الانتخابات النصفية الأميركية.. التاريخ "يهدد" حظوظ الديمقراطيين

time reading iconدقائق القراءة - 12
الرئيس الأميركي جو بايدن يدلي بصوته خلال التصويت المبكر للانتخابات النصفية الأميركية. 30 أكتوبر 2022. - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن يدلي بصوته خلال التصويت المبكر للانتخابات النصفية الأميركية. 30 أكتوبر 2022. - REUTERS
دبي - حسن يحيى

مع اقتراب الولايات المتحدة من الانتخابات النصفية في نوفمبر، تسجل شعبية الرئيس جو بايدن مستويات متدنية، ما قد يشكل "كابوساً" للديمقراطيين لا يقتصر على هذه الانتخابات، بل يمتد إلى الانتخابات الرئاسية المقررة في 2024، خصوصاً إذا أعاد التاريخ نفسه (وهو ما يتطرق إليه هذا التقرير). 

وتتفاوت مستويات تأييد الرئيس بحسب الجهة التي تنظم الاستطلاع، إلا أن السمة المشتركة بين غالبية هذه الاستطلاعات، تتمثل في أن الرئيس الحالي (بايدن) لا يحصل على تأييد نصف الأميركيين في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً.

استطلاعات

ووفقاً لاستطلاع أجرته "رويترز" و"إيبسوس"، فإن تأييد الرئيس وصل إلى أدنى مستوياته منذ تسلمه سدة الرئاسة، وقبل أسبوعين من الانتخابات النصفية.

الاستطلاع الذي نشرت نتائجه في 25 أكتوبر، وشمل 1005 أميركيين، 447 منهم ديمقراطيين، أظهر أن 39 في المئة من الأميركيين يؤيدون الرئيس، وهو مستوى منخفض بنقطة مئوية كاملة عن مستوى الأسبوع الذي سبقه. 

واللافت في الاستطلاع، أن ثلث الذين تم استطلاع آرائهم حددوا الاقتصاد كأبرز مشاكل البلد، في حين حددوا الجريمة والنظام الصحي في المرتبة الثانية والثالثة بالترتيب. 

إلى ذلك، رأى استطلاع آخر نشرته مؤسسة "جالوب" الأميركية في 25 أكتوبر، أن 40 في المئة من الأميركيين يعتبرون أن بايدن يقوم بعمل جيد كرئيس، انخفاضاً من نسبة 44 ف المئة في أغسطس، ولكن النسبة المذكورة، لا تزال أعلى من نسبة الـ38 في المئة التي سجلها بايدن في يوليو. 

من جهته، يشير استطلاع أجرته مجلة "بوليتيكو" إلى أن الرئيس يحظى بتأييد 43 في المئة من الأميركيين. ولكن البحث المعمق في الأرقام يُظهر وجود نحو 15 في المئة ممن قالوا إنهم "غير موافقين على سياسة بايدن إلى حد ما"، عالقون في الوسط، إذ يخطط 44 في المئة منهم للتصويت لحزب بايدن في نوفمبر، في حين يخطط 35 في المئة منهم للتصويت للجمهوريين، مقابل 21 في المئة لم يحددوا خياراتهم بعد.

وبغض النظر عن معدلات التأييد، إلا أن جميعها تقريباً لا تتجاوز الـ45 في المئة، في حين أن أقل مستوى تأييد خلال الربع السابع من فترة الرئاسة، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، سجّل 41 في المئة، وكان من نصيب كلّ من بيل كلينتون ودونالد ترمب، وفقاً لمؤسسة "جالوب". 

ماذا يقول التاريخ؟

وفقاً لإحصاءات "مشروع الرئاسة الأميركية"، فإن الانتخابات النصفية تشكل ضربة لحزب الرئيس (أيا كان). فباستثناء الحزب الجمهوري خلال الفترة الأولى من حكم جورج بوش الابن (2002)، لم يتمكن حزب الرئيس، منذ عهد فرانكلين روزفلت في 1933، من الحصول على مقاعد إضافية في مجلس النواب خلال الانتخابات النصفية.

