"عودة إلى مربع الانقسام".. "خيبة أمل" أوروبية وتباين فلسطيني بعد تأجيل الانتخابات

time reading iconدقائق القراءة - 8
جنديان فلسطينيان خارج المجلس التشريعي الفلسطيني في رام الله بالضفة الغربية - 16 يناير 2021 - REUTERS
جنديان فلسطينيان خارج المجلس التشريعي الفلسطيني في رام الله بالضفة الغربية - 16 يناير 2021 - REUTERS
رام الله/ دبي -محمد دراغمةالشرق

بالإعلان عن تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، يعود الفلسطينيون إلى مربع الانقسام، وتتبدد أحلام الكثير من الطامحين إلى حدوث تغيير من خلال صندوق الاقتراع، في الوقت الذي اعتبر فيه وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الجمعة، أن إرجاء الانتخابات الفلسطينية، أمر "مخيب جداً للآمال".

وقال بوريل: "نجدد التأكيد على دعوتنا إسرائيل لتسهيل إجراء هذه الانتخابات في كافة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك في القدس الشرقية"، معرباً عن "استمرار دعم الاتحاد لإجراء انتخابات ذات مصداقية وشاملة وشفافة لجميع الفلسطينيين".

وكانت آخر انتخابات برلمانية فلسطينية أجريت قبل 15 عاماً، وتوقفت بعدها إثر حدوث انقسام بين قطبي السياسة الفلسطينية، حركة "فتح" التي تدير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وحركة "حماس" التي تدير قطاع غزة، منذ عام 2007.

وأجرى ممثلون عن الحركتين الكثير من جولات الحوار، منذ الانقسام، توصلوا خلالها إلى العديد من اتفاقات المصالحة، بدءاً من "اتفاق مكة" عام 2007 الذي وقع في المملكة العربية السعودية، برعاية العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز، مروراً باتفاقات صنعاء والدوحة والشاطئ، واتفاقات القاهرة الأول والثاني والثالث، وصولاً إلى اتفاق إسطنبول الأخير.

تضمنت جميع هذه الاتفاقيات العودة إلى الانتخابات العامة، وإعادة توحيد مؤسسات السلطة، واستيعاب حركة "حماس" في منظمة التحرير الفلسطينية. لكن جميعها بائت بالفشل عند التطبيق.

ويعزو الكثير من المراقبين، الفشل في تطبيق اتفاقات المصالحة، والعودة للاحتكام إلى صندوق الاقتراع، إلى الصراع على السلطة بين الجانبين، ورفض الشراكة، وغياب الثقة.

الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، دعا في بيان، الجمعة، إسرائيل إلى  تسهيل إجراء هذه الانتخابات في كافة الأراضي الفلسطينية، "بما في ذلك في القدس الشرقية"، معرباً عن "استمرار دعم الاتحاد لإجراء انتخابات ذات مصداقية وشاملة وشفافة لجميع الفلسطينيين".

وأضاف: "نشجع بقوة جميع الأطراف الفلسطينية على استئناف الجهود للبناء على المحادثات الناجحة بين الفصائل التي دارت خلال الأشهر الأخيرة. يجب تحديد موعد جديد للانتخابات دون تأخير"، داعياً إلى الهدوء وضبط النفس من جميع الأطراف "في هذا الوقت الحساس"، مؤكداً مواصلة العمل مع جميع الأطراف المعنية لتسهيل مراقبة الاتحاد الأوروبي لأي عملية انتخابية مقبلة.

بصيص أمل

وظهر بصيص أمل لدى كثير من الفلسطينيين في الاتفاق الأخير الذي جرى التوصل إليه مبدئياً في حوارات جرت العام الماضي في إسطنبول، وجرى الاتفاق على تفاصيله في جولتي حوار لاحقتين في القاهرة.

ونص الاتفاق على إجراء انتخابات للمجلس التشريعي يتبعها، بعد شهرين، انتخابات رئاسية، ثم انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني. ولضمان تطبيق الاتفاق دون التعرض إلى انهيارات، تم الاتفاق على أن تخوض الحركتان الانتخابات في قائمة مشتركة، يلي ذلك تشكيل حكومة وفاق وطني بمشاركة الجانبين، تتولى إنهاء الانقسام، وإعادة توحيد مؤسسات السلطة في الضفة والقطاع.

وتعهدت حركة "حماس" في تلك الحوارات بعدم المنافسة على رئاسة السلطة الفلسطينية وعلى رئاسة الحكومة، بسبب احتمالات تعرض السلطة للحصار المالي والسياسي الإسرائيلي والدولي، في مقابل الانضمام إلى مؤسسات منظمة التحرير، التي تمثل المظلة السياسية الكبرى للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وتتمتع باعتراف دولي وإقليمي.

لكن الحركتين واجهتا الكثير من التحديات خلال فترة التحضير للانتخابات التشريعية، التي كان من المقرر إجرائها في 22 مايو المقبل.

وقوبل قرار الحركتين خوض الانتخابات في قائمة مشتركة، بهدف ضمان النتائج، موجة اعتراض شعبية واسعة من قبل الكثيرين الذين اتهموهما بالعمل على تقاسم السلطة، من باب الانتخابات التي طالبوا بأن تكون حرة تعبر عن إرادة شعبية حرة.   

وحاولت الحركتان تشكيل قائمة وطنية مشتركة لخوض الانتخابات لكن ذلك فشل أيضاً، بعد رفض الكثير من القوى الأخرى المشاركة في مثل هذه القائمة.

تحديات "فتح" الداخلية

وواجهت "فتح" التي يقودها الرئيس محمود عباس تحديات داخلية كبيرة أثناء العملية الانتخابية. فشكل أحد قادة الحركة غير الراضين عن آليات اتخاذ القرارات فيها، وهو الدكتور ناصر القدوة، كتلة مستقلة لخوض الانتخابات، بدعم من عضو اللجنة المركزية الأسير مروان البرغوثي، الذي تظهر جميع استطلاعات الرأي تمتعه بشعبية ورمزية وطنية عالية.

وشكل عضو اللجنة المركزية السابق محمد دحلان كتلة ثانية مستقلة مركزها قطاع غزة، أظهرت الاستطلاعات أن لها فرصة لتحقيق نتائج جيدة.

وبين العديد من استطلاعات الرأي العام أن لدى الكتلتين المذكورتين فرص للحصول على عدد من الأصوات مساو لما يمكن أن تحصل عليه الكتلة الرسمية للحركة.

وتعالت أصوات في "فتح" تطالب بتأجيل الانتخابات، بسبب الانقسامات التي شهدتها الحركة.

وشكل موقف إسرائيل الرافض لإجراء الانتخابات في القدس، سبباً كافياً للكثيرين للمطالبة بتأجيل أو إلغاء الانتخابات.

ويرى كثير من المراقبين، أن السبب الرئيسي وراء تأجيل الانتخابات هو قلق قيادة "فتح" من عدم تحقيق نتائج لائقة تهدد سيطرتها على السلطة.

وقال الكاتب هاني المصري، المرشح عن كتلة "الحرية" التي يقودها ناصر القدوة، إن الفلسطينيين كانوا قادرين على فرض إجراء الانتخابات في القدس دون موافقة إسرائيل، وأن قيادة السلطة استخدمت الرفض الإسرائيلي مبرراً لتأجيل الانتخابات بسبب الانقسامات الداخلية في حركة "فتح".

وأضاف: "واضح أن التأجيل سيتحول إلى إلغاء، لأن إسرائيل لا يمكن لها أن تسمح لنا بإجراء الانتخابات في القدس التي تعتبرها عاصمة أبدية لها".

وعرض محمود عباس على حركة "حماس"، ضمن قرار التأجيل، تشكيل حكومة وفاق وطني تعمل على تنفيذ المهمام الكبرى المتفق عليها مثل إنهاء الانقسام وإعادة توحيد مؤسسات السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنه اشترط أن تكون هذه الحركة مقبولة دولياً.

واشترطت اللجنة الرباعية الدولية، التي تضم كلاً من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، على الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة "حماس" عقب فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف وقبول الاتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وقال عباس في الكلمة التي وجهها للشعب الفلسطيني عشية تأجيل الانتخابات، إنه اقترح مؤخراً على "حماس" وثيقة سياسية تجعل من الحكومة المشتركة مقبولة دولياً، لكنه لم يتلق بعد أي رد رسمي من الحركة.

وكان رئيس وفد "فتح" للحوار الوطني، جبريل الرجوب، كشف في لقاء سابق مع "الشرق"، أن الوثيقة تنص على حق الفلسطينيين في اقامة دولة مستقلة على حدود العام 1967، وعلى اعتماد المقاومة الشعبية، مشيراً إلى أن هذه الصيغة قد تحظى بقبول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

رفض "حماس"

ورفضت "حماس" عرض الرئيس عباس واعتبرته "محاولة للتغطية على قرار إلغاء الانتخابات الذي لا يحظى بشعبية بين الفلسطينيين الطامحين لعودة البرلمان المنتخب للممارسة الرقابة والمسائلة، في ظل انتقادات كبيرة موجهة للحكومات المتعاقبة التي تعمل بلا رقابة برلمانية".

وقال عضو المكتب السياسي للحركة، حسام بدران، إن السبب الرئيسي لإلغاء الانتخابات هو أزمة "فتح" الداخلية، وأن حركته "لن تسارع لقبول أي عرض ما لم يتضمن العودة إلى الانتخابات الحرة وإلى برنامج شامل لإنهاء الانقسام وإعادة بناء منظمة التحرير".

ويرى كثير من المراقبين أن إلغاء الانتخابات سيؤدي إلى عودة وتعميق الانقسام، حيث قال الباحث في مركز الدراسات والبحوث السياسية والمسحية في رام الله، علاء لحلوح لـ"الشرق": "ما حدث يبدد الثقة بين الجانبين ويعزز الانقسام".

وأضاف: "قد لا تتاح فرصة أخرى مثل هذه لسنوات طويلة قادمة، ما يعني أن حركة حماس ستظل تحكم قطاع غزة، وحركة فتح ستظل تحكم الضفة الغربية بلا مشاركة من الشعب الذي جرى تغييبة من خلال عدم إجراء انتخابات".