تتعاظم خلال السنوات الأخيرة في مصر تجارة الأبواب القديمة التي يزيد عمرها على 100 عام، حتى أضحت سوقاً مربحة تجد لها زبائن في الخارج، في دول مثل هولندا وبلجيكا والولايات المتحدة.
ورغم أن المصدر الرئيسي لهذه الأبواب يأتي غالباً من هدم البيوت المتهالكة فى الأحياء العتيقة، فإن كثيرين يرون أنها تمثل "جزءاً من التراث والتاريخ المصري الذي ينبغي حمايته".
وفي منطقة "الشرابية" بالقاهرة يعرض عدد من تجار الأثاث قطعاً خشبية قديمة، منهم محمد سيد، تاجر الأبواب القديمة التي يرجع تاريخ بعضها إلى ما يزيد على قرن، ويبدأ سعر القطعة الواحدة من 5 آلاف جنيه إلى 20 ألف جنيه (نحو 1274 دولاراً) بحسب عمر الباب وتاريخه.
ويقول سيد لـ"الشرق": "أحصل على هذه الأبواب من خلال الاتفاق مع عمال المقاولات والهدم، إذ تتم المعاينة المسبقة للمنزل قبل الهدم، وحال وجود معادن أو أخشاب مميزة من حيث الجودة والشكل، يتم الاتفاق على شرائها، ونقوم ببيعها بشكل منفرد".
ولا تقتصر عملية الاتفاق على الأبواب أو القطع المعدنية فقط، بل تمتد إلى القطع المميزة، من واجهات المنازل والبلاط المعروف بجودته، نظراً لقدرة البلاط العربي القديم على تحمل صعوبة الطقس، إذ ما زالت ألوان بعضه لم تتأثر، رغم مرور ما يزيد على 100 عام على استخدامه.
تجارة مزدهرة
25 عاماً قضاها علي عبد العاطي في مجال تجارة الأبواب القديمة، بدأ الأمر كهواية بالنظر إلى تخصص عائلته في أعمال المقاولات والهدم، إذ كانت تروق له قطعة تلو الأخرى فيقوم بشرائها للاحتفاظ بها، ومع مرور الوقت وتحول الذوق العام للاهتمام بما هو قديم تخصص في تجارتها.
ويصف عبدالعاطي في حديث لـ"الشرق"، طبيعة السوق المصري الذي ازدهر بعد عام 2010. ويقول: "لا يدرك جمال هذه القطع الفريدة إلا 10% من المصريين، ونسبة الشراء لا تزيد على 2% منهم، لكن هذه النسبة بدأت في الزيادة على مدار السنوات الماضية".
وتشمل القطع القديمة الأبواب، البلاط، وقطعاً معدنية في أساسات المنزل، والمشربيات والسقف إذا كان في حالة جيدة، لكن الأكثر رواجاً هي الأبواب، التي يتم تقييمها وفقاً لعدة عوامل أولها ما يظهر عليه من آثار مثل التشققات، وألوان الدهان المتغيرة بعوامل الجو والتعرية، وكذلك تصميمه.
باب مصري في الولايات المتحدة
وفي ولاية فلوريدا الأميركية، يقع سوق لـ"الأنتيكات" المستوردة من جميع أنحاء العالم، ومنها متجر "إيكو ريليكس" الذي يتضمن قسماً فريداً لبيع الأبواب المصرية القديمة، وبحسب موقع المتجر، يتم بيع الأبواب المصرية القديمة التي يتراوح عمرها من 100 إلى 125 عاماً، ويتم استيرادها من مدن مختلفة في جميع أنحاء مصر.
وقال أحد زبائن المتجر يدعى بادي كيرس، إن المميز في تلك الأبواب، هو "تلك التفاصيل المنحوتة يدوياً، كما أن معظمها من خشب الصنوبر الأوروبي الشرقي الذي يأتي من روسيا".
لكن ثمة سؤال يطرحه نفسه بشأن هذه القطعة الأثرية، وهو كيف خرجت هذه القطع الفريدة من مصر؟ يقول شريف البربري، عضو مجلس إدارة شعبة المصدرين والمستوردين بالغرفة التجارية المصرية، إن تصدير الأبواب القديمة "يتم بصورة فردية لعدد من الدول أبرزها هولندا، بلجيكا والولايات المتحدة، مؤكداً أنه "لا وجود لشبكة متخصصة في تصديرها".
وتابع في حديث لـ"الشرق"، أن عملية البيع الأولى من مصر لأسواق أجنبية تتم عن طريق العرض على الإنترنت، ويشتريها التاجر بالقطعة فقط على حسب التصميم، مشيراً إلى أنها لا تباع بأعداد كبيرة، ولا تتوفر معلومات عن تصديرها في الغرفة التجارية.
وقال إنه في حال تصدير 50 باباً سنوياً فإنها "تعد أعداداً قليلة لرصدها، على اعتبار أنها منتج يُعامل معاملة الأنتيكات".
الاستنساخ بعد المنع
وكانت السلطات المصرية أصدرت عام 2010 قراراً بعدم هدم البيوت ذات الطراز المعماري المميز، ما أثر على سوق الأبواب القديمة، وهو الأمر الذي دفع التاجر عبد العاطي للتوجه نحو استنساخ الأبواب القديمة ذات الشكل المميز، وصنع نسخة منها عند الحرفيين التقليديين.
ويتابع عبدالعاطي في حديثه لـ"الشرق" قائلاً: "أستخدم خشب العزيزي القديم المستخدم في الباب الأصلي نفسه، وتصل تكلفة صنع الباب الواحد من 5 إلى 10 آلاف جنيه مصري (نحو 637 دولاراً)".
ويعد الاتجاه العام حالياً في مصر هو التقليد الذي يعرف في مجال تجارة الأبواب القديمة بـ"إحياء التراث"، وهذا ما طالب به عدد من رواد بيع محتويات المنازل القديمة، كإعادة تصنيع الأبواب التي يزيد عمرها على 100 عام.
وتتسم أبواب كل محافظة بطابع خاص يميزها عن غيرها، فأبواب بيوت الإسكندرية تأثرت بالطابع البلجيكي واليوناني، أما الأبواب القديمة بالقاهرة فإن الطراز الإسلامي هو المهيمن عليها، كأعمال "الأرابيسك".