"فتنة الأطلال".. معرض فني لبناني يوثّق ذاكرة الأمكنة في لوحات

time reading iconدقائق القراءة - 5
إحدى لوحات معرض "فتنة الأطلال" للفنانة التشكيلية اللبنانية غادة الزغبي، بيروت. - "جاليري "جانين ربيز
إحدى لوحات معرض "فتنة الأطلال" للفنانة التشكيلية اللبنانية غادة الزغبي، بيروت. - "جاليري "جانين ربيز
بيروت -رنا نجار

يطرح معرض "فتنة الأطلال" للفنانة التشكيلية اللبنانية غادة الزغبي أسئلة بشأن علاقة الإنسان بالخاص والمكان العام الذي يعيش فيه، وبالذاكرة الجماعية التي طالما كانت مهزوزة في لبنان خصوصاً بعد الحرب الأهلية وما أنتجته من تقسيم وتشرذم في ذهن اللبنانيين، كل بحسب خلفيته الثقافية والدينية ومستواه العلمي.  

المعرض المقام حالياً في جاليري "جانين ربيز" في العاصمة بيروت ويستمر حتى 17 نوفمبر، يتطرق عبر 13 لوحة إلى تيمة غير اعتيادية في الطرح والشكل، عبر مبانٍ وأعمدة وجدران تصوّرها الزغبي (40 عاماً) مهجورة أو قيد الترميم أو غير مكتملة المعالم، بلا هوية كأنها أعشاب ضارّة متروكة على هامش المكان الذي وجدت فيه. 

وتذكّر لوحات الزغبي بصروح تاريخية متروكة مثل "التياترو الكبير" و"برج المر" وفندق "هوليداي إن" ومبنى "البيضة" و"البيت الأصفر" وغيرها من المباني في وسط بيروت والتي بقيت نحو 30 سنة خط تماس بين المتناحرين، وبقيت شاهدة على الحياة المعلّقة لكثير من اللبنانيين في بلد قيد الترميم ولم ينته من إعادة إعماره بعد الحرب الأهلية عام 1975 حتى اليوم. 

وتحاكي لوحات الزغبي التي بيعت إحداها، وهي بعنوان "إعادة تأهيل" عام 2020 في مزاد دولي نظمته دار "سوذبيز" في دبي، الواقع والإنسان بتقنيات بصرية مبتكرة تحمل أبعاداً رمزية وفجاجة في العناصر والألوان، مستخدمة الفحم والأكريليك على ورق وقماش.

قساوة العيش

يقسم المعرض إلى 3 أقسام، يتناول الأول عبر 3 لوحات ضخمة تُصوّر الأعمدة التي تكسوها قضبان الحديد قساوة العيش والعنف والسخرية من المجتمع الذكوري الأدبي الذي يشغل الفنانة في معظم أبحاثها الفنية وقراءاتها وأعمالها، حسبما قالت لـ"الشرق".

وأضافت: "هذه القساوة نابعة من الصراعات التي نعيشها كبشر، سواء على الصعيد الشخصي وثوراتنا الفردية مع المجتمع، أو على صعيد ما تمرّ به بلداننا من أزمات يومية محلية وما يعانيه العالم من أزمات وأوبئة وعزلة". 

وفي القسم الثاني، تذهب الزغبي إلى رسم الأبنية الشاهقة التي تبدو مهجورة وكئيبة وكأن لا حياة فيها، لكن بعد التدقيق يرى الزائر طبقات متراكمة من الألوان و"الكولاج" الخفيف تمثّل أرواح ناس سكنوا هذه المباني، وكانت لهم أحلام وطموحات ولكنها تبدو معلّقة لم تستطع التحليق ولا الهجرة ولا تحقيق ما تريد.

وأوضحت الزغبي أن أبنيتها هذه "هي قيد الإنشاء أو قيد الترميم فيها حياة، وسكنها الإنسان غير المرئي بشكل مباشر". 

وتابعت: "لو دققنا في الأبنية المرسومة على اللوحة مباشرة من دون قماش، لرأينا أن هناك ريحاً تتحرك من قلب المباني، الإنسان هنا موجود ليس بشكل بصري، بل بعملية الترميم والأعمدة والحديد، فهناك حتماً من أتى ووضع كل تلك الأعمدة وعمّر وبنى".

القسم الثالث تخصصه الزغبي لرسم حوائط الشوارع والأحياء وما يظهر عليها من شعارات ورسوم جرافيك ابتكرتها هي بصوت الشارع الذي تتخيّله.

 أمل العودة للحياة

تتقن الزغبي لعبة الضوء في لوحاتها المرسومة بألوان ترابية في أساسها، فتضيء العتمة أو الهجران أو الظلمة بألوان صارخة مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر والأزرق أو بلون ذهبي يجمّل وحشة الهجران والنسيان ليوحي بأن المباني ليست مدمّرة أو مهجورة تماماً بل هناك بشر مرّوا من هنا. 

وعلى الرغم من أن المباني مهجورة وفارغة ومخيفة، إلا أنها ترسم الأمل بالعودة إلى الحياة، وكأنها ترجو العودة أو تصارع لتستعيد شيئاً ما، وهذا الأمل تمثّله لعبة الضوء التي تجيد الزغبي استخدامها.

وتشرح الزغبي: "الضوء يتجه من المباني والعناصر الأساسية مثل المشاعر والهواء والريح إلى المتلقي، وفي لوحة (الفجوة) يتجه الضوء من المبنى ومن الأرض إلى السماء، وقصدتُ هذا الاتجاه لأصوّر الضوء طالعاً من ذواتنا وأعماقنا البشرية التي تمثّلها المباني إلى المتلقي، لأعبّر عن عصف كبير من المشاعر المدفونة من الداخل إلى الخارج".

وفي لوحة البيت البيروتي القديم الذي يظهر قيد الترميم، يجد الضوء مكاناً ليدخل إلى اللوحة من اليسار كأنه ضوء الشمس الساطعة، فيبدو الرسم صورة فوتوغرافية لتلك الأبنية التي تظهر كأنها ناجية من الحروب والانفجارات، صامدة في وضح النهار، تُدفئها حرارة الشمس، موحية بعاطفة ودفء يغطيان المكان.

وعن هذه اللوحة تلفت الزغبي إلى أنها "الوحيدة التي يأتي فيها الضوء من الأعلى أو من الخارج، إذ عادة عندما نرسم ظلاً ونوراً وضوءاً قوياً، تأتي المناطق في الظل من دون ألوان، ولكنني قصدت ألا تكون ضبابية ورمادية كالمتعارف عليه في الرسم، بل أن تكون واضحة وألوانها حية".

اقرأ أيضاً: