هل تنقذ المفاوضات مع إسرائيل لبنان من أزماته؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
سفينة لقوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل) تبحر قبالة بلدة الناقورة المحاذية لإسرائيل - 14 أكتوبر 2020  - REUTERS
سفينة لقوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل) تبحر قبالة بلدة الناقورة المحاذية لإسرائيل - 14 أكتوبر 2020 - REUTERS
دبي – الشرق

أفادت مجلة "فورين بوليسي" بأن لبنان بات "ثالث دولة عربية في الأشهر الأخيرة" تجري محادثات مع إسرائيل، بعدما بدأ الجانبان الأربعاء في بلدة الناقورة الحدودية اللبنانية، مفاوضات تستهدف ترسيم حدودهما البحرية.

وأشارت المجلة إلى أن المحادثات، التي تتوسّط فيها الولايات المتحدة، تتطرّق إلى رقعة يتنازع لبنان عليها مع إسرائيل، وتبلغ مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً في البحر الأبيض المتوسط​​، وتحتوي على "مخزون وفير من الغاز الطبيعي".

واعتبرت المجلة أن تسوية النزاع يمكن أن تؤثر بشكل "ملموس في (الدولتين) الجارتين، وكذلك في المنطقة الأوسع". وأضافت: "الأهم من ذلك، أن صفقة (محتملة) ستشكّل نعمة بعيدة المدى بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني المنهك، وتعزّز تحالفاً للطاقة في شرق البحر المتوسط، مدعوماً من الولايات المتحدة، تُعتبر إسرائيل مشاركاً أساسياً فيه، علماً أن الأخيرة استغلّت حقول الغاز في مياهها البحرية".

"ليست مفاوضات تطبيع"

وإذ أشارت "فورين بوليسي" إلى أن المفاوضات لن تتحوّل إلى "اتفاق للتطبيع"، اعتبرت أنها تشكّل "إنجازاً آخر" لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في "سعيها إلى تحسين وضع إسرائيل في المنطقة - على حساب الفلسطينيين".

وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز للتلفزيون الإسرائيلي العام: "هذه ليست مفاوضات من أجل السلام والتطبيع". وأشار إلى أنها تركّز على ترسيم المنطقة الاقتصادية الخاصة لكل دولة، من أجل "إتاحة استغلال الموارد الطبيعية في البحر لمصلحة الشعبين".

وذكرت "فورين بوليسي" أن مسؤولاً بارزاً في وزارة الطاقة الإسرائيلية رجّح أن يستخرج لبنان غازاً طبيعياً قيمته 6 مليارات دولار سنوياً، من المنطقة المتنازع عليها.

وأشارت المجلة إلى أن الولايات المتحدة "حاولت منذ سنوات جلب الدولتين إلى طاولة المفاوضات"، معتبرة أن "نقطة التحوّل" في هذا الصدد تكمن في الانفجار الذي شهده مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي، "ما أدى إلى تصعيد الأزمة الاقتصادية في لبنان ووضع حزب الله في موقف دفاعي"، إذ "اتهمه كثيرون في لبنان بتخزين مواد خطرة في المرفأ".

وتطرّق التقرير إلى فشل المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة جديدة في بيروت، وفرض الولايات المتحدة عقوبات على أعضاء في حركة "أمل" التي يتزعّمها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، حليف "حزب الله" الذي أعلن الاتفاق على إجراء المحادثات بين لبنان وإسرائيل.

"حزب الله مُحاصر"

ونقلت المجلة عن الإعلامي اللبناني نديم قطيش قوله إن "حزب الله مُحاصر، حتى من حلفائه. وهذا ما يدفعه إلى التفكير خارج الصندوق، والقول: ما زلت أملك أوراقاً ألعبها، وإحداها ترسيم الحدود". وأضاف: "يحاول حزب الله أن يقول للبنانيين: لست مسؤولاً عن الانهيار الاقتصادي" الذي يشهده بلدهم.

وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000، أقدمت الأمم المتحدة على ترسيم الحدود البرية بين الدولتين. لكن منطقة مزارع شبعا على الجانب الشرقي من الحدود لا تزال موضع نزاع، وتثير أحياناً توتراً بين تل أبيب و"حزب الله".

على الرغم من ذلك، كانت هناك قناة اتصال منذ الحرب، لطرح الشكاوى بشأن الحدود البرية، إذ عقد ضباط إسرائيليون ولبنانيون اجتماعات شهرية، بوساطة قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل)، وفق "فورين بوليسي".

ولفتت المجلة إلى أن "الخلاف البحري لم يندلع إلا بعد سنوات على الحرب، إذ تنازعت الدولتان على الزاوية التي تمتد فيها الحدود من الأرض إلى البحر".

"اعتراف فعلي" بإسرائيل

ونقلت "فورين بوليسي" عن دان شابيرو، وهو سفير أميركي سابق لدى إسرائيل، قوله إن الولايات المتحدة سعت منذ عام 2012 إلى إجراء محادثات حدودية بحرية بين الجانبين. وأضاف: "هذا مكسب لهما، إذا أمكن التوصّل إلى اتفاق. يمكن للجانبين استكشاف (الغاز)، ونيل الإيرادات التي سينتجها". واعتبر شابيرو أن الخلاف "مسألة تقنية، وليس بهذه الصعوبة". وزاد أن "العقبة السياسية تمثلت في عدم استعداد حزب الله للموافقة" على المحادثات مع إسرائيل، إذ تمنحها اعترافاً فعلياً بوجودها.

وأشارت المجلة إلى انتقادات تعرّض لها "حزب الله" من خصومه في لبنان، بعدما هاجم اتفاق تطبيع العلاقات الذي أبرمته دولة الإمارات العربية المتحدة مع إسرائيل، ثم فعل الأمر ذاته.

ونقل التقرير عن إيهود عيران، وهو أستاذ للعلوم السياسية في "جامعة حيفا"، وخبير في الجغرافيا السياسية البحرية في شرق البحر المتوسط قوله إن "الأمر مهم جداً: محادثات مباشرة بين إسرائيل ولبنان، بموافقة حزب الله. إنها خطوة تنظّم العلاقة بين إسرائيل وحزب الله".

وتحدث عن "إنجاز لإدارة ترمب"، وزاد: "(نعتقد) أن الولايات المتحدة تغادر الشرق الأوسط، لكن ذلك يعمّق الانخراط الأميركي. إنه تذكير بأن الدبلوماسية التقليدية ما زالت قادرة على إحداث فرق".

أما شمريت مئير، وهي كاتبة إسرائيلية وخبيرة في الشؤون العربية، فاعتبرت أن "لحظة ارتباط الدولتين بمثل هذه المصالح المالية الكبرى المتصلة بالطاقة يمكن أن تشكّل عامل تهدئة وتطبيع". ورأت أن اتفاقاً على ترسيم الحدود البحرية سيكون شكلاً من الاعتراف بإسرائيل.

"حلف أطلسي مصغر"

ونقلت "فورين بوليسي" عن سامي نادر، مدير "معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية" في بيروت، قوله إن تسوية النزاع البحري الإسرائيلي-اللبناني يمكن أن تعزّز التحالف الجيوسياسي الذي تدعمه الولايات المتحدة، لدول شرق البحر المتوسط، ​​والذي يطمح إلى ربط حقولها البحرية من أجل تصدير الغاز الطبيعي، في تطوّر من شأنه أن يكبح التطلّعات الإقليمية لتركيا وروسيا.

وأضاف: "هذه منطقة أساسية بالنسبة إلى الأميركيين. لديهم مصلحة استراتيجية في استكمال اتفاق بشأن الحدود البحرية، في كل أنحاء شرق البحر المتوسط". وزاد: "لقد أسّس الأميركيون نوعاً من حلف أطلسي مصغر، وهو تحالف يضمّ إسرائيل وإيطاليا ومصر وقبرص واليونان. الأمر لا يتعلّق بالغاز فقط، بل بالوصول إلى خط أنابيب يمتد من إسرائيل إلى اليونان ثم أوروبا. سيكون أول خط أنابيب من الشرق، لا يخضع لسيطرة روسيا".

وذكرت المجلة أن مسؤولاً إسرائيلياً في مجال الطاقة رجّح اختتام المفاوضات مع لبنان خلال أشهر. واستدركت أن موافقة "حزب الله" على اتفاق نهائي لا تزال غير واضحة.

ونقلت عن ديفيد ماكوفسكي، وهو باحث في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" ومفاوض أميركي سابق للسلام في المنطقة قوله إن إجراء المحادثات قد يكبح فرض عقوبات أميركية جديدة على حلفاء للحزب، ويخفف الضغط الفرنسي، مستدركاً أن إبرام اتفاق قد يضعف نفوذ "حزب الله" في لبنان، من خلال إيجاد مصدر دخل لا يستطيع السيطرة عليه.

وأضاف: "السؤال هو هل يشعر حزب الله بضغط من أجل إنجاز المفاوضات البحرية، أم أن الأمر مجرد تحرّك تكتيكي في هذا الوقت؟". وفي إشارة إلى لبنان، قال إن "إتمام الصفقة يمكن أن يضعف نفوذ إيران في بلد يبدو بالنسبة إلى كثيرين أنه دولة فاشلة". وختم: "نأمل حصول الأفضل.. السياسة غادرة جداً. لا شيء سهلاً في الشرق الأوسط".