بانكوك تكافح إندثار مبانيها الأثرية نتيجة زحف البنايات المعاصرة

time reading iconدقائق القراءة - 9
سيدة تمشي بجوار حمام السباحة في فناء دارة So Heng Tai في العاصمة التايلاندية بانكوك - 10 فبراير 2022 - AFP
سيدة تمشي بجوار حمام السباحة في فناء دارة So Heng Tai في العاصمة التايلاندية بانكوك - 10 فبراير 2022 - AFP
بانكوك-أ ف ب

بينما أندثرت مبان أثرية ذات تاريخ عريق في العاصمة التايلاندية بانكوك، تكافح فيلا صينية عمرها 200 عام من أجل الحفاظ على معالم المبني الأثري، عبر تحويلها إلى مشروع مدرسة تعليم الغوص.

ويعود تاريخ هذه الدارة التقليدية المُسماة "سو هنج تاي" والمصنوعة من خشب ثمين، إلى القرن الـ 18، واستُخدمت في تجارة أعشاش العصافير التي تحظى بأهمية كبيرة في الصين، وبُنيت على تخوم نهر تشاو برايا الكبير الذي يعبر العاصمة التايلاندية.

وقبل سنوات عدة، بنى المالك بوساك بوساياشيندا، وهو غواص محترف سابق مسبحاً عمقه 4 أمتار في الباحة الداخلية للدارة.

ويوفر المشروع إيرادات من شأنها تغطية نفقات صيانة البناء البالغة 25 ألف دولار سنوياً، وبالتالي ضمان بقائه.
ودرّبت مدرسة الغوص أكثر من 6 آلاف شخص منذ إنشائها عام 2004.

قصة نجاح نادرة

ويقول بوساك لوكالة "فرانس برس": "تدخل مياه الأمطار إلى المنزل عبر ثقوب عدّة خلال الطقس الماطر"، مضيفاً: "يتعيّن علينا عاجلاً أم آجلاً ترميم السقف بأكمله، ما يتطلّب أموالاً كثيرة".

ويمثل مشروع "سو هنج تاي" قصة نجاح نادرة في مدينة ضخمة، يبدو اهتمامها بالحفاظ على تحفها المعمارية شبه معدوم.

وشهدت المدينة خلال السنوات الأخيرة موجة حداثة متسارعة تخللها تشييد مراكز تسوّق جذابة ومبان سكنية ملفتة للنظر، فيما هُدمت مبانٍ تراثية بينها قاعة سينما "سكالا" المبنية على طراز الفن الزخرفي، ومبنى السفارة البريطانية العائد إلى عشرينيات القرن الماضي.

ويعزو بيل بانسلي وهو مهندس معماري أميركي مقيم في بانكوك لوكالة "فرانس برس" هذا الوضع إلى "أن أكثر ما يهم الناس هو كسب مزيد من الأموال"، خصوصاً وأن القانون التايلاندي لا يحمي إلا المباني التي يزيد عمرها عن 100 عام.

العبء المالي

وترى المتخصصة في التاريخ وعالمة الآثار فاتشا فانومفان أن تكاليف الصيانة السنوية يمكن أن تمثّل عبئاً لا يمكن تحمله للعائلات التي تملك عقارات تاريخية، مضيفةً: "ليس لدينا دعم عبر اليانصيب أو هيكل تمويلي قادر على التدخل لإنقاذ التراث".

ورغم ذلك تحتفظ وزارة الثقافة بسجل حول التراث الوطني، لكن فاتشا تشير إلى أن عدداً كبيراً من الأماكن لم يسجّلها مالكوها بسبب معوقات تعترض هذه العملية.

وتقول: "من الأفضل للمالكين الأفراد غير الحائزين أي مساعدات من الدولة... بيع العقار"، موضحةً أنّ العملية تتم بـ"بيع المبنى وحده ثم بيع (الأرض)".

وتُفكك بعض العقارات وبخاصة تلك المصنوعة من خشب الساج الثمين وتُنقل ليُعاد تجميعها بغية تحويلها إلى فنادق جميلة في أماكن أخرى.

وتعتبر فاتشا أن "هذه الممتلكات يجب تركها في أماكن تشييدها (...) بدل تجريد بانكوك من (تاريخها)". وقد جال المصوّر بن ديفيز طيلة 5 سنوات في بانكوك ملتقطاً مئات الصور، وعندما صدر كتابه "فانيشينج بانكوك"، كانت "30 إلى 40% من الأماكن اختفت أو أصبح تمييزها صعباً"، على ما يقول لوكالة "فرانس برس".

سنغافورة نموذجاً

ويضيف "أشعر بإحساس فظيع يتمثل في أن بانكوك من دون معابدها وقصورها، ستفقد يوماً ما الكثير من هويتها وطابعها لدرجة أنها ستبدو كأي مدينة ضخمة أخرى في آسيا".

وتقدم بلدان أخرى في المنطقة حلولاً ممكنة لتايلاند، وتحديداً سنغافورة التي مثّلت منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي نموذجاً في آسيا.

ويوضح الاختصاصي في تاريخ الفن المعماري في جامعة سنغافورة للتكنولوجيا والتصميم يو كانج شوا أن الدولة المدينة دمجت بشكل منهجي ضرورة الحفاظ على التراث في مشاريعها التنموية كلها.

وشملت هذه الخطة الحفاظ قدر الإمكان على المباني الحالية، وترميم أخرى بشكل مطابق للأصلية، وصيانة مبانٍ بعناية.

"بمثابة حكم الإعدام"

ويقول شوا "في ثمانينيات القرن الماضي، اعتبر عدد كبير من المالكين أن تصنيف عقاراتهم على أنّها تراث يمثّل حكماً بالإعدام (بسبب القواعد المصاحبة للتصنيف)، لكن أسعار هذه المباني ارتفعت حالياً في سنغافورة بسبب ندرتها".

وتظهر في بانكوك بعض المؤشرات على التغيير، إذ جددت عائلة صينية تايلاندية ثرية أخيراً مستودعات صينية متداعية يعود تاريخها إلى خمسينيات القرن الـ 19، وحوّلتها إلى مساحة ضخمة مخصصة للمعارض والمناسبات الثقافية.

وفي مدرسة "سو هنج تاي" للغوص، يتيح بوساك لتلاميذه التعلّم استناداً إلى وتيرتهم الخاصة. ويصر بوساك الوفي لأسلافه على إنقاذ منزل العائلة.

ويقول: "إذا قدّم لي أحدهم عرضاً لشراء المنزل سأرفضه ببساطة، مهما كان المبلغ المعروض".