
على الرغم من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أبريل من العام الماضي، أن بلاده ستقف في وجه "من يحاولون تهميش وإقصاء حتى مواطن أرمني واحد" في البلاد، وأن أنقرة تولي أهمية خاصة لأمن وسلام وسعادة الطائفة الأرمنية في تركيا، فإن الخطاب الرسمي التركي، الداعم لأذربيجان في مواجهة أرمينيا في الصراع الدائر بشأن إقليم ناجورنو قره باغ، كان له أثره في حياة الأرمن في تركيا.
في أواخر سبتمبر الماضي، ومع بداية اندلاع الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، دعا أردوغان في تغريدة عبر تويتر، الشعب الأرميني إلى "التمسك بمستقبله في مواجهة قيادته التي تجرّه إلى كارثة، وأولئك الذين يستخدمونه كالدمى"، بحسب وصفه. وأضاف في رسالته: "ندعو أيضاً العالم بأسره للوقوف مع أذربيجان في معركتها ضد الغزو والوحشية"، معلناً تضامن أنقرة مع باكو على الدوام.
التصريحات السابقة الإشارة إليها، فتحت الباب أمام الأرمن في تركيا، لتوجيه اتهامات وانتقادات لحكومة الرئيس التركي أردوغان، وحملتها مسؤولية تعرضهم لممارسات عنصرية، وتمييز، تُرجمت إلى أفعال من قبل بعض الأتراك ضد الأرمن، وذلك حسب شهادات مواطنين أتراك من أصل أرميني لـ"الشرق".
نواب في البرلمان التركي، في مقابل ذلك، أكدوا في تصريحات لـ"الشرق"، عدم صحة تلك الادعاءات، مشددين، بحسب وصفهم، على أن "الجميع في تركيا سواء".
غرباء رغم المواطنة
وعلى الرغم من تأكيدات السلطات التركية، الخاصة بحفظ حقوق الأتراك من أصول أخرى، وتمتع الأقليات في البلاد بحقوق المواطن التركي ذاتها، يؤكد بعض الأرمن أنهم يعيشيون غرباء في تركيا.
وفي أول الشهر الماضي، أكد أردوغان، أمام البرلمان التركي، أن بلاده ستدّعم أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، من مبدأ "شعب واحد ودولتين"، وهو ما وضع الأرمن في تركيا في مرمى هجمات عنصرية لمواطنين أتراك.
كايوش جاليكمان جافريلوف، تركية من أصول أرمينية، وتعمل مدرّسة في كلية الفنون الجميلة، تقول في حديثها لـ"الشرق: "يعيش الأرمن في تركيا غرباء، فعلى الرغم من تمتعهم بالمواطنة، فإن الموقف التركي الداعم لأذربيجان، ينعكس تأثيره مباشرة على الأرمن هنا، فخروج الأتراك، خلال القتال الذي تجدد مؤخراً، بمسيرات داعمة للشعب الأذربيجاني، في الأحياء التي يقطنها أغلبية أرمينية، ورفع أعلام أذربيجان، يسبب ضرراً نفسياً حقيقياً لنا".
وأضافت: "كان من الواضح أن الهدف من هذه الأنشطة هو إخافتنا، وبث الرعب في نفوسنا، في هذه اللحظات أشعر بكم الضغط النفسي الرهيب، الذي يمارس على الأرمن هنا في تركيا، إضافة إلى الحملات الإلكترونية المعادية لأرمينيا مؤخراً".
الترويج للحرب
وأرجع النائب في حزب الشعوب الديمقراطي ذي الأغلبية الكردية، جارو بايلان، وهو تركي من أصول أرمينية، الأعمال العنصرية التي ينفذها الأتراك ضد الأرمن إلى "النهج السياسي الشعبوي القومي الذي يسلكه المسؤولون الأتراك".
وقال في تصريحات لـ"الشرق": "الحكومة التركية تدعم أذربيجان بسياسة عنصرية ضد أرمينيا، ونتيجة هذا الدعم، ارتفعت القومية المتطرفة في المجتمع التركي، وسط قلق ومخاوف في أوساط الأرمن".
