النزاع القبلي في السودان.. صراعات تتغذى على غياب الدولة وسياساتها

time reading iconدقائق القراءة - 6
مبنى محترق في كسلا شرق السودان، جراء المواجهات القبلية، 18 يوليو 2022  - AFP
مبنى محترق في كسلا شرق السودان، جراء المواجهات القبلية، 18 يوليو 2022 - AFP
الخرطوم- أحمد العربي

لم يخف أمير إمارة قبيلة "الهوسا" بإقليم النيل الأزرق في السودان عثمان عبد الله غضبه واستياءه الشديد من عدم القبض على المعتدين على أفراد قبيلته قبل أيام. 

وقال عبد الله لـ"الشرق": "ما زال المجرمون المعتدون علينا أحراراً وما زالت التهديدات تصلنا علانية ومبطنة لإخراجنا من الإقليم"، وذلك بعد أيام من نزاع قبلي بين الهوسا والبرتا أو قبائل "الفونج"، والذي راح ضحيته نحو 105 أشخاص بحسب إحصاءات رسمية، وهو ما ينفيه أمير الهوسا، ويقول إن الأعداد أكبر من هذا الرقم، "ولكننا لم نتمكن من العودة لديارنا بعد للحصر النهائي".

"جذور سياسية"

وصار الصراع القبلي سمة مميزة لأقاليم السودان جنوباً وشرقاً وغرباً، والتي لم تخرج من دائرة الفقر والمرض، ليكون مضافاً لمشكلات معقدة تواجه البلاد في أعقاب حكم نظام الرئيس عمر البشير، والذي بحسب حكام إقليمي النيل الأزرق ودارفور، غذى الصراع القبلي من خلال تسليح القبائل للقضاء على التمرد في عهده.

يقول السلطان سعد رئيس الإدارة الأهلية بغرب دارفور، والتي تعد أكثر الولايات في معدلات الأحداث القبلية العنيفة مؤخراً، إنه "لا نستطيع أن نجزم بأن الصراع القبلي في الولاية ليست له جذور سياسية، الشق السياسي موجود لأن الصراع يبدأ بالأفراد وينتهي بالقبائل".

وأضاف لـ"الشرق" أن "سياسات الدولة ومن هم في السلطة تزيد من وتيرة وفرص الصراع وذلك باستغلال النفوذ والثروة، ما يخلق احتقاناً كبيراً يؤدي لانفجار الأوضاع". 

ولفت سعد إلى أنه "في إقليم دارفور، انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه، يتسبب بزيادة أعداد الضحايا، فيما يساهم غياب الدولة عن مناطق الصراع في ارتفاع الحصيلة، إلى جانب أن الحلول المتبعة لا تقضي على أساس الصراع".

ومثّل الصراع السياسي عاملاً سلبياً في النزاعات القبلية، بحسب محمد زكريا، مقرر "الجبهة الثورية" وهي مجموعة حركات مسلحة، وأضاف لـ"الشرق" أن الوضع السياسي يؤثر على المجتمع "سواء كان ذلك سلبياً أو إيجابياً، إذ أن فرص الحل واندلاع أي صراع قبلي تتوقف على الوضع السياسي".

وأكد زكريا أن المدخل لإيقاف الصراع القبلي هو "تنفيذ بنود اتفاق السلام الموقع بين الحركات المسلحة والحكومة السودانية"، وذلك لما فيه من بنود وترتيبات "مهمة" كالترتيبات الأمنية والتي "تمثل حجر الزاوية في استقرار الأقاليم المضطربة".

القيادي في "قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي" نور الدين صلاح الدين اتهم السلطة الحالية التي وصفها بـ"الانقلابية"، بأنها "المستفيد الأول من تمدد الصراعات القبلية، باعتبارها تسعى للكسب السياسي، وصرف أنظار السودانيين عن مطلب تسليم السلطة للمدنيين، وبدلاً من ذلك يتم التركيز على النزاعات القبلية والتدخل في وقت متأخر لتحقيق أهداف ذاتية".

تدخل الدولة

وأشار رئيس تحرير صحيفة "السوداني" والمحلل السياسي عطاف محمد مختار، إلى أن الصراعات القبلية في السودان قديمة، وتتشابه مع الدول الأخرى في محيطها، إلا أن" تدخل الدولة في هذه الصراعات أسهم في زيادة النزاع القبلي، وقد كان ذلك جلياً في حقبة البشير"، حسب تعبيره.

وتابع أن تدخل الدولة :مستمر حتى الآن عبر الاتفاقيات التي ميزت فصيلاً دون الآخر، وحالة شرق السودان في اتفاق جوبا دليل على ذلك"، مضيفاً أن "التدخل السياسي الآن بصورة أكبر نتيجة استخدام السلطة لزعماء القبائل والعشائر".

ووصف مختار ما يجري حالياً بأنه "دمار ممنهج وكارثة"، مؤكداً أن "ذهاب الأنظمة السياسية لا يعني ذهاب النزاع القبلي في عهدها، إنما يظل أثرها. والآن هذه كارثة ضربت النسيج الاجتماعي السوداني".

النظام السابق 

كانت وزيرة الحكم الاتحادي بثينة دينار، قد اتهمت في تصريحات صحافية عناصر النظام السابق بـ"إشعال نيران الفتنة القبلية في أقاليم السودان المختلفة". 

وأضافت أن الإدارة الأهلية كانت طوال عُمر نظام البشير "ذراعاً سياسياً للنظام، وتحولت لأداة سياسية تُدار بواسطة النظام، لذلك تحتاج لإصلاح كبير، وهو ما ينتظر من قانون الإدارة الأهلية القادم، والذي ينتظر استكمال مؤسسات الحكم الانتقالي (مجلس الوزراء والمجلس التشريعي) للإجازة النهائية".

بحسب قانون الإدارة الأهلية في السودان الذي أقر عام 2005، يكتسب القانون روحه من الُعرف والتقاليد الخاصة بكل مجتمع محلي في تنفيذ أحكامه. ومنذ عام 2019 منعت وزارة الحكم الاتحادي التصديق لأي إدارة أهلية جديدة، وذلك حتى إجازة القانون الجديد، والذي تمت صياغته عقب إسقاط نظام البشير.

وتقول الوزارة إنها قامت بتجديد قرار منع التصديق بإدارة أهلية جديدة في مارس وأكتوبر 2020، ما ترفضه بعض القبائل بحجة تجديد القيادة الأهلية، وأخرى بهدف خلق إدارة أهلية موازية للإدارة الموجودة، وهو ما خلق كثيراً من المشكلات وآخرها قضية إقليم النيل الأزرق.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات