ترسيم الحدود البحرية.. "صراع صامت" بين المغرب وإسبانيا

time reading iconدقائق القراءة - 19
مشهد عام يظهر معبر الفنيدق المغربي الحدودي مع جيب سبتة الإسباني (في الخلفية). 31 مايو 2022 - AFP
مشهد عام يظهر معبر الفنيدق المغربي الحدودي مع جيب سبتة الإسباني (في الخلفية). 31 مايو 2022 - AFP
الرباط -عبد الكريم العفاني

يبرز ملف "الحدود البحرية" بين المغرب وإسبانيا، كأحد أهم "النقاط الخلافية" بين البلدين، إلى جانب ملفات، الصحراء، وسبتة، ومليلية، والجزر الجعفرية، وذلك نظراً لما تُمثله السواحل البحرية من أهمية استراتيجية بالنسبة للطرفين.

وعلى الرغم من أن البيان الختامي للقمة "المغربية - الإسبانية" المنعقدة بالرباط، في فبراير الماضي، تفادى الإشارة إلى هذا الملف الشائك، درءاً لكل ما يمكنه تعكير "أجواء الاحتفال" بعودة العلاقات، إلا أنه كان حاضراً ضمن اتفاق المصالحة الذي تَمّ في أبريل 2022، والذي وضع حدّاً لتوتر دام لأكثر من عامين، على خلفية استقبال مدريد لزعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي.

وكان غالي خضع للعلاج في مستشفى إسباني لأكثر من شهر، جرّاء الإصابة بفيروس كورونا.

"تصحيح الوضع القانوني"

في يناير 2020، صادق مجلس النواب المغربي بالإجماع على مشروعي قانون يُحددان المساحات البحرية للمغرب، وتَبسُط بموجبهما المغرب ولايته القانونية على السواحل الممتدة من السعيدية شرقاً، مروراً بطنجة شمالاً، إلى الكويرة الواقعة جنوب الصحراء.

وبالإضافة إلى مفعولها القانوني وطابعها التشريعي، سعت الرباط من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز موقفها السياسي في مواجهة مطالب جوارها الجغرافي، و"صون مصالح المغرب وحقوقه السيادية على كافة مجالاته البحرية".

كما لم تخف الرباط رغبتها في إمكانية الاستفادة من الثروات التي تزخر بها هذه السواحل "خصوصاً مع الحاجة المتزايدة إلى مصادر الطاقة والموارد الطبيعية.. وهو ما سيُمكن المملكة من تكريس هذه الموارد في تعزيز التنمية بشكل مستدام"، حسبما جاء في تقرير مركز الدراسات التابع للبرلمان المغربي.

وصرح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن بلاده أقدمت على هذه الخطوة بهدف ملاءمة التشريعات المغربية والدولية في هذا المجال لـ"النصوص المغربية، التي تعود لسبعينيات القرن الماضي، والتي أصبحت متجاوزة، خصوصاً بعدما استكمال صياغة واعتماد اتفاق الأمم المتحدة بهذا الشأن".

ولم يصادق المغرب على اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار، إلا في عام 2007، لسببين رئيسيين، يتعلقان بالتأخير الذي استغرقه النقاش حول القانون قبل المصادقة عليه، والمناخ السياسي لتلك الفترة، والتي شهد فيها ملف الصحراء تطورات عدة، خصوصاً بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مع "البوليساريو" في 1991، وفقاً لـ"تقرير مركز الدارسات البرلماني".

احتجاج إسباني

من جانبها، لم تتأخر مدريد في الاعتراض على الخطوة المغربية، إذ قالت وزيرة الخارجية الإسبانية آنذاك، أرانتشا لايا، خلال زيارتها الرباط في يناير 2020، إن "ترسيم الحدود البحرية يجب أن يتم في إطار اتفاق ثنائي، وفي احترام لقواعد ومعايير اتفاق الأمم المتحدة حول قانون البحار".

وطرحت مدريد إشكاليتين اثنيين، تتعلق الأولى بتداخل الحدود المطروحة في القانون المغربي مع مياه جزر الكناري الإسبانية على الساحل الأطلسي، والثانية بوضعية المساحات البحرية التي توجد قبالة الصحراء.

