قانون "الأمن القومي".. هونغ كونغ على صفيح ساخن

time reading iconدقائق القراءة - 8
قوات مكافحة الشغب تحتجز متظاهرين خلال إحدى التظاهرات في هونغ كونغ - REUTERS
قوات مكافحة الشغب تحتجز متظاهرين خلال إحدى التظاهرات في هونغ كونغ - REUTERS
بكين-غفران بنمحمود

أقر المجلس التشريعي الصيني، يوم الجمعة 22 مايو الجاري، قانون "الأمن القومي" المثير للجدل، والذي تنوي السلطات تطبيقه في هونغ كونغ، حيث سيتم اعتماده من دون الرجوع إلى السلطة التشريعية في المستعمرة البريطانية سابقاً، والتي أعيد ضمها إلى الصين في عام 1997 تحت مظلة مبدأ "دولة واحدة ونظامين"، وتتمتع بموجبه هونغ كونغ لمدة 50 عاماً بحكم شبه ذاتي ونظام قضائي مستقل وحريات لا تتواجد في البر الرئيس الصيني، كحرية التعبير وحرية الصحافة والتظاهر وغيرها.
غير أن الكثير من القوى المؤيدة للديموقراطية في هونغ كونغ ترى في هذا القانون انتهاكاً واضحاً لمبدأ "دولة واحدة ونظامين"، واعتبرته يمس الحريات بدعوى الحفاظ على الأمن القومي، فيما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليصفوه بـ"نهاية هونغ كونغ".

تبريرات بكين

استندت بكين في تبريرها لقانون "الأمن القومي" إلى قصور النظام الأمني في هونغ كونغ وعجزه عن حماية السكان والممتلكات العامة والخاصة أثناء احتجاجات 2019 التي شهدت أعمال عنف واسعة النطاق. وقالت رئيسة السلطة التنفيذية لهونغ كونغ، كاري لام، إنه تم "تسجيل حوادث عدة استخدمت فيها متفجرات وأسلحة نارية بشكل يصل إلى حد الإرهاب"، بحسب وصفها.

وقالت بكين إن هناك دعوات انفصالية تخللت المظاهرات الأخيرة، متهمة بعض المحتجين والقوى الداعمة لهم برفع شعارات تدعو إلى الانفصال عن الصين، وهو ما تعتبره بكين خطاً أحمر.

الصحافي الصيني في قناة CGTN العربية، لي قانغ، قال في حديث لـ"الشرق" إن قوى المعارضة في هونغ كونغ استغلت، بمساندة من جهات خارجية، مظاهرات عام 2019 وحوّلتها إلى أعمال عنف وتخريب من أجل المطالبة بالانفصال تحت شعار: "حقوق الإنسان والديموقراطية"، حتى بعد إعلان السلطات في هونغ كونغ وقف "تعديل قانون تسليم المتهمين".

قانون مثير للجدل

تنص الخطوط العريضة للقانون على "تعزيز آليات التطبيق" في مجال "حماية الأمن القومي" من خلال منح الأجهزة الأمنية التابعة للصين سلطة إنفاذ القانون داخل هونغ كونغ، وتدور حول ذلك مخاوف من أن عملاء الاستخبارات والشرطة الصينيين لن يتمركزوا في المدينة فحسب، بل سيكون لديهم قوة إنفاذ رسمية للمرة الأولى.

وينص القانون على أنه يجب على الأجهزة القضائية العمل إلى جانب حكومتها ومجلسها التشريعي في "منع الأعمال التي تعرّض الأمن الوطني للخطر  وإيقافها ومعاقبة مرتكبيها بصرامة". هذا الأمر رآه كثيرون يخل باستقلال القضاء في الإقليم، فيما قال كبار القضاة في هونغ كونغ الشهر الماضي إن "استقلال النظام القضائي في المدينة يتعرّض لاعتداء من قيادة الحزب الشيوعي، ما يشكل تهديداً خطيراً على سيادة القانون"، في إطار تعليقاتهم على القانون الصيني.

ردود فعل محلية متباينة

انقسمت ردود الفعل المحلية داخل هونغ كونغ ذاتها بين مؤيد لقانون "الأمن الوطني" ومعارض له، فهونغ كونغ ليست على قلب رجل واحد مع وجود أغلبية موالية للصين داخل أروقة مجلسها التشريعي، ونفوذ قوي داخل حكومتها بدءاً من رئيسة السلطة التنفيذية الموالية لبكين وصولاً إلى كبار الموظفين، بالإضافة إلى الشركات الصينية داخل المدينة.

أما الشق المعارض، المتمثل في القوى الداعمة للديموقراطية، فيستند في معارضته إلى مخاوف من إحكام قبضة الحزب الشيوعي على مفاصل الحياة السياسية والأمنية في المدينة، ومصادرته الحريات وإسكاته الأصوات المعارضة عبر قانون أخطر ما فيه غموضه وإمكانية مط بنوده ليوائم إملاءات بكين.

وعلى عكس الشق القريب من الحزب الشيوعي الصيني، يستمد "أنصار الديموقراطية" قوتهم من الشارع الذي من المنتظر أن يشارك في مظاهرات يأمل الداعون إليها أن تكون الأضخم في تاريخ المدينة، خصوصاً أن ممثلي القوى الديموقراطية داخل البرلمان عاجزون عن معارضة سنّ القانون، لا لقلة فيهم، وهم كذلك بالفعل (27 مقعداً كأفضل تقدير مقابل 43 مقعداً محسوباً على معسكر بكين)، بل لأن سنّ القانون من قبل المجلس التشريعي الصيني غير قابل للطعن من برلمان هونغ كونغ.

الشارع يتفاعل

لم ينتظر الشارع كثيراً ليتحرك، إذ خرج آلاف المتظاهرين في مسيرات في عطلة نهاية الأسبوع وسط المدينة للاحتجاج على القانون، على الرغم من عدم رفع قيود الحظر الصحي والتباعد الاجتماعي بالكامل المفروضة في مواجهة فيروس "كورونا".

ويرجح مراقبون أن تتصاعد وتيرة الاحتجاجات تدريجياً مع استمرار حشد أنصار الديموقراطية للجماهير وخاصة الشباب منهم.
وقالت تانيا شان، النائبة الداعمة للديموقراطية في هونغ كونغ، إن "بكين لا تحترم إطلاقاً شعب هونغ كونغ"، مضيفة أن "كثيرين من سكان هونغ كونغ غاضبون اليوم مثلنا، لكن علينا أن نتذكر أنه يجب ألا نستسلم".

ويرى الناشط المؤيد للديموقراطية، جوشوا وونغ، أن الرسالة التي بعثتها الصين للمتظاهرين المعارضين في غاية الوضوح. وكتب على "تويتر" أن الصين "تحاول إسكات أصوات سكان هونغ كونغ المعارضين بالقوة والخوف". وتابع مضيفاً: "الآن بداية النهاية والوقت أخذ ينفد فعلاً في هونغ كونغ، وهذا هو السبب بالنسبة لنا حتى في ظل تفشي كوفيد-19 ما زلنا بحاجة لتجميع قوتنا للاحتجاج".

كما دعت رسالة نشرت على تطبيق "تليغرام" السكان إلى التظاهر تحت عنوان "سكان هونغ كونغ أمام خيار واحد في شأن مستقبلهم".

واشنطن الحاضر الأبرز

وعبّرت بعض الحكومات التي عُرفت بمعارضتها لسياسات الصين، كبريطانيا وأستراليا، عن شعورها بالقلق إزاء عزم بكين سنّ وتفعيل قانون "الأمن القومي" في هونغ كونغ. واستمراراً للحرب الكلامية بين الولايات المتحدة والصين، بدت تصريحات المسؤولين الأميركيين أكثر حدة من سواها، إذ حذرت واشنطن بكين من مغبة سنّ قانون "مزعزع جداً للاستقرار"، كما علّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤكداً أن "واشنطن سترد بحزم في حال سنّ القانون". أما وقد تم ذلك بالفعل، فإن مراقبين يتوقعون أن يأتي الرد بشكل عقوبات تجارية مثل رفع الرسوم الجمركية وعقوبات شخصية تطال مسؤولين صينيين على صلة بالتشريع المثير للجدل.

ومع تداول الأنباء بشأن عزم بكين اعتماد قانون "الأمن القومي" منذ الأسبوع المنصرم، قدم أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، الخميس الماضي، مشروع قانون لفرض عقوبات على أي كيان سيحد من الحكم الذاتي لهونغ كونغ. 

تصنيفات