قصة نهر "وانغانوي".. مواطن نيوزيلندي بالقانون

time reading iconدقائق القراءة - 7
منظر عام لنهر وانغانوي في الجزيرة الشمالية لنيوزيلندا - AFP
منظر عام لنهر وانغانوي في الجزيرة الشمالية لنيوزيلندا - AFP
دبي - الشرق

"يتدفق النهر العظيم من الجبال إلى البحر. أنا النهر، والنهر هو أنا"، بهذه الكلمات تُقدس قبائل الماوري في منطقة وانغانوي في نيوزيلندا ارتباطهم بثالث أكبر نهر في البلاد، والذي يؤمنون بأنهم ينحدرون منه ويقدسونه كأحد أسلافهم.

ينبع نهر وانغانوي من حقول ثلجية لثلاثة براكين وسط الجزيرة الشمالية بنيوزيلندا، وبحسب الأساطير المحلية بين قبائل الماوري فإن "دمعة سقطت من عين الأب في السماء على سفح أعلى هذه الجبال، جبل روابيه، فوُلد النهر".

في 2017، انهمرت دموع قبائل الماوري هذه المرة، فرحاً بعد أن وافق البرلمان النيوزيلندي على مشروع قانون يعترف بنهر وانغانوي "كائناً بشرياً"، يتمتع بنفس حقوق المواطنين في نيوزيلندا.

وبعد مرور 3 سنوات على إقرار القانون، تغيرت وضعية النهر القانونية، لكن طريقة التعامل مع قبائل الماوري في المنطقة لم تتغير كثيراًَ، إذ يستعدون لخوض معركة أخرى لإنصافهم، وفقاً لشبكة "سي إن إن".

قصة انتماء

لمئات السنين، عاشت قبائل الماوري في مستوطنات على ضفاف نهر وانغانوي، الذي يعني اسمه "الميناء الكبير". وهو نهر يمتد على طول 290 كيلومتراً، وطالما تمركزت حياتهم حوله، حتى إنهم كانوا يستخدمون مياهه لشفاء مرضاهم.

وتؤمن قبائل الماوري بأن هذا النهر هو أحد أسلافهم، بحسب تقرير نشرته محكمة وايتانغي عام 1999. وقال التقرير إن هذا الاعتقاد جاء للدور الأساسي الذي كان يلعبه النهر في حياة هذه القبائل، إذ كان بالنسبة لهم "مصدر الغذاء، والطريق الوحيد الذي يقلّهم، ومرشدهم الروحاني".

ويؤمن شعب الماوري بأن كل الأشياء على الأرض تتوفر على "الماوري" أي قوة الحياة والروح. 

وفي أوائل القرن التاسع عشر، وتحديداً في 1810، وصل المستعمرون البريطانيون إلى وانغانوي، بعد احتلالهم مناطق شاسعة من نيوزيلندا، فخاضت حروباً عنيفة مع قبائل الماوري، ثم استحوذت على أراضيهم.

وبعد احتلال المنطقة، أقر البريطانيون قوانينهم الخاصة. وتحت القانون البريطاني، لم يعد النهر كياناً واحداً، بل تحول إلى أجزاء منفصلة تحكمه قوانين مختلفة، إذ خضعت أحواض الأنهار والمجال الجوي فوق النهر لقوانين مختلفة.

ولم يسمح المستعمر البريطاني لشعب الماوري باستخدام النهر إلا للفئات التي تسهم في اقتصاد المستوطنين البريطانيين. 

مع مرور السنين، بسط البريطانيون مزيداً من السيطرة على المنطقة، وبالتالي تغير وضع النهر القديم، فشغلوا البواخر واستخدموا حصى النهر في البناء، ودمروا السدود القديمة للصيد، حيث كان شعب الماوري يصطاد لأجيال. ثم أبعدوا مستوطنات الماوري عن النهر لإفساح المجال للمستوطنين البريطانيين.

أطول مقاضاة في تاريخ نيوزيلندا

في عام 1840، وقّع قادة عدد من قبائل الماوري "معاهدة وايتانغي" مع ملكة بريطانيا، بموجبها تعترف المملكة المتحدة بملكية القبائل لأراضيهم، ومنحت قبائل الماوري الحماية التي توفرها المملكة لرعاياها. لكن القبائل أحسّت بأن بريطانيا لم تحترم تعهداتها، وفقاً لـ"سي إن إن".

وفي عام 1870، بدأت قبائل الماوري حرباً قانونية ضد حكومة الاستعمار البريطاني، طالبت من خلالها بحقوقها الشرعية في النهر. وبعد مرور عقود، تم تقديم سلسلة من العرائض إلى الحكومة في العاصمة النيوزيلندية ويلينغتون. 

وفي عام 1975، أسست الحكومة في نيوزيلندا "محكمة وايتانغي" وهي عبارة عن لجنة تحقيق دائمة، تهدف إلى الاستماع والبث في تظلمات شعب الماوري، التي حدثت منذ عام 1840.

وطالبت قبائل الماوري منذ ذلك الوقت بإعادة الوضع السابق لنهر وانغانوي. وفي عام 1999، خلصت "محكمة وايتانغي" إلى أن النهر "كنز قبائل الماوري في وانغانوي"، وحثت على جبر الأضرار التي لحقت بهم بسبب تغيير وضع النهر.

لكن المفاوضات بشأن الدعوى القضائية توقفت بعد ذلك، من دون أن تحصل قبائل الماوري على حقوقها القانونية المتعلقة.

وفي عام 2008، استؤنفت المفاوضات مرة أخيرة، بعد وصول الحزب الوطني المعتدل إلى الحكم، حتى تم التوصل إلى قانون متوافق عليه وأقره البرلمان النيوزيلندي عام 2017.

وبموجب القانون، تعترف نيوزيلندا بنهر وانغانوي ككائن بشري. وتعني الوضعية الجديدة للنهر، أنه في حال أساء شخص ما إليه أو أذاه، فإن القانون لا يفرق بين إيذاء القبيلة وإيذاء النهر؛ لأن كليهما واحد ويمثلان الشيء نفسه.

واختير اثنان من الأوصياء للتصرُّف نيابةً عن نهر وانغانوي، أحدهما من الحكومة، والآخر من قبيلة وانغانوي.

وتضمَّنت التسوية تعويضاً يبلغ 80 مليون دولار، فضلاً عن مساهمة بمليون دولار إضافي من أجل تنفيذ الإطار القانوني للنهر.

ماذا تغير في 3 سنوات؟

خلال السنوات الأخيرة عقب دخول قرار البرلمان حيز التنفيذ، شهد النهر تحولاً كبيراً، إذ توقف عدد من الأنشطة الاقتصادية في النهر لحمايته من التلوث، في خطوة أشاد بها المدافعون عن البيئة.

هيرا سميث، ناشطة منحدرة من قبائل الماوري في وانغانوي، قالت لـ"سي إن إن"، إن علاقة القبائل المحلية مع النهر تحسنت كثيراً بعد دخول القرار حيز التنفيذ، بينما أطلقت مشاريع بيئية متعددة على ضفاف النهر.

واعتبرت إيرين أودنيل، الخبيرة في قانون المياه بجامعة ميلبورن الأسترالية، في مقابلة مع "سي إن إن" أن "منح النهر صفة الكائن البشري يأتي بتغيير كبير من حيث طريقة التعامل مع النهر، وتطوير القوانين المتعلقة به".

لكن جيرارد ألبرت، المفاوِض الرئيسي لقبيلة وانغانوي إيوي، قال إنه لا يعتبر أن منح صفة الكائن البشري للنهر قد جاءت بالأساس لأهداف بيئية، بل جاءت لتأكيد الاحترام لمعتقدات شعب الماوري.

ولفت جيرارد في تصريحات لـ"سي إن إن" إلى أن معركة القبائل مستمرة من أجل تحسين حياتهم، إذ إن "دخلهم أقل من المتوسط في البلاد، وترتفع بينهم معدلات البطالة، ويتلقون خدمات صحية ضعيفة مقارنة بباقي المواطنين في نيوزيلندا".