وقال الخبير الإسباني في شؤون شمال إفريقيا، خافيير أريبا، في مقابلة مع "الشرق"، إن "السبب الرئيسي للنزاع هو رغبة كل طرف في كسب أكبر المزايا، خصوصاً أن الأمر يتعلق بمنطقة غنية بالمعادن النادرة".

وكانت مدريد وضعت مقترحاً عام 2014، لدى لجنة حدود الجرف القاري (وهي إحدى الهيئات الثلاث التي أنشئت بموجب اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار، إلى جانب المحكمة الدولية لقانون البحار والهيئة الدولية لقاع البحر)، لتوسيع جرفها القاري غرب الكناري، بمساحة تعادل 350 ميلاً بحرياً، لكن الرباط قدمت بشأنه تحفظات شفهية، قبل أن تضع في 2017 طلباً مماثلاً أمام الهيئة نفسها.

القانون الدولي والمجالات البحرية

ودخل اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار حيز التنفيذ عام 1994، بعد 12 عاماً من المصادقة عليه في عام 1982، ووقع عليه 168 دولة حتى الآن.

وحدد الاتفاق حقوق ومسؤوليات الأطراف الموقعة، فيما يخص المحيطات، والبحار، والسواحل، كما قامت بإرساء القواعد التفصيلية، لكيفية التعامل بين الدول بهدف "تدبير عادل" لهذه الفضاءات، وبخاصة ما يتعلق بالتجارة والبيئة وإدارة الموارد الطبيعية.

كما عين الاتفاق حدود المجالات البحرية انطلاقاً من "خط الأساس"، تبعاً لقواعد دقيقة، وقسمت هذه المجالات إلى أنواع عدة:

المياه الداخلية: وهي المياه التي تملك الدول سيادة كاملة عليها، وتقع على اليابسة انطلاقاً من خط سواحلها الأساسي، وتشمل "الموانئ، والخلجان، والأرخبيلات، والمضايق، ومصبات الأنهار".

المياه الإقليمية: هي السواحل التي تملك الدول سيادةً عليها انطلاقاً من إقليمها البحري، أو سواحلها بمسافة 12ميلاً (ما يعادل 20 كلم تقريباً)، وتمتد هذه السيادة إلى الحيز الجوي، وباطن البحر.

المنطقة المتاخمة: تمتد إلى ما يقرب 24 ميلاً بحرياً (39 كلم تقريباً) من خطوط الأساس التي تقاس بواسطتها المياه الإقليمية، وتُطبّق الدولة الساحلية على هذه المنطقة قوانينها الجمركية أو الضريبية أو تلك المتعلقة بالهجرة.

المنطقة الاقتصادية الخالصة: تمتد من الحد الخارجي للمياه الإقليمية إلى 200 ميل بحري ( 322 كلم تقريباً) من ساحل الدولة المعنية، وتتمتع فيها الدولة بـ"حقوق خاصة"، فيما يتعلق باستكشاف، واستخدام الموارد البحرية بما في ذلك إنتاج الطاقة.

الجرف القاري: يمتد على طول 350 ميلاً بحرياً (563 كلم) من الساحل، ويعتبر امتداداً لليابسة داخل البحار والمحيطات، ويحق للدولة التي تمتلك جرفاً قارياً ممارسة السيادة عليه، بما فيها الاستكشاف، واستغلال الموارد الطبيعية غير الحية من نفط، وغاز، وغيرها.

المياه الدولية: وهي المناطق التي تلي المنطقة الاقتصادية الحرة، والجرف القاري، وتقع خارج سلطة أي دولة، وللجميع حقوق متساوية في استغلالها، سواء في الملاحة أو التحليق أو غيرهما.

وسمح القانون في حالة وجود مساحات بحرية كافية لكل دولة، رسم حدودها البحرية إلى 200 ميل، وكذا طلب تمديدها إلى 350 ميلاً كحد أقصى، لكن ذلك رهن أيضاً عدم وجود تداخل مع حقوق دولة ثانية، ويُطلب من الجانبين حينها التفاوض للتوصل إلى حل يرضيهما.

نقطة الخلاف الرئيسية

دعا المغرب إلى اعتماد مبدأ "خط الإنصاف"، كمبدأ مرجعي لترسيم الحدود، عوضاً عن مبدأ "خط الوسط" الذي كان معمولاً به في السابق.

وقالت الرباط إن قانون الحدود البحرية الذي تبنته في عام 2020، سيمكن من "إرساء خطوة للأمام" بهدف تحديد المجالات البحرية، بما فيها المنطقة الاقتصادية الخالصة، والجرف القاري.

أما مدريد فعمدت إلى تبني "مبدأ الخط الوسط"، الذي يُقسّم المساحة البحرية بين السواحل المغربية والجزر الإسبانية في المحيط الأطلسي إلى نصفين متساويين، انطلاقاً من خط الأساس، مبررةً ذلك بغياب اتفاق بين البلدين، وهو ما يجعل من خط الوسط مبدأ يطابق القانون الدولي للبحار بحسب قولها.

وبالإضافة إلى ذلك، عدم وجود مساحة كافية تسمح بترسيم "المياه الاقتصادية الخالصة" لكلا الطرفين، بل وتقدمت مدريد عام 2014، بطلب رسمي للأمم المتحدة، لتوسيع الجرف القاري لجزر الكناري غرباً بمقدار 350 ميلاً بحرياً.

وقال الخبير المغربي في الدراسات الاستراتيجية لحسن حداد في تصريحات لـ"الشرق": "لا أظن أنه سيكون هناك مشكلة بين البلدين، رغم بعض الاختلاف في وجهة النظر"، مضيفاً أن "إسبانيا ترغب بترسيم الحدود وفقاً لخط الوسط كما جاء في المادة 15 من اتفاق قانون البحار عام 1982، ولكن المادة نفسها تشير إلى أن هذه المقتضيات لا تنطبق بوجود سند تاريخي أو ظروف خاصة".

ويصطدم الموقف الإسباني بـ"عائق قانوني"، وفق مراقبين، وقد ينسف بالتالي مطالب مدريد في توسيع حدودها البحرية.

وأضاف حداد: "جزر الكناري هي إقليم إسباني وليست دولة أرخبيلية، وبالتالي فإن مقتضيات اتفاق الأمم المتحدة، خصوصاً من المواد 46 إلى 54 المتعلقة بالدول الأرخبيلية، لا تنطبق عليها".

"أفضلية مغربية"

ورغم مطالبة أوساط سياسية داخل جزر الكناري، على رأسها القوميون، بمنح الجزر "الصفة القانونية وتوسيع سلطاتها لتشمل تعيين حدودها البحرية مع المغرب"، إلا أن هذا المطلب لم ينجح في تحقيق توافق لدى الطبقة السياسية.

وفي مايو 2022، صوت البرلمان المحلي ضد مقترح بهذا الشأن، تقدم به النائب عن التجمع القومي، نارفاي كوينتيرو، بـ36 صوتاً من الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي، مقابل 27 صوتاً من القوميين وحزب "بوديموس".

كما أن القانون البحري يمنح نظرياً "الأفضلية للمغرب"، باعتبار سواحله البحرية الممتدة مقارنة مع سواحل جزر الكناري، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية المغربي في 2020 وبشكل ضمني في إحدى تصريحاته التي نقلتها وكالة "إيفي" الإسبانية، عندما قال إنه "لا يمكن تطبيق مبدأ خط الوسط في حالة وجود حدود بـ750 كلم، أمام أخرى بـ10 كلم".

وترى أوساط سياسية إسبانية، أن إعلان الرباط توسيع مجال الولاية القانونية البحرية، لما ما وراء "الرأس الأيوبي"، أي انطلاقاً من مدينة طرفاية وحتى الحدود الموريتانية، "يعد إجراء قانونياً داخلياً، الهدف منه تعزيز سيادة المغرب على الصحراء" المتنازع عليها".

كما تعتبر أن أي اتفاق مستقبلي بين الرباط ومدريد بشأن المياه الساحلية للصحراء "يلزم البلدين فقط، مادام لم يتم التوصل إلى اتفاق ينهي ملف الصحراء على صعيد الأمم المتحدة".

وبالإضافة إلى المغرب وإسبانيا، تطالب البرتغال بدورها بمنطقة اقتصادية خالصة لـ"الجزر المتوحشة"، التي تتبع أرخبيل ماديرا بالمحيط الأطلسي، وتقع غرب جزر الكناري، وهو الأمر الذي يزيد المشهد تعقيداً، خصوصاً أن مدريد لا تعترف بسيادة لشبونة على هذه الجزر، التي شكلت منذ أن ضمتها البرتغال عام 1938، نقطة خلافية حادة بين البلدين.    

تنافس على الثروات

وأعاد إعلان الشركة البريطانية Europa Oil & Gas في أبريل 2022، اكتشافاً نفطياً يقدر بمليار برميل في سواحل مدينة أكادير، الجدل داخل إسبانيا بشأن نشاط التنقيب عن النفط والغاز قرب سواحل جزر الكناري.

كما عبرت إسبانيا عن قلقها إزاء السياسة التي تبنتها الرباط بشأن هذا الملف، إذ قال رئيس الحكومة المحلية لجزر الكناري، أنخيل توريس، تعليقاً على هذا الاكتشاف إن "حكومة الكناري ترفض بشكل قاطع أي تنقيب عن النفط في مياهها، وتدعو إلى احترام الأمن البيئي في المنطقة".

وخلال العشر سنوات الأخيرة، وقعت مجموعة من الشركات الدولية اتفاقات، مع المكتب الوطني للهيدروكاربورات بهدف إجراء دراسات تنقيب في سواحل المحيط الأطلسي، كما هو الشأن مع شركة "إيني" الإيطالية التي حصلت عام 2018 على ترخيص يمنحها إمكانية الاستكشاف في سواحل طرفاية.

وأعلنت شركة NewMed Energy الإسرائيلية نهاية 2022، توقيع اتفاق مع السلطات المغربية، للتنقيب عن الغاز الطبيعي ببوجدور، الموجودة في منطقة الصحراء، كما وقعت شركة Ratio Petroleum الإسرائيلية المتخصصة بالتنقيب في أكتوبر 2021، اتفاقاً حصلت بموجبه على ترخيص حصري للدراسة والتنقيب عن النفط والغاز في كتلة "أتلانتيك الداخلة".

لكن النقطة الأكثر إثارة وغموضاً، ستتصدر المشهد مع إعلان فريق علمي إسباني-بريطاني عام 2017، عن اكتشاف جبل بركاني غني بالمعادن بسواحل المحيط الأطلسي أطلق عليه اسم "جبل تروبيك"، حسب ما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC.

وقدّرت الدراسات احتواء الجبل على كميات هائلة من المعادن النفيسة، التي تُستخدم في صناعة البطاريات والألواح الشمسية، ومنها عنصر التيلوريوم، إضافة إلى مخزون كبير من عنصر الكوبالت، كما يضم معادن البايروم، والنيكل، والرصاص، والفاناديوم بكميات وافرة. 

ويقول البروفسور المغربي رشيد اليزمي، مدير البحوث في الطاقة المتجددة بجامعة "نانيانج" للتكنولوجيا بسنغافورة لـ"الشرق"، إن "جبل تروبيك يعد اكتشافاً استراتيجياً بالنسبة للمغرب، نظراً لما قد يحتويه من مخزون من التيلوريوم، والكوبالت، وربما الليثيوم".

ويضيف اليزمي أن "التيلوريوم يستعمل أساساً في صناعة أشباه الموصلات، وبخاصة تلك المتعلقة بالألواح الضوئية، كما أن الليثيوم والكوبالت يستعملان في السيارات الكهربائية التي يشهد سوق صناعتها نمواً كبيراً".

وطالب البرفسور المغربي المتخصص في بطاريات الليثيوم، بـ"الحذر" في التعاطي مع المعلومات الرائجة عن هذا الاكتشاف، مُبدياً بعض الملاحظات المتعلقة بصدقية الأرقام، قائلاً: "لا تتوفر حالياً تقديرات رسمية بخصوص هذا المخزون، ويجب بالتالي أن ننتظر إلى غاية ظهور تأكيد رسمي بشأنها".

"سباق محموم"

ويرى مراقبون أن "جبل تروبيك" بات ينذر بـ"سباق دولي محموم للاستفادة من ثرواته". إذ قال اليزمي: "استغلال هذا الجبل يثير اهتمام قوى في أوروبية، وأميركية، وآسيوية، وبخاصة الصين التي تبحث عن معادن لتلبية حاجياتها المرتبطة بالألواح الضوئية وبطاريات السيارات الكهربائية".

ويقع "جبل تروبيك" على بعد 260 ميلاً بحرياً من سواحل الصحراء، و269 ميلاً بحرياً من حزيرة "إل هييرو" التابعة لجزر الكناري، ويقع حسابياً خارج المنطقة الاقتصادية الخالصة للجانبين، لكن إسبانيا قدمت في 2014 طلباً للأمم المتحدة لتوسيع جرفها القاري ليشمل هذا الجبل.

