطنة يهودية تحمل اسم "كفار أدوميم".

وبينما أخذت المستوطنة في التوسع والانتعاش، وأُقيمت حولها سلسلة من المستوطنات الزراعية، واصل التجمع البدوي الفلسطيني التقلص والتراجع، إذ فرض على أهله العيش في الخيام، وفي بيوت الصفيح، وحظر عليهم إقامة مبانٍ اسمنتية، ما دفع غالبيتهم إلى ترك المنطقة والعيش في المدن والبلدات القريبة.

نتنياهو وخطة ترامب

وأعلن نتانياهو، مجدداً، عزم حكومته الجديدة فرض السيادة على المستوطنات وأجزاء من الضفة الغربية.

وقال نتنياهو، مخاطباً أعضاء من الطائفة الإنجيلية، إنه على قناعة بأن حكومته ستعمل على تطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تقضي بضم غور الأردن والمستوطنات، وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، خلال الأشهر المقبلة.

وأضاف:"في غضون بضعة أشهر من الآن، أنا على قناعة بأن هذا الوعد سيتحقق، ويمكننا أن نحتفل بلحظة تاريخية أخرى في تاريخ الصهيونية".

ووقع نتنياهو ورئيس حزب المعارضة الرئيس في إسرائيل "كاحول لافان"، بيني غانتس، الأسبوع الماضي، اتفاقاً لتشكيل "حكومة طوارئ قومية" مشتركة. 

وتضمن الاتفاق بنداً خاصاً بضم هذه المنطقة للسيادة الإسرائيلية، بدءاً من يوليو المقبل.

انقلاب على واقع الفلسطينيين

يتوقع أن يؤدي ضم هذه المنطقة الاستراتيجية الواسعة الغنية بالموارد الطبيعية إلى إسرائيل، في حال تطبيقه، إلى إحداث انقلاب في واقع الفلسطينيين وخياراتهم السياسية المستقبلية.

وبموجب الوقائع الجديدة التي سيفرضها الضم، فإن التجول داخل الضفة الغربية، سيصبح غير ممكن من دون المرور عبر إسرائيل بحدودها الجديدة، التي تصل من مشارف المدن الرئيسة، مثل رام الله والقدس والخليل ونابلس وغيرها، وحتى نهر الأردن.

 وبناء على الخارطة الجديدة أيضاً، لا يمكن لتاجر أو طالب أو موظف من مدن الجنوب مثل بيت لحم والخليل، الوصول إلى مكان عمله، أو نقل بضاعته إلى منطقة الوسط أو الشمال مثل رام الله نابلس من دون المرور عبر إسرائيل، وما يتطلبه ذلك، في العادة، من الحصول على تصاريح مسبقة واجتياز معابر حدودية.

وتعتبر الأغوار الممتدة من البحر الميت جنوباً إلى بلدة "بردلا" على حدود مدينة بيسان شمالاً، بمثابة سلة غذاء الشعب الفلسطيني، حيث الأراضي الزراعية المروية الواسعة، التي توفر الخضار والفواكه على مدار العام، وهي أيضاً مصدر المياه الجوفية اللازمة للزراعة والشرب.

كانتونات معزولة

في سياق تعليقه على الموضوع، قال عضو الوفد الفلسطيني المفاوض السابق الدكتور سميح العبد لـ"الشرق" إن "ضم الأغوار يقضي على حل الدولتين كلياً".  وأضاف: "بالنسبة إلى الفلسطينيين، الأغوار هي مصدر الغذاء وهي منطقة للتوسع السكاني والعمراني مستقبلاً، وهي منطقة سياحية أيضاً، حيث البحر الميت، ومصدر المياه الجوفية، والمعادن مثل البوتاس المستخرج من البحر الميت، وهي بوابة فلسطين للعالم الخارجي، وبوابة التجارة الخارجية، ومن دونها لا مستقبل لأي كيان سياسي فلسطيني مستقل".

وتظهر خرائط خطة ترامب أن الفلسطينيين سيقيمون في كانتونات سكانية معزولة عن بعضها البعض، في حال ضم المستوطنات اليهودية المنتشرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية. وهو الأمر الذي يفصله الدكتور العبد قائلاً: "سيكون لدينا في الضفة الغربية 5 تجمعات سكانية منفصلة عن بعضها البعض، وسيجري ربطها من خلال طرق جديدة وأنفاق وجسور بطول يتراوح، وفق خطة ترامب، بين 220 و400 كيلومتر".

وأوضح عضو الوفد الفلسطيني المفاوض السابق، أن الحدود التي تم التفاوض عليها مع الجانب الإسرائيلي بين الضفة وإسرائيل، كانت بطول 366 كيلومتراً، لكنها الآن، وفق خرائط الضم، ستصل إلى 1700 كيلومتر.

ولفت الدكتور العبد ، إلى أن التطور الأخير ينفي الاعتبار الأمني الذي تدعيه إسرائيل، إذ لا يمكن لأحد توفير حماية دائمة لحدود بهذا الطول"، مشيراً إلى أن الضم يجري لأسباب اقتصادية، لا أمنية.

وبحسب خرائط خطة ترامب، فإن المساحة، التي تعتزم إسرائيل ضمها تبلغ 1750 كيلومتراً مربعاً من مساحة الضفة الغربية البالغة 5860 كيلومتراً مربعاً.

ووجه "تحالف حل الدولتين" الفلسطيني- الإسرائيلي، مؤخراً، رسالة إلى الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا، طالبها فيها بالتدخل الجدي لمنع قيام تل أبيب بضم أية أجزاء من الضفة الغربية، والعمل على إعادة الطرفين إلى مفاوضات حقيقية.

وجاءت هذه الدعوة في ضوء تسرب معلومات بشأن قيام لجنة خرائط أميركية- إسرائيلية مشتركة بالشروع في وضع خريطة مقترحة لتطبيق خطة دونالد ترامب، التي تتضمن ضم المستوطنات والأغوار، إلى جانب القدس، للدولة العبرية.

وقال غادي بيلتيانسكي، مدير مؤسسة "مبادرة جنيف" فرع إسرائيل، لـ"الشرق" إن لدى المؤسسات الإسرائيلية في التحالف معلومات تؤكد قيام فريق خرائط إسرائيلي-أميركي، في هذه الأيام، بالعمل على وضع خرائط للضم. 

وتابع بيلتيانسكي:"في حال تطبيق الضم، فإنه يشكل تهديداً حقيقياً لأي فرصة للحل السياسي التاريخي الملائم للشعبين على أساس حل الدولتين، على العالم أن يتحرك الآن قبل يصبح ذلك متأخراً جداً".

القضاء على حلّ الدولتين

وينطلق كثير من الإسرائيليين في معارضتهم للضم، من أنه سيؤدي إلى القضاء على حل الدولتين، ويفتح الطريق، على المدى البعيد، أمام حل الدولة الواحدة التي ستكون دولة تمييز عنصري. 

وحذر كتاب وسياسيون إسرائيليون، من أن الضم سيفتح الطريق أمام الفلسطينيين الذي سيتجاوز عددهم اليهود، للمطالبة بحقوق متساوية، ما يقضي على الطابع اليهودي لدولة اسرائيل، أو يجعل منها دولة تمييز عنصري منبوذة بين الشعوب.

وتدير السلطة الفلسطينية، وهي سلطة حكم ذاتي تأسست بموجب اتفاق "أوسلو" الذي تم التوصل إليه بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، شؤون الفلسطينيين البالغ عددهم حوالي 5 ملايين نسمة في الضفة الغربية وقطاع غزة. 

ويراهن اليمين الإسرائيلي على بقاء السلطة الفلسطينية، للحيلولة دون قيام إسرائيل بحكم الفلسطينيين، كما كان جارياً قبل تأسيس السلطة، وتاليا إغلاق الطريق أمام إمكان مطالبتهم بحقوق متساوية مع اليهود في إسرائيل.

ويعيش في إسرائيل مليون ونصف فلسطيني آخر، يحملون الجنسية الإسرائيلية، ما يجعل عدد الفلسطينيين بين نهر الأردن والبحر المتوسط، أكبر من عدد اليهود (6 ملايين يهودي)، وهو أمر مقلق على المدى البعيد، لكثير من الإسرائيليين.

ويعيش سكان التجمعات البدوية المنتشرة في هذه المنطقة في قلق كبير، وهم يستمعون إلى تصريحات القادة الإسرائيليين المتواترة بشأن ضم الأراضي التي يعتاشون من رعي مواشيهم فيها.

وأفاد أبو عراعرة، بأن سكان نحو 50 من التجمعات البدوية المنتشرة في هذه المنطقة، قلقون من قيام إسرائيل بهدم بيوت الصفيح، التي يعيشون فيها، وطردهم إلى المدن والبلدات المجاورة، بعد تطبيق الضم. 

وأشار إلى أنهم يعتقدون أن التهجير هو المصير الذي ينتظرهم، من دولة حاربت وجودهم على الدوام في هذه المنطقة، ومنعتهم من إقامة المباني والاستقرار.

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.