قالت مجلة "بوليتيكو" الأميركية إنه مع استئناف مفاوضات فيينا بشأن عودة الاتفاق النووي الإيراني الاثنين، بعد توقف دام 5 أشهر، فإن المزاج السائد بين المفاوضين "يبدو كئيباً"، إن لم يكن "قاتماً بشكل كامل"، كما يبدو أن واشنطن وطهران على استعداد للمخاطرة بفشل هذه المحادثات، وربما لما هو أسوأ بكثير من ذلك، وهو ما يثير استياء أوروبا والدول الأخرى التي ترعى هذه التحركات الدبلوماسية.
وأضافت المجلة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني السبت، أن الإيرانيين يطرحون "مطالب غير واقعية"، ويثيرون غضب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، فيما يحذر الأميركيون من أنهم على استعداد للانسحاب من المفاوضات.
وأشارت المجلة إلى أنه رغم أن "الوضع الحالي لا يعدّ جديداً، إلا أن المخاطر باتت أكبر الآن، لأن البرنامج النووي الإيراني أصبح أكثر تقدماً، فيما بات القادة الإيرانيون أقل تفاؤلاً بشأن فوائد التخفيف المحتمل للعقوبات".
وتابعت: "لا تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد على الوحدة بينها وبين الدول الشريكة لها، أو على ثقتهم فيها، بقدر ما فعلت عندما توصلت إلى اتفاق نووي لأول مرة مع إيران في عام 2015"، شارحةً أن "العلاقات الأميركية مع الصين تدهورت في السنوات الأخيرة، كما أن العلاقات مع روسيا باتت مشحونة أيضاً، فضلاً عن أن أميركا هي التي تخلت عن الاتفاق في المقام الأول في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب".
ونقلت "بوليتيكو" عن مسؤول رفيع في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لم تكشف عن هويته، قوله إن هدف الولايات المتحدة "لا يتعلق بسياسة حافة الهاوية ولا بممارسة الألعاب، ولكن هدفها هو إقناع المفاوضين الإيرانيين الجدد (بعد انتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي) بالتخلي عن توقعاتهم الخاطئة حول ما ستفعله الولايات المتحدة لاحتوائهم".
ولفتت المجلة إلى أنه على الرغم من إعلان بايدن أنه يريد استعادة الاتفاق الأصلي والتفاوض على اتفاق طويل الأمد، فإن فريقه يقول إنه لن يرفع العقوبات التي أعاد ترمب فرضها ما لم تعُد إيران إلى الامتثال للاتفاق.
وذكرت المجلة أن طهران زادت من تشديد موقفها التفاوضي، ناقلةً عن دبلوماسي غربي مطلع على المفاوضات النووية قوله: "أعتقد أن من المهم أن نفهم أن الهدف الرئيسي للنظام الإيراني الجديد هو إبراز قوّته وعناده، حيث إن الحسابات الاقتصادية لا تلعب دوراً كبيراً في الوقت الحالي".
تشاؤم أميركي
ووفقاً لمسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، فإن المفاوضين الأميركيين متشائمون بشأن تحقيق أي نجاح في المفاوضات على المدى القريب، كما حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومسؤولون أميركيون آخرون من أن صبرهم قد بات محدوداً، وأنهم لا يستبعدون استخدام الحل العسكري لعرقلة برنامج إيران النووي.
ومضت المجلة تقول: "ومع ذلك، فإن المسؤولين الأميركيين لا يدّخرون أي جهد للتعامل مع طهران دبلوماسياً، وهو ما يُظهر للدول الشريكة والعالم أن واشنطن، وليس إيران، هي التي لديها النوايا الحسنة".
ورأت المجلة أنه حتى إذا توصلت إيران والولايات المتحدة إلى أن العودة لاتفاق 2015 تعدّ أمراً مستحيلاً، فمن غير المرجح أن تسحب إدارة بايدن المناقشات الدبلوماسية المستمرة من على الطاولة؛ كما أن من المرجح أيضاً أن يظل هذا الخيار قائماً في حال كثفت الولايات المتحدة العقوبات أو أعطت الضوء الأخضر لمحاولات تخريب البرنامج الإيراني.
اتفاق بديل مؤقت
ووفقاً للمجلة، فإنه في غضون ذلك، هناك حديث عن اقتراح لإجراء اتفاق مؤقت، وهو ما قد يتخذ أشكالاً عدة، بما في ذلك عرض تخفيف العقوبات على إيران مقابل التجميد أو التراجع الجزئي عن بعض تحركاتها النووية؛ إلا أن احتمالات الاتفاق على ذلك تظل منخفضة.
وأضاف المسؤول الرفيع في إدارة بايدن أن "الولايات المتحدة لا تضغط بشكل استباقي للتوصل إلى اتفاق مؤقت"، لكنه أقر بأنه "من الممكن أن يظهر هذا الخيار، وذلك ربما بناء على طلب طرف ثالث؛ فصحيح أننا نفضل العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة السابقة، ولكن عدم انفتاحنا على البدائل الأخرى سيمثل سوء تصرف دبلوماسي".
فيما قال مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية يتعلق منصبه بمنطقة الشرق الأوسط، إن فريق بايدن بات يتحرك بالفعل نحو شكل من أشكال الخطط البديلة في حالة انهيار المحادثات لاستعادة اتفاق 2015.
وتابعت المجلة: "لا يوجد إجماع واسع على ما يحدد شكل هذه الخطة البديلة، ولكن من المحتمل أن تتضمن تكثيف الولايات المتحدة الضغط الدبلوماسي والعقوبات على إيران وانتظار النظام (في طهران) حتى يتعامل مع الاقتصاد المتعثر".
تكثيف الضغوط
لكن المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، قال إنه إذا تمكنت الولايات المتحدة من ممارسة ضغوط كافية، فقد يقرر النظام الإيراني بمرور الوقت أنه يتعين عليه العودة إلى المفاوضات. وأضاف أن ذلك سيحدث على الأرجح إذا نظّم الشعب الإيراني احتجاجات على الصعوبات المعيشية التي يعانيها.
وفي نهاية تقريرها، قالت المجلة إنه حتى إذا أعادت مفاوضات فيينا ذكريات إيجابية عن الإبرام الناجح لصفقة 2015، فإن الثقة في الوقت الحالي تبدو متدنية جداً على كلا الجانبين في إمكانية تحقيق اختراق جديد.
توقعات منخفضة
من جانبها، أبرزت وكالة "رويترز" أيضاً ما وصفته بـ"التوقعات المنخفضة" بأن تؤدي المحادثات النووية الجديدة مع إيران إلى حقائق جديدة على الأرض.
وقالت الوكالة في تقرير نشرته الأحد، إن القوى العالمية وإيران ستعود إلى فيينا يوم الاثنين في محاولة أخيرة لإنقاذ الاتفاق النووي لعام 2015، ولكن قلة منها فقط تتوقع حدوث انفراجة في وقت تزيد طهران أنشطتها النووية في محاولة واضحة منها لكسب النفوذ ضد الغرب.
ونقلت الوكالة عن دبلوماسيين قولهم إن الوقت بدأ ينفد لإحياء الاتفاقية القديمة. وقال دبلوماسي غربي مشارك في المحادثات للوكالة، إن "طهران تقوم بكل ما يلزم من الناحية الفنية حتى تتمكن من تغيير علاقتها الأساسية مع الغرب لتكون قادرة على إجراء حوار أكثر مساواة في المستقبل"، فيما قال دبلوماسيان أوروبيان إنه يبدو أنها كانت تناور فقط للحصول على الوقت.
مراقبة التكتيك الإيراني
كما نقلت الوكالة عن دبلوماسيين غربيين قولهم إنهم سيتوجهون إلى محادثات يوم الاثنين على أساس أنها ستستأنف من حيث توقفت في يونيو، محذرين من أنه إذا استمرت إيران في مواقفها المتطرفة وفشلت في استعادة تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فسيتعين عليهم مراجعة خياراتهم بسرعة.
كما حذر أحد الدبلوماسيين الأوروبيين الذين تحدثوا إلى الوكالة من أنه "إذا استمرت طهران في تبني هذه المواقف يوم الاثنين، فأنا لا أرى إمكانية للتوصل إلى حل تفاوضي"، مؤكداً أن العديد من الدبلوماسيين يشيرون إلى أنه من ضمن السيناريوهات التي تقترحها واشنطن هو التفاوض على اتفاق مؤقت مفتوح مع طهران في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم، لكنهم يقولون إن الأمر سيستغرق وقتاً كما أنه ليس هناك يقين بأن إيران لديها أي رغبة في ذلك.
توعّد أميركي
وفي السياق، توعد المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي، السبت، بأن تمارس واشنطن وشركاؤها ضغوطاً على طهران، إذا استخدمت المحادثات كـ"ذريعة" لتسريع برنامجها النووي.
وقال مالي في مقابلة مع "بي بي سي ساوندز"، إنه "إذا كانت إيران تعتقد أن بإمكانها استغلال هذا الوقت لتعزيز قوتها، ثم تعود وتقول إنها تريد شيئاً أفضل، فلن ينجح ذلك، وسنفعل نحن وشركاؤنا كل ما لدينا لعدم حدوث ذلك".
وأضاف مالي الذي يرأس الوفد الأميركي في المفاوضات: "إذا كان هذا هو موقف إيران، وهو محاولة استخدام المفاوضات كغطاء لتعجيل البرنامج النووي، وكما أقول التباطؤ في المحادثات النووية، فسيتعين علينا الرد بطريقة لا نفضلها، ويجب ألا يفاجأ أحد إذا كان هناك ضغط متزايد على إيران في هذه المرحلة".
إسرائيل "قلقة جداً"
في سياق متصل أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الأحد، أن إسرائيل "قلقة جداً" من أن ترفع القوى العالمية العقوبات عن إيران مقابل فرض قيود غير كافية على برنامجها النووي.
وقال بينيت للحكومة الإسرائيلية في تصريحات بثها التلفزيون: "هذه هي الرسالة التي ننقلها بكل السبل، سواء للأميركيين أو للدول الأخرى التي تتفاوض مع إيران".