وأوضح اليزمي، أن ثروات جبل تروبيك "يمكن استغلالها بشكل مشترك بين المغرب وإسبانيا أو أوروبا، بعد تسجيل تحسن في العلاقة بين الطرفين أخيراً"، مبرزاً في نفس السياق "الاهتمام الكبير" للولايات المتحدة بهذا الاكتشاف، خصوصاً "بعد التوقيع على اتفاقها أبراهام واعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء".

ونفس الأمر ذهب إليه الخبير الإسباني أريبا، الذي اعتبر أن "أجواء الثقة التي أعقبت المصالحة بين الرباط ومدريد يمكن أن تشكل مدخلاً لحل الخلافات، ومن ضمنها جبل تروبيك والحدود البحرية".

وأضاف أن "الاتفاقات التي تم توقيعها خلال القمة الإسبانية المغربية مكنت من رسم أفق إيجابي للعلاقات بين البلدين"، داعياً إلى "ضرورة إيجاد حل نهائي للملفات العالقة وعلى رأسها ملف الصحراء، وقرار المحكمة الأوروبية القاضي بإلغاء اتفاق الصيد في سواحل الصحراء مع المغرب، والذي من شأنه الإضرار بالمصالح الأوروبية".

هل يمكن التفاوض؟

ومن ضمن النقاط 16 التي تضمنها البيان المشترك المغربي الإسباني في 2022، كانت هناك إشارة لإعادة إحياء "مجموعة العمل المغربية الإسبانية المعنية بالحدود البحرية على الواجهة الأطلسية".

ولم تجتمع هذه اللجنة منذ 15 عاماً، وتمّ إطلاقها في 2001، وعقدت أولى اجتماعاتها في سنة 2005، في فترة كانت تعيش فيها العلاقات بين الرباط ومدريد أفضل مراحلها، عقب صعود الحكومة الاشتراكية برئاسة، خوسيه لويس ثاباتيرو، في 2004.

وتضم المجموعة فرق عمل من البلدين، تهم ترسيم الحدود، والصيد البحري، والبنية التحتية، والأمن، إضافة إلى النقل والمواصلات.

وأكدت وزارة الخارجية الإسبانية في تصريح لــ"الشرق"، عودة انعقاد اجتماعات هذه المجموعة، وقالت: "تم إعادة تنشيط مجموعة ترسيم حدود المساحات البحرية للساحل الأطلسي بعد 15 عاماً من التوقف، وفقاً للنقطة السادسة من الإعلان الصادر في السابع من أبريل"، وأضافت أنه "تم لحد الآن عقد جلستين، واجتماعات عدة".

ولم تصدر أي معلومات عن فحوى هذه اللقاءات، في الوقت الذي كشف فيه رئيس الحكومة المحلية لجزر الكناري عن مشاركة ممثلين عن الجزر في اجتماعات المجموعة.

وقال أنخيل فيكتور توريس خلال زيارة الرباط في مارس الماضي: "نأمل استئناف النقاش حول ترسيم الحدود البحرية بين جزر الكناري والمغرب على قدم المساواة، بعيداً عن القرارات أحادية الجانب".

 ويقول لحسن حداد خبير الدراسات الاستراتيجية: "متأكد أن البلدين سيسلكان طريق المفاوضات من أجل التغلب على تعقيدات ترسيم الحدود البحرية المتداخلة(..)". 

الوضع في المتوسط

وعلى صعيد البحر المتوسط، يقع بحر البوران في الجزء الغربي، تحده شمالاً إسبانيا، وجنوباً المغرب، وفي الجانب الشرقي جبل طارق، الخاضع للسيادة البريطانية.

ورغم الهدوء الذي يطبع العلاقات بين الرباط ومدريد، لايزال ملف مدينتي سبتة، ومليلة، والجزر المتوسطية، مسار جدل دائم بين البلدين. كما يَحُول الخلاف بشأن السيادة عليها، للتوصل إلى حل يُفضي إلى ترسيم للحدود البحرية في المتوسط، باعتبار الارتباط الوثيق بين الشقّين الترابي والبحري.

وتقع مدينة سبتة على الساحل المغربي قبالة جبل طارق، فيما تقع مدينة مليلية بالريف الشرقي للمغرب تقابلها سواحل غرناطة وألميريا.

