
دبت فوضى دامية في مبنى الكونغرس الأميركي بالعاصمة واشنطن، الأربعاء، وذلك عندما هاجمت مجموعة من أنصار الرئيس دونالد ترمب قوة الشرطة التي تحمي مقر الهيئة التشريعية في الولايات المتحدة، فيما وصفه مسؤولون عن إنفاذ القانون بأنه "فشل كارثي في الاستعداد للحدث".
ووصف مسؤولون حاليون وسابقون في مجال إنفاذ القانون، حصار الكونغرس ودخول مقر مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، بأنه "واحداً من أخطر الثغرات الأمنية في التاريخ الأميركي الحديث، إذ حوّل واحداً من أبرز رموز السلطة الأميركية إلى بؤرة للعنف السياسي".
التخطيط الأمني
ومن المتعارف عليه اتخاذ إجراءات أمنية مشددة في المناسبات والإجراءات المتعلقة بانتخاب وتنصيب الرئيس الجديد من قبل جميع الأجهزة المعنية، ولكن عدد من المسؤولين الأميركيين أكدوا أن التخطيط كان "أقل بكثير لمهمة حماية الجلسة المشتركة لمجلسي الكونغرس التي انعقدت يوم الأربعاء للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020".
وسبق الحدث الذي وُصِف بـ"الثغرة الأمنية" علامات تحذيرية باحتمال وقوع أعمال عنف من جانب أنصار ترمب المتشددين بعد أن ألهبت مشاعرهم اتهاماته بسرقة الانتخابات وأمله في عرقلة تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.
بداية المواجهات
وشهدت بداية عملية الاقتحام محاولة شرطة مبنى الكونغرس الأميركي المؤلفة من 2000 فرد التصدي لعمليات الحصار مع تدفق مجموعات من المشاغبين على قلب مؤسسة التشريع الأميركية.
وكشفت الصور ومقاطع الفيديو تجول عدد من المتظاهرين بحرية داخل القاعات التاريخية في مبنى الكونغرس، وأظهرت بعضهم يتأرجح من الشرفة وآخرون ينهبون مكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ومنهم من جلس على مقعد رئيس مجلس الشيوخ.
ولأسباب لا تزال غير واضحة حتى صباح الخميس، لم تصل أفرع أخرى من أجهزة الأمن الاتحادية الضخمة بشكل واضح قبل ساعات بينما حاصر مشاغبون مقر الكونغرس.
ويبعد مبنى الكونغرس مسافة قصيرة على الأقدام عن المكان الذي انتقد فيه ترمب الانتخابات قبيل بدء الشغب، ووصفها بأنها "اعتداء سافر على ديمقراطيتنا" وحث فيها أنصاره على "التوجه إلى الكابيتول" و"إنقاذ مسيرة أمريكا".
وكشف مسؤول كبير لوكالة "رويترز" أنه "رغم هذه المخاطر فلم تطلب قوة شرطة الكونغرس دعماً مسبقاً لتأمين المبنى من الأجهزة الاتحادية الأخرى مثل وزارة الأمن الداخلي".
ولم يتم تعبئة تعزيزات الحرس الوطني التي استدعاها رئيس بلدية مدينة واشنطن لأكثر من ساعة بعد أن اخترق المحتجون الحواجز الأمنية.
تحديات تأمين الكونغرس
ولفت القائد السابق لشرطة الكونغرس وأحد أكبر المسؤولين عن إنفاذ القانون في مجلس الشيوخ الأميركي، تيرانس جينر، إلى أن "العديد من النوافذ والأبواب في المجمع المبني في القرن التاسع عشر يتعذر الدفاع عنها"، وأضاف: "عندي ثقة كبيرة بالرجال والنساء الذين يحمون الكونغرس. لكن من الضروري أن تحدث محاسبة كاملة".
وعن الجلسات والتقارير السابقة والتي تضمنت تحديات تأمين مبنى الكونغرس، كشف جينر أنه "اقترح في عام 2013 إنشاء سياج يطلق عليه بوابة مبنى الكونغرس لمنع مثل هذا الاعتداء الواسع"، لافتاً إلى أن الاقتراح "لم ينفذ لأن أعضاء الكونغرس أرادوا الحفاظ على حق الشعب في الوصول لمقر البرلمان ورفضوا أن يبدو المجمع وكأنه حصن".
وعزا نواب داخل المبنى الفشل الأمني التاريخي إلى عدم الاستعداد للحدث، ورأى النائب الديمقراطي فيسنت جونزاليس أن "الشرطة أدت مهمة رائعة في ظل الظروف لكن من الواضح أنه لم يحدث تخطيط كافٍ".
وكان عدد من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس ممن أقلقهم احتمال وقوع أعمال عنف قد حاولوا لأكثر من أسبوع الضغط على الأجهزة الحكومية للحصول على ما تعرفه من معلومات عن التهديدات وإجراءات التصدي لها، بحسب ما ذكره مصدر في الكونغرس لوكالة "رويترز".
وأوضح المصدر أنه "لم يظهر أي مؤشر على أن أحداً يجمع معلومات جادة عن احتمال وقوع اضطرابات أو يخطط للتصدي لها".
وقال مسؤول كبير بجهاز اتحادي من أجهزة إنفاذ القانون مطلع على التخطيط لحماية المواقع الاتحادية الأخرى، بما فيها المنطقة التي تحدث فيها ترمب، إنه "ذُهل لأن شرطة مبنى الكونغرس لم تستعد بشكل أفضل".
ويرى المسؤول أنه "لم يكن يجب أن يحدث ما حدث. فقد كنا جميعاً نعلم مقدماً أن هؤلاء الناس قادمين وأول عناصر عمل الشرطة هو أن تكون موجودة"، مضيفاً أن "قوة شرطة مبنى الكونغرس هي في الأساس قوة حراسة، لذا من الصعب فهم سبب عدم استعدادها بشكل أفضل".
دعوة ترمب
وكان ترمب قد وعد في وقت سابق عبر تغريدة على حسابه في تويتر بحدث "جامح" يهدف إلى تغيير هزيمته في انتخابات نوفمبر الماضي كما بدا وأنه يشجع أنصاره على التحرك.
وقال الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، الأربعاء، إنه لن يستسلم مطلقاً ولن يعترف أبداً بالهزيمة، داعياً أنصاره إلى الزحف باتجاه الكونغرس، وذلك تزامناً مع اجتماع مجلسي النواب والشيوخ، للمصادقة على أصوات المجمع الانتخابي التي أكدت فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن.
ولفت ترمب في خطاب أمام تظاهرة لمناصريه في واشنطن الذين زحفوا نحو الكونغرس بعد كلمته، إلى أنه "طفح الكيل ببلدنا ولن نقبل بذلك بعد الآن. عليكم أن تظهروا قوتكم. وعليكم أن تكونوا أقوياء".
وأكد مسؤولان أميركيان أن قيادات مدينة واشنطن "كانوا يأملون في الأيام التي سبقت الاحتجاج تفادي أن يكون الرد ذا مظهر عسكري، فقد كانوا يخشون تكرار مشاهد الرد العنيف من الأجهزة الاتحادية على المظاهرات المناهضة للعنصرية التي حدثت أمام البيت الأبيض في يونيو الماضي".