وفي ما يتعلق بمقاعد مجلس الشيوخ، فإن حزب الرئيس خلال عهد 5 رؤساء فقط، تمكن من كسب مقاعد إضافية في الانتخابات النصفية، وهؤلاء الرؤساء هم: روزفلت وحصل حزبه 9 مقاعد، جون كيندي في 1962 وحاز حزبه 3 مقاعد، ريشارد نيكسون في 1970 وحاز حزبه مقعدين اثنين، رونالد ريغان في 1982 وحاز حزبه مقعداً إضافياً، جورج بوش الابن في 2002 وحاز حزبه مقعدين، ودونالد ترمب في 2018، وحاز حزبه مقعدين إضافيين. 

أما إذا ذهبنا إلى الرؤساء عند انتهاء ولايتهم، فسنجد أن حزب بيل كلينتون في 1998 تمكن من حصد 5 مقاعد إضافية في مجلس النواب، في حين لم يتمكن حزب الرئيس من حصد أي مقاعد إضافية في مجلس الشيوخ. وهذه النتيجة جاءت في وقت أن معدلات التأييد للرئيس كانت عند 65% آنذاك.

ولزيادة التعمق في الأرقام، فإن رئيسين فقط كانت نسبة تأييدهما تحت عتبة 45 في المئة، تمكن حزبهما من حصد مقاعد إضافية في مجلسي الشيوخ والنواب، وهما رونالد ريغان في 1982 وكانت نسبة تأييده 42 في المئة، وحاز حزبه (الجمهوري) على مقعد إضافي في الشيوخ، ولكنه خسر 26 مقعداً في النواب، وترمب في 2018، وكانت نسبة تأييده 44 في المئة، وحاز حزبه الجمهوري أيضاً، على مقعدين إضافيين في الشيوخ، وخسر 40 مقعداً في النواب. 

ووفقاً لاستطلاعات "جالوب" التي تعود إلى 1940، فإن معدل المقاعد التي يخسرها حزب الرئيس عندما تكون نسبة التأييد أدنى من 50 في المئة، يصل إلى 37 مقعداً في مجلس النواب. 

علماً أن النتائج أعلاه، لا تقتصر على "جالوب"، إذ عدّل مركز "the Cook Political Report with Amy Walter" تقديراته بالنسبة للمقاعد الإضافية التي يحتمل أن يسيطر عليها الجمهوريون في مجلس النواب من 10 إلى 20 مقعداً، لتصبح بين 12 و25 مقعداً. 

النتيجة الأخيرة، خلص إليها مركز "Inside Elections" غير الحزبي، مرجحاً أن يسيطر الجمهوريون على 20 إلى 25 مقعداً إضافياً في "النواب"، ومشيراً إلى أن عدد المقاعد قد يرتفع إذا قرر الناخبون المتأخرون في اتخاذ قرار، التصويت ضد الديمقراطيين، أو إذا خبتت عزيمة التصويت عند الديمقراطيين.

وإذا صحت هذه التوقعات، فإن الانتخابات النصفية في نوفمبر التي ستطاول كل مقاعد "النواب" الـ435، و35 مقعداً من أصل 100 في "الشيوخ"، ستكون كابوساً على الديمقراطيين، ويبقى السؤال هو حجم الخسارة التي ستصيب الحزب. 

إمكانية الخسارة

عضو "الحزب الديمقراطي" نعمان أبو عيسى، اعترف بإمكانية خسارة الأغلبية في مجلس النواب، مشيراً إلى أن الأغلبية في مجلس الشيوخ ستبقى ديموقراطية. 

وقال أبو عيسى لـ"الشرق" إن الحزب الجمهوري منقسم على نفسه، مدللاً على ذلك بمثال عن الصراع بين الرئيس السابق دونالد ترمب ونائبه مايك بنس، مشيراً إلى أن التقليديين في الحزب الجمهوري غير راضين عن "الشعبوية الترمبية" كما وصفها، نظراً إلى أن الرئيس السابق "استطاع إسكاتهم".

ورأى أن بايدن والحزب الديمقراطي يركزون في حملتهم على الطبقة الوسطى والأقليات، خصوصاً الأقلية من أصول لاتينية، وذلك نظراً إلى ارتفاع نسب التصويت بين هؤلاء، والتي تصل إلى 80 في المئة، وهو ما يدعم حظوظه الانتخابية.

من جهته، قال عضو "الحزب الجمهوري" إحسان الخطيب لـ"الشرق"، إنه "تاريخياً ومع استثناءات بسيطة، فإن حزب الرئيس يخسر مقاعد في الانتخابات النصفية، ولكن السؤال هو عن حجم هذه الخسارة".

وأعرب عن اعتقاده بأن الجمهوريين سيربحون 24 مقعداً في مجلس النواب، وما لا يقل عن 4 مقاعد في مجلس الشيوخ، ما يعني أنهم سيسيطرون على الأغلبية في المجلسين.

الدفاع سمة حال الديمقراطيين

ولعل الاستراتيجية التي يعتمدها الديمقراطيون تزيد من وطأة الأزمة وتعمقها، فمع الإشارة إلى أن غالبية الأميركيين يرون أن الاقتصاد هو المشكلة الأكبر بالنسبة لهم، لا يبدو أن الاقتصاد الأميركي في أفضل أحواله. 

ورغم أن أكبر اقتصاد في العالم حقق ارتفاعاً في الناتج الإجمالي خلال الربع الثالث، إلا أن مخاوف الركود لا تزال تلوح في الأفق، وخصوصاً مع السياسة النقدية المتشددة التي ينتهجها الاحتياطي الفدرالي، والمصممة على رفع أسعار الفائدة. وفي وقت تسجل مستويات التضخم انخفاضاً إلا أنها هي الأخرى لا تزال مرتفعة، ما يزيد من الضغوط على المستهلكين الأميركيين، والشركات الكبرى.

وبعيداً عن الاقتصاد الداخلي، يشهد العالم أيضاً أزمات متواصلة بدأت بفيروس كورونا الذي شل معظم القطاعات الاقتصادية العالمية، وصولاً إلى الحرب في أوكرانيا وتأثيرها على أسعار النفط والغذاء، وهذا ما أثر أيضاً على الاقتصاد الأميركي سلباً.

كل هذه الضغوط ستجعل من قدرة بايدن على تلميع صورة الاقتصاد الأميركي أشبه بالمستحيلة، وستضيف إلى خزانة الجمهوريين طلقات يمكن استخدامها لإعدام أي إنجاز يمكن لبايدن القيام به. 

وفي هذا السياق، قال الخطيب إن عوامل الاقتصاد وانتشار الجريمة والحدود المفتوحة للهجرة، تأتي في سلم أولويات الناخب الأميركي، معتبراً أن الحزب الديمقراطي هو الملام على تفاقم الأزمات، بسبب سياساته "الفاشلة".

ووصف الخطيب سياسات الحزب في ما يتعلق بالاقتصاد والحدود والجريمة، و"حتى موضوع المدارس وحق الأهل في أن يكون لهم كلمة في تعليم وتربيه الأطفال" بـ"التدميرية". 

ولفت أيضاً إلى أن السياسة الخارجية الأميركية أيضاً "سيئة" بدئاً من الخروج المشين من أفغانستان وصولاً إلى حرب أوكرانيا والحرب على النفط والغاز. 

ورأى أن الديمقراطيين حاولوا جعل الانتخابات تدور حول الإجهاض وترمب، ولكنهم فشلوا في ذلك وفقاً لاستطلاعات الرأي. 

انتخابات الرئاسة 

الواقع أعلاه، يوصلنا إلى الانتخابات الرئاسية، فإذا صحت التوقعات، وخسر الديمقراطيون الأغلبية في "النواب" أو "الشيوخ"، أو الاثنين معاً، فإن الرئيس سيصبح مكبل اليدين في مجتمع شديد الانقسام. 

واعتبر أبو عيسى أن هذا السيناريو سيصعب عملية الحكم على الرئيس، إذ ستزداد قدرته على تمرير القرارات، صعوبة. 

وأشار إلى أن الجمهوريين يريدون أن يظهروا أنهم يستطيعون الوقوف بوجه الرئيس لرص صفوف الناخبين، ولكن ضمن حدود "حتى لا يثيروا غضب الشارع" فيعاقبهم في انتخابات الرئاسة. 

معضلة ترمب

مهما كان السيناريو الذي سيحصل، فإن ترمب لاعب لا يمكن تجاهله في الانتخابات النصفية والرئاسية. 

ورغم أن الرئيس السابق (ترمب) لم يعلن رسمياً ترشحه لانتخابات الرئاسة، إلا أنه دخل السباق الانتخابي بقوة. إذ يواصل حشد الدعم وإعلان التأييد للعديد من المرشحين الجمهوريين، حتى أن مؤسسة الدعم الخاصة به "ماغا"، قامت بدعم عدة مرشحين في ولايات رئيسية بأكثر من 4 ملايين دولار، وبثت إعلانات مدفوعة تشيد ببعض هؤلاء.

وبالتأكيد أن الرئيس السابق سيصرُّ على حصد ثمار هذا الدعم خلال انتخابات الرئاسة، حتى أنه بدأ بالتبجح بقدرته على إنجاح المرشحين قبل إعلان ترشحه، كما فعل مع جي دي فانس في أوهايو، أو رون دي سانتيس في فلوريدا.

وفي حال فوز الجمهوريين بالأغلبية، فإن الأمر لا يحتاج إلى تحليل للقول إن ترمب سينسب هذا الفوز لنفسه، قبل أن يطلق ماكينته الانتخابية لانتخابات الرئاسة، في حال أراد الترشح.

وفي هذا السياق، لفت أبو عيسى إلى أن ترمب لن يسمح لأي شخص آخر بالترشح، مشدداً على أنه "يملك غالبية الجمهوريين". 

وبشأن المنافسة بين بايدن وترمب، لفت أبو عيسى إلى أن الرئيس الأميركي لن يواجه صعوبة في منافسة ترمب، إذ استطاع الفوز عليه في انتخابات الرئاسة "بسهولة"، متوقعاً أن يهزمه مرة أخرى إذا ترشح ضده في الانتخابات، معتبراً أن ترمب "فقد مصداقيته". 

من جهته، اعتبر الخطيب أنترمب يتمتع بقوة وازنة عند الجمهوريين، ويمكن وصفه بـ"روك ستار"، مشيراً إلى أن أغلب المرشحين الذين دعمهم ترمب فازوا بالانتخابات. وقال إن أعضاء الحزب الذين صوتوا لعزله عندما كان رئيساً، خسروا أو تقاعدوا، مدللاً على ذلك بخسارة ليز تشيني الانتخابات. 

ولفت إلى أنه إذا لم يترشح ترمب للرئاسة فإن صاحب الحظ الأكبر هو من يدعمه الأخير. 

وتعليقاً على إمكان وجود رئيس جمهوري في البيت الأبيض، قال الخطيب إن سياسات الديمقراطيين "التدميرية" تدعم فرضية أن الرئيس المقبل للولايات المتحدة سيكون جمهورياً، لافتاً إلى أن المرشح الأقوى هو ترمب، ويليه حاكم فلوريدا رون دي سانتس. 

ولكن الخطيب اعتبر أن بايدن لن يكون المرشح الديمقراطي، معتبراً أن "قوته الذهنية والعقلية في تراجع، وهو يعطي أجوبة خاطئة على الأسئلة، كما يقول أموراً يعود البيت الأبيض ليتراجع عنها". وختم قائلاً إن "الديمقراطيين يعرفون ذلك، ولا يريدونه أن يترشح".

تصنيفات