قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الثلاثاء، إن دستور المملكة هو القرآن، وإنها لا تلتزم بمدرسة شرعية محددة، لأن باب الاجتهاد مفتوح للأبد.
واعتبر أن الاعتدال "كلمة واسعة للغاية، وكل فقهاء المسلمين والعلماء منذ أكثر من ألف سنة وهم يجتهدون بما هو مفهوم الاعتدال"، مضيفاً: "لا أعتقد أنني في موقع شرح مفهوم الاعتدال، بقدر ما ألتزم بدستور المملكة وهو القرآن والسنة ونظامها الأساسي للحكم، وتطبيقه على أكمل وجه بمفهوم واسع يشمل الجميع".
وأكد خلال لقاء خاص مع الإعلامي عبد الله المديفر، بثته قناة السعودية ومجموعة من القنوات العربية، بمناسبة مرور 5 أعوام على إطلاق "رؤية السعودية 2030" أن "دستورنا هو القرآن، كان والآن وسيستمر إلى الأبد، والنظام الأساسي للحكم ينص على ذلك بشكل واضح للغاية".
وأضاف ولي العهد: "نحن كحكومة، أو مجلس الشورى كمشرّع، أو الملك كمرجع للسلطات الثلاث، ملزم بتطبيق القرآن بشكل أو بآخر، لكن في الشأن الاجتماعي والشأن الشخصي، نحن فقط ملزمون بتطبيق النصوص الواردة في القرآن بشكل واضح".
لا عقوبة دون نص واضح
وتابع: "لا يجب أن أطرح عقوبة شرعية بدون نص قرآني واضح أو نص صريح من السُنّة، وعندما أتكلم على نص صريح من السُنّة، فأغلب مدوّني الحديث صنّفوا الحديث بناءً على أسلوبهم الخاص، مثل البخاري ومسلم وغيره، بين حديث صحيح أو حسن أو ضعيف، ولكن هناك تصنيفاً آخر وهو الأهم مثل الحديث المتواتر والآحاد والخبر، وهو المرجع الرئيسي في استنتاج الأحكام واستنباطها من الناحية الشرعية".
وأوضح الأمير محمد بن سلمان: "عندما أتكلم عن الحديث المتواتر وهو من جماعة لجماعة لجماعة -مجموعة أشخاص- عن النبي، فهذه الأحاديث قليلة للغاية لكن ثباتها قوي جداً وتفسيرها يخضع لاجتهاد حسب الظرف والمكان وحسب كيف فُهِم هذا الحديث".
وأضاف: "بينما حديث الآحاد، فـ(رواه) فرد عن فرد عن فرد عن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ أو جماعة عن جماعة عن فرد عن جماعة عن جماعة، فهناك فرد في الحلقة، فهذا يسمّى حديث آحاد، ويصنّف أصنافاً كثيرة فمنه الصحيح ومنه الحسن والضعيف، وهذا الحديث غير ملزم بإلزامية الحديث المتواتر، إلا إذا اقترن بنصوص شرعية واضحة وبمصلحة دنيوية واضحة، خاصة إذا كان حديث آحاد صحيحاً، وهذا يشكل أيضاً جزءاً قليلاً من أحاديث الرسول".
وتابع: "بينما الخبر، فهو عن فرد عن فرد عن فرد – ما نعرف- عن فرد عن فرد عن فرد عن الرسول ـ صلّى الله عليه وسلم ـ أو عن جماعة عن جماعة فرد فرد – ما نعرف- عن جماعة عن فرد عن الرسول، ففيه انقطاع، هذا الخبر شكّل النسبة العظمى من الأحاديث، هذا بلا شك لا يؤخذ به لأنه غير ثابت وغير مُلزم".
"تزييف للشريعة"
واستكمل ولي العهد: "ونرى في سيرة الرسول، عندما كُتِبت الأحاديث في وقتها أمر بحرقها وعدم كتابتها، فما بالك إذا أنت ترجع للحديث الخبر، وتُلزم به الناس من الناحية الشرعية، وقد تطعن أيضاً في قدرات الله سبحانه وتعالى في أن القرآن صالح لكل زمان ومكان".
وأكد أن "الحكومة في الجوانب الشرعية مُلزمة بتطبيق النصوص في القرآن، وملزمة بتطبيق النصوص في الحديث المتواتر، وتنظر لحديث الآحاد حسب صحته وضعفه ووضعه، ولا تنظر في حديث الخبر بتاتاً إلا إذا كان يُسند عليه رأي في مصلحة واضحة للإنسان".
وشدد على أنه "لا عقوبة على شأن ديني إلا بنص قرآني واضح، وتُطّبق هذه العقوبة بناءً على كيف طبقها رسول الله"، واستشهد بمثال "عقوبة الزنى"، مضيفاً: "الزاني غير المحصن يُجلد، الزاني المحصن يُقتل، وهذا نص واضح".
وتابع ولي العهد السعودي: "ولكن عندما أتت الزانية للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالت يا رسول الله أنا زنيت فيما معنى الحديث، صد عنها أكثر من مرة، وعندما أصرّت عليه، قال لها اذهبي لتتأكدي أنكِ حامل أم لا، فعادت له مرة أخرى، فتكرر نفس السيناريو، فقال لها اذهبي حتى تضعي، فعادت مرة أخرى فقال لها اذهبي حتى تفطمي، وممكن ما ترجع، وما سأل عن اسمها أو مَنْ هي؟".
وأضاف: "فكونك تأخذ النص القرآني وتطبقه بطريقة غير التي طبّقها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتبحث عن الشخص لتثبت عليه التهمة بينما الرسول أتاه المتهم معترفاً وعامله بهذه الطريقة، هذا ليس شرع الله".
وأردف: "ثم تأتي وتطبق عقوبة بحجة أنها عقوبة شرعية ولا يوجد فيها نص للمعاقبة في القرآن أو في الحديث المتواتر، هذا أيضاً تزييف للشريعة، فالله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يعاقب على جُرم شرعي نصّ عليه، وعندما حرّم شيئاً ووعد بالعقاب في الآخرة لم ينصّ ويأمرنا كبشر بأن نعاقب عليه، وترك الأمر للفرد أن يختار وحسابه يوم الدين، وفي الأخير فالله غفور رحيم، يغفر كل شيء إلا أن يشرك به".
وأكد الأمير محمد بن سلمان أن "هذا هو المنهج الصحيح للتطبيق، القرآن والسنة بناءً على دستورنا والنظام الأساسي للحكم".
لا نلتزم بمدرسة ثابتة
وحول مدى التزام المملكة بمدرسة معينة، مثل مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، من ناحية تفسير القرآن والأحاديث، قال الأمير محمد بن سلمان: "متى ألزمنا أنفسنا بمدرسة معينة، أو بعالم معين، معناها ألّهنا البشر ... فالله لم يضع بينه وبين الناس حجاباً، أنزل القرآن، والرسول طبّق على الأرض، والاجتهاد مفتوح للأبد".
وتابع: "الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لو خرج من قبره ووجدنا نلتزم بنصوصه ونُغلق عقولنا عن الاجتهاد، ونؤلّهه أو نضخمه، لكان أول من عارض هذا الشيء"، مشيراً إلى أنه "لا يوجد مدرسة ثابتة، ولا يوجد شخص ثابت، والقرآن الاجتهاد مستمر فيه، وسُنّة الرسول الاجتهاد مستمر فيها، وكل الفتاوى حسب كل زمان ومكان وحسب كل فهم".
"تحدّي الهوية"
وحول نظرة الأمير محمد بن سلمان إلى الانفتاح على العالم في السياحة والترفيه وغيره، قال ولي العهد السعودي: "إذا هويتك لم تستطع أن تصمد مع التنوع الكبير في العالم، معناه أن هويتك ضعيفة ويجب أن نستغني عنها، وإذا هويتك قوية وأصيلة تستطيع أن تنميها وتطورها وتعدّل السلبيات التي فيها وتحفز الإيجابيات التي فيها، معناه أنك حافظت على هويتك وقوتها".
وأضاف: "الدليل، اليوم لبسنا في المملكة العربية السعودية، وعاداتنا العريقة وتقاليدنا وإرثنا الثقافي والتاريخي، وقبل ذلك إرثنا الإسلامي يُشكّل جزءاً رئيسياً من هويتنا، نطوره مع تطوير الزمان ونستمر في تعزيزه لكي يكون أحد عناصر تشكيل العالم، وأحد عناصر الأشكال الموجودة في العالم".
وتابع: "أعتقد أن هويتنا قوية للغاية ونفتخر فيها، وهي جزء رئيسي من صنعي أنا وأنت وكل مواطن سعودي، هي جزء رئيسي من الحراك اللي صار في المملكة، بسبب هويتنا السعودية المبنية على الهوية الإسلامية والعربية وإرثنا الثقافي والتاريخي".
"السعودية في مرمى التطرف"
وعن حملة تحييد الخطاب المتطرف، قال الأمير محمد بن سلمان: "التطرف في كل شيء غير جائز، والرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في أحد الأحاديث أن يوماً من الأيام سيخرج من يتطرف وإذا خرجوا اقتلوهم، لا تغلوا في دينكم فما أهلك من قبلكم إلا غلوهم في دينهم".
وأردف: "فالغلو في أي شيء، سواء في الدين أو في ثقافتنا أو في عروبتنا أو في أي أمر كان، خطير للغاية بنصّ الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تجارب دنيوية، ومن التاريخ الذي تقرأه".
وأكد ولي العهد أن "ما من شك أن المملكة العربية السعودية كانت هدفاً رئيساً للمشاريع المتطرفة والمشاريع الإرهابية في أنحاء العالم، إذا أنا أسامة بن لادن، وأريد أنشر فكري المتطرف في العالم كله، وخصوصاً بين المسلمين، من وين أبدأ! سأبدأ في الدولة التي فيها قِبلة المسلمين وفيها مقدسات المسلمين ويتوافد عليها حجاج المسلمين والمعتمرون ويتوجه إليها المسلمون 5 مرات في اليوم، إذا نجحت في نشر مشروعي هناك، تلقائياً سوف ينتشر في أنحاء العالم".
وأضاف: "كل فكر متطرف عندما يريد أن يبدأ، بلا شك سيستهدف المملكة العربية السعودية، كنّا في مرحلة من المراحل، في مرحلة صعبة جداً لنقول من الخمسينات إلى السبعينات، المشروع العروبي والاشتراكية والشيوعية وغيرها من مشاريع في المنطقة التي أعطت فرصة لكثير من الجماعات المتطرفة بأن تدخل بشكل أو بآخر المملكة العربية السعودية، وتصل إلى مواقع مختلفة سواء في الدولة أو في الاقتصاد وآخره، نتج عنها عواقب لا تحمد عقباها، ورأينا أثرها في السنوات الماضية".
واستكمل الأمير محمد بن سلمان حديثه: "اليوم ما نقدر ننمو ونجذب رؤوس أموال أو إقامة مشروعات سياحية، ولا نقدر نتقدم بوجود فكر متطرف في المملكة العربية السعودية، إذا تريد ملايين الوظائف، والبطالة تنزل، والاقتصاد ينمو، ودخلك يتحسن، يجب أن تستأصل هذا المشروع لمصلحة دنيوية، ناهيك عن مصلحة أمام الله سبحانه وتعالى، بأن هؤلاء لا يجب أن يمثلوا ديننا الحنيف ومبادئنا السمحة بشكل أو بآخر".
وتابع: "بلا شك، هذه جريمة نتج عنها إنشاء منظمات إرهابية، نتج عنها إنشاء جماعات متطرفة قتلت أرواحاً في جميع أنحاء العالم، وقتلت أرواحاً في المملكة العربية السعودية، وأضاعت مصالح اقتصادية، هذا عمل إجرامي غير قانوني ومجرّم بناءً على قانون المملكة العربية السعودية، فأي شخص يتبنى منهجاً متطرفاً حتى لو لم يكن إرهابياً فهو مجرم يحاسب عليه القانون".