روى ركاب كانوا في الطائرة التابعة لشركة "راين إير"، التي كانت متجهة من أثينا إلى فيلنيوس، وأرغمتها بيلاروسيا على الهبوط في مينسك، كيف اضطرب الصحافي البيلاروسي المعارض رومان بروتاسيفيتش، لدى علمه بالأمر، فيما كان واضحاً اهتمام أجهزة الأمن البيلاروسية به.
وأسّس بروتاسيفيتش شبكة "نكستا" الإعلامية، التي أدّت دوراً أساسياً في التظاهرات التي شهدتها بيلاروسيا العام الماضي، احتجاجاً على إعادة انتخاب الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، في اقتراع اعتبرته المعارضة مزوراً، علماً بأن لوكاشينكو يحكم البلاد منذ عام 1994.
وفي نوفمبر الماضي، أدرجت أجهزة الاستخبارات البيلاروسية بروتاسيفيتش (26 عاماً) على لائحة "الأفراد الضالعين في نشاطات إرهابية".
وأعلنت زعيمة المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا، اللاجئة في ليتوانيا، أنه يواجه "عقوبة الإعدام" في مينسك.
وأفادت "نكستا" باعتقال بروتاسيفيتش في مينسك التي أعلنت أن الطائرة بدّلت مسارها بسبب "تهديد بوجود قنبلة".
لكن "نكستا" ذكرت أن الهبوط الاضطراري جاء إثر "شجار" مع طاقم "راين إير"، لدى دخولها المجال الجوي البيلاروسي، بدأه عملاء للاستخبارات البيلاروسية في الطائرة، زعموا وجود قنبلة على متنها.
وأعلن مكتب لوكاشينكو أن الأخير أمر شخصياً مقاتلة من طراز "ميغ 29"، باعتراض طائرة الركاب بعد التحذير من وجود قنبلة.
"هل تتحدث الروسية؟"
وأفادت وكالة "بلومبرغ" بطرح سؤال واحد على بروتاسيفيتش، عندما اختاره مسؤول بيلاروسي من بين ركاب متجمّعين في حافلة بمينسك، بعد اعتراض طائرة "راين إير"، قبل 10 دقائق من وصولها إلى ليتوانيا.
ونقلت الوكالة عن سوليوس داناوسكاس، أحد ركاب الطائرة، قوله: "سأله ضابط، وهو يشير بأصبعه إليه: هل تتحدث الروسية؟". وأضاف الراكب: "أجروا عرضاً ضخماً. كان واضحاً أن هذه العملية تمّت من أجل هذا الرجل".
وأشارت الوكالة إلى أن داناوسكاس هو جدّ، كان عائداً من عطلة في اليونان، مع زوجته وعائلة ابنته. وأضافت أن الركاب أُخضعوا في مينسك لفحص أمني، شمل كلاباً بوليسية للجميع، بما في ذلك الأطفال.
واعتبر داناوسكاس أن حالة الطوارئ كانت منظّمة بشكل كامل، وأنه لم يكن هناك تهديد بقنبلة، علماً بأن معظم ركاب الطائرة هم من ليتوانيا، ويتحدثون اللغة الروسية أيضاً، إذ إن بلدهم كان سابقاً ضمن جمهوريات الاتحاد السوفييتي.
وقال داناوسكاس: "حدث كل ذلك على الطريقة السوفييتية القديمة. جائحة أو لا جائحة، كوفيد أو لا كوفيد، لا أحد يهتم. كان الأمر غير سارّ بالمرّة".
"مسلّم بمصيره"
وذكرت "بلومبرغ" أن "الهدف الحقيقي" كان بروتاسيفيتش، وهو معارض للوكاشينكو، مقيم في فيلنيوس منذ نوفمبر الماضي، بعدما اعتبرته مينسك إرهابياً.
وأشارت الوكالة إلى أن بروتاسيفيتش بدا هادئاً، ومسلّماً بمصيره، إذ اعتُقل سريعاً. وأقدمت السلطات على تفتيش صديقة بروتاسيفيتش التي سُمح لها بالعودة إلى الطائرة، لكنها بقيت في مينسك.
وأعلن مسؤولون في الحكومة الليتوانية أن 4 ركاب آخرين على الأقلّ لم يعودوا إلى الطائرة.
ونقلت "بلومبرغ" عن مونيكا سيمكين (40 عاماً) التي كانت مسافرة مع 3 أطفال، قولها في إشارة إلى بروتاسيفيتش: "عندما أعلن الطيار أننا سنهبط في مينسك، شعر بضيق شديد، وحاول سحب جهاز الكمبيوتر الخاص به، قائلاً إن كل ذلك يحدث بسببه. نظر إلى ركاب آخرين تحدثوا إليه، وقال إنه يواجه عقوبة الإعدام" في بيلاروسيا.
وأشارت سيمكين إلى أن عمليات التفتيش في مينسك استمرّت لساعتين ونصف ساعة، لم يُتح خلالها للركاب الحصول على ماء، أو دخول الحمام أو إجراء مكالمات هاتفية. واستدركت أن تلك الصعوبات "لا تُقارن بما ينتظر" الصحافي المعتقل.
"خائف جداً"
وأفادت وكالة "رويترز" بأن بروتاسيفيتش أقدم، بعد إعلان قبطان الطائرة تحويل مسارها إلى مينسك، على فتح مقصورة الأمتعة وسحب جهاز كمبيوتر محمول من حقيبة يد، وهاتفه الخليوي، وإعطائهما لصديقته.
ونقلت الوكالة عن راكب ليتواني قوله، في إشارة إلى الصحافي البيلاروسي: "أعتقد بأنه ارتكب خطأً. كان هناك أشخاص كثيرون، وكان يمكنه إعطاء الأشياء لي، أو لركاب آخرين، لا لصديقته، التي أعتقد بأنها اعتُقلت أيضاً".
وأضاف: "رأينا أن رومان أوقف بسبب بعض الأشياء في الأمتعة. رأينا من النافذة أن رومان يقف بمفرده، وكان هناك شرطي، مع كلب، محاولاً العثور على شيء (في حقائبه)".
وقالت راكبة أخرى إن بروتاسيفيتش بدا "خائفاً جداً"، وتابعت: "نظرت في عينيه مباشرة، وكان حزيناً جداً".
وأشارت "رويترز" إلى فصل بروتاسيفيتش فوراً عن الآخرين لدى وصوله إلى مينسك، مضيفة أن عمليات فحص الأمتعة، باستخدام كلاب بوليسية، لم تُظهر شيئاً.
ونقلت الوكالة عن راكب قوله لوسائل إعلام ليتوانية إن بروتاسيفيتش عرّف عن نفسه لمسؤولي الأمن البيلاروسيين، لدى وصوله. وزاد: "رأيت كيف أُخذ جواز سفره. خلع كمامته، وقال: أنا السبب في كل ما يحدث".
صديقة الصحافي
وأعلنت "الجامعة الأوروبية للعلوم الإنسانية"، وهي جامعة بيلاروسية في فيلنيوس، إن إحدى طالباتها، وتُدعى صوفيا سابيغا (23 عاماً)، كانت ترافق بروتاسيفيتش في طائرة "راين إير"، مشيرة إلى اعتقالها أيضاً في مينسك، ومطالبة بالإفراج عنها.
ونقلت "رويترز" عن ناطق باسم الجامعة إن سابيغا وبروتاسيفيتش كانا في إجازة باليونان، مضيفاً أن أسرة سابيغا أكدت اعتقالها.
وذكرت الجامعة أن سابيغا، وهي روسية، كانت متوجّهة إلى فيلنيوس لتقديم أطروحة ماجستير في الجامعة. ونددت باعتقالها في مينسك "في ظروف بلا أساس ومختلقة".