الشاعر الفنزويلي رافايل كاديناس.. "الصامت المتمرّد"

time reading iconدقائق القراءة - 6
الشاعر الفنزويلي رافايل كاديناس الفائز بجائزة ثرفانتيس للآداب - @PabloRuedaH
الشاعر الفنزويلي رافايل كاديناس الفائز بجائزة ثرفانتيس للآداب - @PabloRuedaH
مدريد- شوقي الريسالشرق الأوسط

للسنة الخامسة على التوالي، استقرّت "جائزة ثرفانتيس للآداب الإسبانية" على شاعر فنزويلي، هو رافايل كاديناس، الذي يُعدّ أحد أبرز الأصوات الغنائية في الشعر الأميركي اللاتيني، وقد سبق له أن فاز بجميع جوائز الأدب الإسباني الكبرى، مثل جائزة الملكة صوفيا، وجائزة معرض غوادالاخارا الدولي، وجائزة غارسيا لوركا.

كما أن اسم كاديناس لم يغب منذ سنوات عن القائمة القصيرة للمرشّحين لنيل جائزة نوبل. ومنذ عقود ينأى كاديناس عن الظهور العلني أو الإدلاء بتصريحات يعلّق فيها على شعره، أو إعطاء مقابلات صحافية، وينصرف بتنسّك إلى الغوص في عالم الألغاز، يبحث عن المعاني السحيقة للكلمات، ويدفع الأنا إلى أقصى درجات الضمور، كمدخل إلى الطمأنينة، وسبيل نحو الشعر المصفّى.

 لكن خطابه الشعري لم يتجاهل معارج الألم ولحظات الامتلاء، مردّداً "أن بهاء الحياة كامن في الحياة نفسها"، ومقللاً من أهمية الأحداث الكثيرة التي مرّت عليه طوال سنواته التسعين.

شيوعي فنزويلي

في الثانية والعشرين من عمره، اضطرّ كاديناس لاختيار طريق المنفى إلى جزيرة ترينيداد، خلال حكم ماركوس بيريز خيمينيز، بسبب انتمائه إلى الحزب الشيوعي الفنزويلي، لكنه كان يحرص على عدم إضفاء صورة بطولية على تلك الفترة، (لأن الجزيرة لا تبعد سوى ثلاثين كيلومتراً عن السواحل الفنزويلية)، ولأنها كانت يومها مستعمرة بريطانية تنعم بمساحة واسعة من الحرية، عاد منها بعد أربع سنوات وفي جعبته مجموعتان من أرقى قصائده: "جزيرة"، "دفاتر المنفى".

حالة اكتئاب

بعد عودته من ترينيداد إلى فنزويلا، وفي ذروة حالة الاكتئاب الشديد التي كان يعاني منها، نشر مجموعته "مناورات زائفة" التي تتضمّن أشهر قصائده بعنوان "هزيمة"، التي تحولّت إلى أيقونة شعرية في أرجاء أميركا اللاتينية.

وعلى الرغم من أنه كان يصرّ دائماً على عدم الاعتزاز بتلك الأبيات التي كتبها منذ ستة عقود، فهو يقول "إن شهرتها تعود إلى النشوة الديمقراطية العارمة التي كانت تجتاح أميركا اللاتينية في تلك الفترة، وليس إلى قيمتها الشعرية":

أنا الذي لم يمتهن في حياته حرفة

ويشعر بالوهن أمام منافسيه

أنا من ضلّ كل الدروب في الحياة

وما إن يحلّ في مكان حتى يستعجل الرحيل

بهذه الأبيات يستهلّ كاديناس قصيدته التي يعلن فيها أنه "ذليل، وتافه، وأحمق، بلا شخصية أو رغبة فيها"، ويتملّكه شعور دائم بالخجل من أفعال لم يرتكبها.

في قصيدة أخرى يقول: "صغير أنا، صامت ومتمرّد"، جانحاً على الدوام إلى تعرية اللغة من غزارة الاندفاع نحو الزخارف، الأمر الذي توقّفت عنده لجنة تحكيم  جائزة "ثرفانتيس"، واصفةً أعماله بأنها "تدلّ على قوّة التغيير الكامنة في الكلمة، عندما ترتقي اللغة إلى أقصى قدراتها الإبداعية".

 عام 2007 جمع كاديناس كل أعماله في مجلّد واحد يقع في 700 صفحة، أضاف إليها تعليقات شعرية مختصرة على مقتطفات من كُتّاب مثل، ويسلاوا سيمبورسكا، وإميلي ديكينسون، وبابلو نيرودا، وبالأخصّ ميغيل دي ثرفانتيس، نالت إعجاب النقّاد، ولقيت رواجاً كبيراً عند القرّاء، وترجمت إلى أكثر من عشرين لغة.

رهان لغوي

وعلى الرغم من عزوفه الطويل عن التصريحات، وحرصه على أن تكون أعماله تجسيداً لرهان لغوي متمايز وفريد، دفعه التمرّد إلى انتقاد النظام الفنزويلي بقوله: "حرية، ديمقراطية، عدالة، نزاهة... عندما تغيب هذه عن بلد، تجعل العيش مستحيلاً بالنسبة لمواطنيه. فنزويلا بأمسّ الحاجة للعودة إلى الوضع الطبيعي الذي لا يمكن أن يكون سوى ديمقراطي".

كان كاديناس يصرّ على عدم إضفاء أي بُعد سياسي على أعماله. ويقول في هذا الصدد: "الشعر جبّار، ولكن لا قيمة له، لأن تأثيره في العالم ضئيل جداً، وجبّار من حيث علاقته باللغة. أمّا السياسة فهي تفرّغ الكلمات من معانيها: الديمقراطية، العدالة، الحرية، والشعراء يلفتون الانتباه إلى هذا الفراغ. تفقد الكلمات قيمتها عندما لا تتطابق مع مسمّياتها، وهذا ليس بجديد. كونفوشيوس كان يسمّي ذلك تصويب الأسماء، والشاعر هو الذي يصوّب الكلام".

قناعات سياسية

لم يتراجع كاديناس قطّ عن قناعاته السياسية، ولم يتردّد في إدانة الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في فنزويلا خلال العقود الستة المنصرمة، التي لم تتمكّن من إسكات دعواته إلى المقاومة والتسلّح بالمبادئ الإنسانية في وجه "التعصّب والبربرية".

ويقول عنه صديقه الشاعر والكاتب الفنزويلي خوان كارلوس مينديز: "كاديناس شاعر كلّي لا تبقى أعماله في الكتب، بل هي تقفز فوراً إلى إيقاع التنفّس الحميم، ويستحيل على القارئ أن يبقى كما هو عندما يقع على كلمات مثل: "نتحدث عادةً عن أسرار الكون من غير أن نعتبر أنفسنا جزءاً منه، كما لو أننا غرباء عنه ولا ننتمي إليه... إن الحيّز العائلي، الذي نتحرّك فيه كل يوم، هو نفسه الذي تدور فيه النجوم".

ربطة عنق

في قصيدته الشهيرة "هزيمة"، أقسم كاديناس بأنه لن يرتدي أبداً ربطة العنق. لا ندري كيف سيمثل أمام الملك الإسباني فيليبي السادس، أواخر أبريل من العام المقبل، ليتسلّم الجائزة في جامعة "قلعة النهر"، حيث شهد النور صاحب "الكيخوتي"، وماذا سيقول الذي كتب في تلك القصيدة: "أنا الذي أذلّني أساتذة الأدب لسنوات".

هذا المحتوى من صحيفة الشرق الأوسط

اقرأ أيضاً:

تصنيفات