وحول تداعيات الصراع الأخير، بين أذربيجان وأرمينيا، تابع "بايلان": "عندما بدأ الصراع في إقليم قره باغ أدركت أن الحكومة التركية تنفذ بروباغندا للحرب، ولكي تشرعن هذه الحرب، كانت الحكومة التركية تقول أكاذيب، قائمة على تصوير أرمينيا بالمعادية والخائنة، وكنت ضد هذا الأمر تماماً، وعندما طالبت بوقف الحرب وإحلال السلام، استُهدفت من قبل الحكومة، لأنها تروّج للحرب، وتعادي داعمي السلام"، حسب قوله.
خطاب معاداة أرمينيا
الكاتب الصحفي، ياتفارت دانزيكيان، رئيس تحرير صحيفة "أغوس" التي تصدر باللغة الأرمينية والتركية، في حديثه لـ"الشرق" قال: "العنصرية والتمييز ضد الأرمن في تركيا لم يبدأ مع الصراع (الأذربيجاني-الأرميني) الأخير، بل منذ عشرات السنين، وبالتحديد منذ مذبحة الأرمن، وحتى يومنا هذا، ولهذا اضطر بعض الأرمن لإخفاء هويتهم الحقيقية، وعلى الرغم من وجود من يقول إن الأرمن أشقاؤنا، في المقابل هناك من يرى الأرمن أعداء".
لكن "دانزيكيان" يؤكد أن الدعم التركي الكبير لأذربيجان، وخاصة في الصراع الأخير، زاد العداء في الشارع التركي ضد أرمينيا، بالتوازي مع تزايد الخوف في صفوف الأرمن داخل تركيا.
وأضاف: "الاختلاف في الموقف التركي تجاه أذربيجان الآن، هو الدعم العسكري الكبير الذي تقدمه، ما خلق مفهوماً أن الطرفين يشنان حرباً ضد أرمينيا، وانعكس ذلك على أداء الصحافة في الأخبار التي تصاغ بلغة معادية لأرمينيا، ما تسبب في خلق عداء في المجتمع التركي ضد الأرمن".
لجنة برلمانية حقوقية
بدوره، نفى ناجي بوستانجي، النائب في حزب العدالة والتنمية الحاكم، ورئيس الكتلة النيابية في أنقرة، في تصريح خاص لـ"الشرق"، وجود أي علاقة عرقية في موقف تركيا من الصراع الأرميني الأذربيجاني.
وأضاف: "بالطبع نحن نشارك الأذريين العرق ذاته، ولنا تاريخ مشترك، ولكن الأرمن أيضاً كانوا جزءاً من التاريخ التركي، وكانوا يحاربون في صفوف الجيش العثماني".
وتابع: "اعتراض الحكومة التركية لسياسة أرمينيا لا يعني معاداتها للأرمن، فهناك ما يقارب من (100 ألف أرميني)، حسب تقديره، يعملون في تركيا، هؤلاء ضيوفنا ولا نقبل أن تعترضهم أي مضايقات".
وأضاف "بوستانجي": "البرلمان التركي خصص فريقاً تابعاً للجنة حقوق الإنسان لمتابعة المسائل الإنسانية وانتهاك حقوق الأرمن، وإجراء تقييم بشأن ما إذا كان المواطنون والضيوف الأرمن في تركيا، تعرضوا لممارسات تنتهك حقوقهم أم لا، وسيُعلن عن تقرير بهذا الشأن في وقت قريب".
وقبل 10 سنوات، قال رجب طيب أردوغان عندما كان رئيساً للوزراء في تصريحات لقناة بي بي سي التركية، إن هناك 100 ألف مواطن أرمني في البلاد، "إذا لزم الأمر يمكننا ترحيلهم خارج الحدود".
"الجميع سواء"
وأكد عضو الحزب الحاكم، والنائب السابق عن مدينة إسطنبول، محمد متينلار، في حديثه لـ"الشرق" أن "حرب أذربيجان ليست حرباً بين الأتراك والأرمن، وأن من ينفذ أعمالاً بدافع الكراهية والعداء ضد مواطنينا الأتراك، من أصل أرمني، سيواجه حكومة حزب العدالة والتنمية، فلا يوجد أي عذر أو مبرر لأي مواطن أرمني لإساءته إلى حكومة تركيا أو الأمة التركية".
وأوضح: "الجميع في هذا البلد سواء، بغض النظر عن الانتماء الديني والطائفي، والعرقي، وكل من لا يخون وطنه وأمته ودولته فهو مواطن مقبول، والاعتداء عليه يعتبر بمنزلة مضايقة واعتداء مباشر على وحدة دولتنا وأمتنا".