محمود ياسين.. تاريخ حافل وإبداع لا يغيب

time reading iconدقائق القراءة - 9
الممثل المصري الراحل محمود ياسين في منزله بالجيزة، 10 ديسمبر 2001 - AFP
الممثل المصري الراحل محمود ياسين في منزله بالجيزة، 10 ديسمبر 2001 - AFP
دبي-الشرق

من مفارقات القدر أن يأتي رحيل الفنان المصري محمود ياسين في شهر أكتوبر الذي يشهد منذ ما يقرب من نصف قرن عرض أبرز أعماله عن حرب أكتوبر، والتي ساهمت في توثيق الحدث التاريخي الهام على شاشة السينما. 

رحل محمود ياسين الذي شكل علامة بارزة في تاريخ الفن العربي، تاركاً بصماته في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية والإذاعية، كواحد من نجوم العصر الذهبي للسينما المصرية، وأحد أبرز الممثلين الذي قدموا دور الفتى الأول، برصيد بلغ نحو 250 عملاً فنياً.

ولد محمود ياسين في مدينة بورسعيد، شمال شرقي القاهرة، في الثاني من يونيو عام 1941، بدأ شغفه بالمسرح المدرسي، ثم نادي المسرح في بورسعيد الذي شكل نقطة انطلاقه الأولى في عالم الفن والتمثيل؛ وظل مرتبطاً به حتى بعد التحاقه بكلية الحقوق التي تخرج فيها عام 1964.

المحاماة والتمثيل

لم يثنه عمله في سلك المحاماة عن التمسك بطموحه الفني، لتأتي الفرصة مع اختبارات أجريت لمجموعة من الممثلين الجدد للالتحاق بالمسرح القومي، فكان الممثل الوحيد من غير خريجي معهد الفنون المسرحية، الذي يتم قبوله في تلك الدفعة.

كانت مسرحية "الحلم" عام 1964 أولى التجارب لمحمود ياسين على المسرح القومي، هذا الصرح الذي حمل بداخله حلماً بالعمل به منذ شبابه، وتوالت الأعمال بالفرقة العريقة مثل "سليمان الحلبي" ، "الزير سالم"، "حلاوة زمان"، "ليلة مصرع جيفارا"، "وطني عكا"، "النار والزيتون"، "عودة الغائب"، تعاون خلالها مع أبرز الكتاب والمخرجين مثل كرم مطاوع وسعد أردش وألفريد فرج، وعبد الرحمن الشرقاوي، وسعد الدين وهبة.

مدير بلا مقابل

لم يكن محمود ياسين يعلم أنه سيكون مديراً للمسرح القومي في نهاية الثمانينات، لمدة عامين، استجاب فيهما لتكليف وزير الثقافة المصري وقتها فاروق حسني، واشترط عدم حصوله على مقابل مادي، إذ كان يتبرع براتبه الشهري للعاملين في المسرح. أُنتج خلال تلك الفترة عدد من أبرز المسرحيات التي مثلت مصر في مهرجانات دولية، مثل "أهلاً يا بكوات" و"البهلوان".

ذاعت شهرة محمود ياسين كممثل مسرحي، وخاصة مع موهبته في الإلقاء وأدائه الواثق والسليم للغة العربية، وبات مثل حصان الرهان الرابح لعدد كبير من المخرجين، حتى في فرق أخرى غير "القومي"، فقدم مسرحيات مثل "ليلى والمجنون" لفرقة الجيب 1970، "الزيارة انتهت" لفرقة "الفنانين المتحدين" 1982، و"بداية ونهاية" إنتاج 1986، "واقدساه" في "اتحاد الفنانين العرب" 1988، و"الخديوي" لفرقة مسرح البالون 1993، وآخر أعماله على المسرح كان عام 2014 من خلال أوبريت "مصر فوق كل المحن".

انطلاقة السينما  

كانت نهاية الستينات وبداية السبعينات فترة انتقالية لصناعة النجوم في السينما المصرية، وشهدت الرهان على عدد من الوجوه الجديدة أسندت لهم البطولات، مثل نور الشريف وحسين فهمي وعزت العلايلي، وهنا برز اسم محمود ياسين بعد عدة مشاركات في أدوار صغيرة في السينما، أبرزها "شيء من الخوف" للمخرج حسين كمال، "3 قصص" للمخرج إبراهيم الصحن، و"الرجل الذي فقد ظله" للمخرج كمال الشيخ.

جاء فيلم "نحن لا نزرع الشوك" للمخرج حسين كمال، ليشكل الانطلاقة الحقيقة لمحمود ياسين في السينما، وفتح الباب له بعد ذلك لتقديم أدوار بطولة مشتركة أمام نجمات السينما البارزات في ذلك الوقت، مثل فاتن حمامة في "الخيط الرفيع"، و"حبيبتي"، وسعاد حسني في "الحب الذي كان"، ونادية لطفي في "قاع المدينة"، ونجاة الصغيرة في "جفت الدموع".

كان محمود ياسين صاحب النصيب الأكبر بين أبناء جيله في سينما السبعينات، وكان الخيار الأول لأغلب المنتجين، أما متوسط الأفلام التي قدمها في العام الواحد في فترة السبعينات فلا يقل عن خمسة أعمال، بل وصل في عام  1974 إلى تسعة أفلام، بجانب أعمال المسرح والإذاعة والدراما التلفزيونية.

نجم أفلام أكتوبر

وفي أعمال كثيرة قدمتها السينما المصرية عقب حرب أكتوبر 1973، لعب محمود ياسين بطولة غالبيتها، وساهمت بصورة كبيرة في صنع نجوميته وترسيخها في تلك الفترة، منها أفلام "بدور"، و"الرصاصة لا تزال في جيبي"، و"الوفاء العظيم".

التمرد بأدوار مركبة

لم يكتف ياسين بأدوار الفتى الوسيم أو الأفلام الرومانسية التي حاول أغلب المنتجين والمخرجين حصره فيها، بل سعى إلى التمرد على ذلك من خلال أدوار مختلفة ومركبة حملت قدراً كبيراً من التنوع مثل أفلام "سونيا والمجنون"، و"الباطنية"، و"العربجي"، و"ثالثهم الشيطان"، و"أين عقلي"، والحرافيش".

تراجع وجود ياسين في السينما خلال النصف الثاني من الثمانينات، مقابل صعود نجوم آخرين شغلوا مساحة أكبر وتوافقوا مع موجة سينما الواقعية الجديدة، ولكنه في الوقت نفسه حافظ على مكانة خاصة بأعمال تناسب مرحلته العمرية، مثل "التعويذة"، و"الطائرة المفقودة"، و"شاهد إثبات"، و"موعد مع القدر"، و"تصريح بالقتل"، ثم فيلم "قشر البندق" و"فتاة من إسرائيل"، و"كوكب الشرق".

مع نجوم الألفية الجديدة

كان ياسين من أوائل فناني جيله الذين اختاروا أن يشاركوا نجوم الألفية الجديدة من الشباب أفلامهم، فرأيناه في "الجزيرة" مع أحمد السقا، و"الوعد" مع آسر ياسين، و"عزبة آدم" مع فتحي عبد الوهاب وماجد الكدواني، و"جدو حبيبي" مع بشرى، وكان آخر أدواره في السينما عام 2012.

وكان للدراما التلفزيونية نصيب كبير من مشوار محمود ياسين منذ بداياته، وساهم مسلسل "الدوامة" في انتشاره فنياً بشكل متوازٍ مع بطولاته السينمائية، وزادت مساحة الدراما التلفزيونية في مسيرته وخاصة في فترة الثمانينات والتسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة، مثل مسلسلات "غداً تتفتح الزهور"، و"مذكرات زوج"، و"اللقاء الثاني"، و"أخو البنات"، و"اليقين"، و"العصيان"، و"سوق العصر،" و"وعد ومش مكتوب"، و"ضد التيار"، و"رياح الشرق"، و"أبو حنيفة النعمان".

جوائز وتكريمات

نال محمود ياسين العديد من الجوائز وكرمته مهرجانات سينمائية عربية وغربية، منها مهرجان طشقند عام 1980، ومهرجان عنابة بالجزائر عام 1988، ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والمهرجان القومي للسينما المصرية عام 2006. وفي عام 2015 أهداه مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط دورته الحادية والثلاثين.

تعاون لم يكتمل 

كان مقرراً أن يشارك الفنان الراحل في بطولة مسلسل "صاحب السعادة" مع الفنان عادل إمام، عام 2014، وقد تعاقد بالفعل على العمل وبدأ تصويره لتظهر عليه بعض المشكلات الصحية، إذ بدأ يعجز عن حفظ الحوار، الأمر الذي تسبب في تعطيل التصوير أكثر من مرة، قبل أن يعلن تراجعه عن العمل. بدأت رحلته مع المرض ليعيش في عزلة منذ ذلك الحين، لم يغادرها سوى مرات معدودة لحضور تكريمه في مهرجان الإسكندرية أو حضور جنازتي رفيقي دربه محمود عبد العزيز ونور الشريف.