بعد ساعات على تولّيه منصبه، أوفى الرئيس الأميركي جو بايدن بوعد انتخابي، ملغياً تشييد خط أنابيب النفط "كيستون إكس إل". وفي اليوم ذاته، أمرت وزارة الداخلية بحصر الموافقة على إصدار تراخيص حفر جديدة، خلال الشهرين المقبلين، بأبرز مسؤوليها.
وأفادت وكالة "بلومبرغ" بأن بايدن يعتزم أيضاً تجميد بيع عقود إيجار النفط والغاز على الأراضي الفيدرالية التي تستخرج منها الولايات المتحدة 10% من إمداداتها. وأدت هذه الإجراءات إلى تراجع أسهم منتجي النفط، مثيرة قلقاً لدى هذا القطاع.
وقال فرانك ماتشيارولا، نائب الرئيس الأول للسياسة في "معهد البترول الأميركي": "في اليومين الأولين من الإدارة الجديدة، اتخذ (أعضاؤها) إجراءات من شأنها أن تمسّ بالاقتصاد وتلغي وظائف أميركيين. نحن قلقون، ويجب أن يقلق كل فرد في البلد".
الأمر الذي أصدرته وزارة الداخلية يغيّر الإجراءات لمدة 60 يوماً، فيما تُعيَّن القيادة الجديدة للوزارة. ويتطلب الأمر توقيع أبرز مسؤولي الوزارة على عقود إيجار النفط وتراخيصه، إضافة إلى قرارات التوظيف وعمليات التعدين والمراجعات البيئية.
نذير شؤم
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن قطاع الطاقة اعتبر ذلك نذير شؤم، مضيفة أن مسؤولين قلقون من تكليف أفراد معيّنين سياسياً اتخاذ قرارات بشأن التراخيص الفنية، بدل منظمين خبراء في هذا المجال. كما أنهم قلقون من أن التراخيص أو التغييرات عليها ستتأخر بشأن عمليات الحفر القائمة.
إضافة إلى ذلك، فسّر كثيرون ذلك بأنه مقدمة لإجراءات أوسع، بما في ذلك خطة الإدارة لتجمّد كل عمليات تأجير النفط والغاز والفحم، في نحو 700 مليون فدان (2.8 مليون هكتار) من الأراضي الفيدرالية.
وهددت كاثلين سغاما، رئيسة "تحالف الطاقة الغربية"، برفع قضية أمام محكمة لمواجهة قرار مشابه، قائلة: "يستهدف هذا الإعلان فرض حظر مؤقت على التأجير والتراخيص، ولكنه أيضاً مقدمة لحظر بعيد المدى".
وفي حين أن وعود حملة بايدن وتحركاته الأولية للإيفاء بها تشكّل تهديداً لبعض منتجي النفط الأميركيين، فقد تكون تلك الإجراءات بمثابة نعمة بالنسبة إلى أسعار النفط الخام، من خلال تقييد العرض.
تحوّل عن مسار ترمب
وتمثل التحركات المبكرة للإدارة الجديدة تحوّلاً جذرياً عن مسار الرئيس السابق دونالد ترمب الذي سعى إلى تسريع تراخيص الحفر وفتح مزيد من الأماكن للتنقيب عن النفط.
والتغيير في الاتجاه واضح من خلال قرارات التوظيف المبكرة. فأثناء حكم ترمب، كان سكوت أنغل أبرز منظم للحفر البحري في وزارة الداخلية، وهو حليف قديم لقطاع النفط ومسؤول سابق في ولاية لويزيانا، سعى إلى تسريع استخراج تراخيص لمشاريع النفط في خليج المكسيك، بعد كارثة "ديب ووتر هورايزون" للتسرّب النفطي في عام 2010.
في المقابل، كانت ماريسا نودل، وهي ناشطة سابقة في منظمة "أصدقاء الأرض"، من أوائل الموظفين الذين عُيّنوا في "مكتب إدارة طاقة المحيطات" المشرف على تأجير النفط البحري ومزارع الرياح. وكانت نودل واحدة من نحو 150 شخصاً دفعت احتجاجاتهم الصاخبة على مزاد علني أجراه المكتب لحقوق التنقيب عن النفط، في مارس 2016، وزارة الداخلية إلى جعل مبيعات تأجير النفط والغاز اللاحقة عبر الإنترنت.
تخلّص من الوقود الأحفوري
وفي مسار حملته الانتخابية، دعا بايدن إلى تخلّص تدريجي من الوقود الأحفوري، متعهداً بوقف منح تراخيص جديدة للنفط والغاز على الأراضي الفيدرالية. ودفع القلق منتجين للنفط إلى تخزين عقود إيجار وتراخيص حفر، في العام الماضي، تحسباً لمزيد من القيود في عهد بايدن.
لكن سرعة التحركات الأخيرة لا تزال تفاجئ كثيرين في القطاع، ما أدى إلى مكالمات هاتفية محمومة، سعى خلالها أعضاء في جماعات ضغط ومحامون إلى التخطيط لتحركاتهم التالية. وأفادت "بلومبرغ" بأن هؤلاء يعدّون استراتيجيات لخياراتهم، بما في ذلك التقاضي، ويدرسون أي أدوات سياسية يمكنهم استخدامها لإحباط حظر أوسع لبيع عقود إيجار النفط والغاز على الأراضي الفيدرالية.
واعتبر السيناتور دان سوليفان، وهو جمهوري من ألاسكا، أن هذه التغييرات تهدّد العمليات في ولايته خلال موسم الشتاء الحالي، إذ تعتمد شركات مثل "كونوكو فيليبس" على الطرق الجليدية ومنصات الجليد لدعم الحفر ونشاطات أخرى في "محمية البترول الوطنية" في ألاسكا. وتساءل سوليفان خلال جلسة لمجلس الشيوخ: "إذا جُمّدت أعمال الحفر لمدة 60 يوماً في المحمية، سنخسر الموسم بأكمله".
حلّ ملف المناخ
لكن المدافعين عن البيئة مسرورون، إذ يعتبرون أن كبح تطوير الوقود الأحفوري على الأراضي الفيدرالية ضروري لتقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، التي تؤدي إلى تغيّر المناخ. وأفاد تقرير أعدّته "هيئة المسح الجيولوجي الأميركية" بأن النفط والغاز والفحم المستخرج من الأراضي والمياه الفيدرالية تشكّل نحو 24% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة.
ونقلت "بلومبرغ" عن دان ريتزمان، مدير حملة "الأراضي والمياه والحياة البرية" في منظمة "سييرا كلوب" البيئية، قوله: "التجميد المؤقت للقرارات الجديدة المتصلة بالوقود الأحفوري يجعلنا أقرب إلى مجتمعات ومناخ أكثر صحة، وأماكن برية أكثر صحة. يمكن للأراضي العامة أن تكون جزءاً من حلّ لملف المناخ، ويجب أن تكون كذلك".