أما الجزر الجعفرية، فهي عبارة عن 3 جزر تحت السيادة الإسبانية، وتقع على بعد نحو 3.5 كلم تقريباً من سواحل بلدة رأس الماء المغربية، ومصنفة منطقة عسكرية إسبانية.

وجزيرة باديس أو قمرة كما يطلق عليها الإسبان، توجد على بعد عشرات الأمتار من شاطئ مدينة الحسيمة المغربية، ولا تتجاوز مساحتها الهكتارين، واتخذتها مدريد قاعدة عسكرية.

أما جزيرة ليلى فتقع على بعد ما يقرب من 200 متر من السواحل المغربية، وهي عبارة عن صخرة تمتد على مساحة 13هكتاراً، وكاد البلدان أن يدخلا في نزاع مسلح عام 2002، بعد إقدام "كومندوس" إسباني بمحاصرة جنود مغاربة على الجزيرة، كانوا في مهمة لمراقبة الهجرة غير الشرعية بحسب مصادر رسمية، وانتهى الحادث بتدخل ديبلوماسي أميركي، اتفق عقبه الطرفان على أن تبقى الجزيرة خالية من أي تواجد بشري.

وأخيراً صخرة الحسيمة، وهي جزيرة صغيرة تبلغ مساحتها 70 متراً وعرضها 50 متراً، وتبعد عشرات الأمتار عن ساحل المدينة المغربية.

ومنذ استقلاله، طالب المغرب باسترجاع مدينتي سبتة، ومليلية، والجزر المتوسطية، معتبراً إياها من مخلفات الفترة الاستعمارية، ووضع تبعاً لذلك طلباً لإدراجها في لائحة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في الأمم المتحدة، لكن مساعيه لم تنجح.

وأمام المطالبات المغربية بالسيادة، ردت مدريد سنة 1975 بأن المدينتين، بالإضافة إلى الجزر "توجد ضمن الحدود الوطنية، وتنتمي إلى إسبانيا منذ قرون".

ارتباط قانوني وتاريخي

ويشكل الخلاف بين الرباط ومدريد بشأن السيادة على مدينتي سبتة، ومليلية، والجزر المتوسطية، أبرز عائق أمام التوصل إلى تفاهمات لترسيم الحدود البحرية في بحر البوران.               

وبالإضافة إلى البعد القانوني يتخذ هذا الملف الشائك أبعاداً أكثر تعقيداً، باعتبار الحمولة الثقافية التي يمثلها بالنسبة لكل طرف، من خلال استرجاعهما الدائم لحقوقهما التاريخية لإثبات أو تفنيد أحقية السيادة على هذه الأراضي.

ويستبعد مراقبون للتوصل إلى حلول للحدود البحرية المتوسطية خارج "الوضع الراهن"، في غياب أي أفق للتشاور، أو إمكانية تنازل أي طرف عن مواقفه بالنسبة للمدينتين. 

ويضاف إلى ذلك اختلاف المقاربة التي ينتهجها الطرفان في ترسيم الحدود البحرية، والمضمنة في تشريعاتهما الوطنية، ففي الوقت الذي يتبنى المغرب "مبدأ الإنصاف"، اختارت مدريد "مبدأ خط الوسط"، الذي يقضي بتقسيم متساو للمساحات البحرية.

وقامت إسبانيا في عام 2014، بترسيم منطقتها الاقتصادية الخالصة شمال غربي المتوسط، لكنها تفادت القيام بنفس الأمر على حدودها مع المغرب، "وهذا دليل على الحذر الذي تتعامل به مدريد مع هذا الملف"، وفق ما ذكر الباحث المهدي باسط، من مركز الأبحاث الفرنسي "زوماد".

ورغم عدم رغبتها في فتح جبهة نزاع جديدة مع المغرب، فإن مدريد لا تبدي استعداداً للتنازل عن موقفها بشأن "حدودها البحرية"، كما أظهرت ذلك مراسلة للأمم المتحدة، رداً على تصريحات مغربية بمناسبة مصادقة الرباط على قانون البحار، إذ شددت فيها على أن الأراضي التي يطالب بها المغرب "جزء من مملكة إسبانيا، تمارس سيادتها الكاملة على ترابها، وكذا المساحات البحرية المرتبطة بها".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات