مع الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والقصف على قطاع غزة، وما رافقه من رد تمثل جزءاً منه في إطلاق صواريخ على إسرائيل، تجدد الجدل حول فاعلية نظام "القبة الحديدية" ذي الكلفة الهائلة ضد الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة.
ما القبة الحديدية؟
إنها نظام يرمي إلى التصدي لمقذوفات قصيرة ومتوسطة المدى (صواريخ، قذائف مدفعية). وهو يسمح بتفجير مقذوفات يصل مداها إلى سبعين كيلومتراً خلال تحليقها في الجو، لكنّه غير قادر على تعطيل بالونات حارقة أو أنواع أخرى من المقذوفات ذات المسار غير المرتفع.
وقد تم تطوير القبة بواسطة "أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة"، وهي السلطة الإسرائيلية المعنية بتطوير التقنيات العسكرية، وذلك عقب الضربة التي تلقتها إسرائيل في الحرب مع لبنان عام 2006.
في هذا التقرير نتعرف إلى عملية تطوير نظام القبة الحديدية، كيف تعمل وكم تكلف صواريخها؟ فضلاً عن أبرز عيوبها واختلالاتها.
كيف ستواجه إسرائيل الكاتيوشا؟
كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006 الدافع وراء تطوير نظام القبة الحديدية، فالضربات حينها كانت موجعة لإسرائيل، مع إطلاق جماعة "حزب الله" اللبنانية ما يقرب من 4 آلاف صاروخ على إسرائيل، معظمها من نوع "كاتيوشا" قصيرة المدى، أدت إلى مقتل عشرات الإسرائيليين، وإجلاء نحو 250 ألف شخص من منازلهم.
إضافة إلى الجبهة اللبنانية شهدت الفترة بين عامي 2000 و2008 إطلاق أكثر من 4 آلاف من قذائف الهاون، و4 آلاف صاروخ، معظمها من نوع "القسام" من قطاع غزة باتجاه المناطق الجنوبية في إسرائيل.
ومع اتساع مدى صواريخ "القسام" بفضل إدخال منصات إطلاق صواريخ "غراد" عيار 122 مللي، أصبح نحو مليون إسرائيلي واقعين في نطاق الاستهداف لهذه الصواريخ.
وللتعامل مع هذه التحديات، قررت وزارة الدفاع الإسرائيلية في فبراير 2007 تطوير نظام دفاع جوي متنقل، وتم اختبار فاعلية النظام في مارس 2009.
وفي أغسطس 2009، أنشأت القوات الجوية الإسرائيلية كتيبة جديدة لتشغيل نظام القبة الحديدية، وأجريت عدة اختبارات لاعتراض صواريخ تحاكي "القسام" و"كاتيوشا"، قبل نشر النظام بشكل نهائي في مارس 2011.
كيف تعمل القبة الحديدية؟
تتكون القبة الحديدية، بحسب موقع "آرمي تكنولوجي"، من 3 عناصر أساسية، هي رادار للرصد والتعقب، ونظام لإدارة المعارك والتحكم في الأسلحة، ووحدة لإطلاق الصواريخ.
وتتضمن القبة أجهزة استشعار كهربائي-بصري، كما أنها قابلة، بحسب الجهة المصنعة، للتكيف مع التهديدات سريعة التحور، والتعامل مع عدة تهديدات في الوقت نفسه، إضافة إلى القدرة على العمل في جميع الظروف المناخية.
وتتمتع القبة أيضاً بنظام اعتراض عمودي، ومنصات إطلاق متنقلة، ولديها القدرة على الانسجام مع أنظمة مختلفة للرادار والرصد، كما يمكن لنظام الرؤوس الحربية الخاص بها، تفجير أي هدف في الهواء، وفقاً للموقع.
وبعد رصد الصاروخ وتحديده، يراقب رادار القبة مسارَ الصاروخ، وبناء على المعلومات القادمة من الرادار، يتولى نظام إدارة المعارك والتحكم في الأسلحة، مسار التهديد، وحساب نقطة الاصطدام المتوقعة، وفي حال انتهت الحسابات إلى أنَّ مسار الصاروخ القادم يمثل تهديداً حقيقياً، فإنه يتم إصدار أمر بإطلاق صاروخ لاعتراض التهديد، وتفجيره فوق منطقة محايدة.
ويوجد في إسرائيل حالياً 10 أنظمة للقبة الحديدية المتنقلة. ووفقاً للمصنع، فإن البطارية الواحدة قادرة على حماية مدينة متوسطة الحجم، واعتراض صواريخ تم إطلاقها على بعد 70 كيلومتراً.
وبحسب تقديرات إسرائيلية، اعترضت القبة حتى الآن أكثر من 2000 هدف، بمعدل نجاح يتجاوز 90%، وإن كانت هذه النسبة محل تشكيك من بعض التقارير المحايدة التي تشير إلى أن بعض الصواريخ، قادرة على تجاوز النظام.
كم تبلغ تكلفة القبة وصواريخ الاعتراض؟
أنشأت إسرائيل نظام القبة الحديدية بتكلفة كبيرة تجاوزت 218 مليون دولار، كما التزمت الولايات المتحدة في 2016، بـ5 مليارات دولار لتطوير النظام.
وإلى جانب الإنشاء والتطوير، فإن تكلفة التشغيل أيضاً عالية جداً، إذ تتراوح تكلفة الصاروخ المعترض بين 40 و50 ألف دولار، وفي بعض الأحوال يتم إطلاق صاروخين دفعة واحدة لاعتراض هدف واحد، وهو ما يرفع تكلفة الاعتراض، ويؤدي إلى الحد من قدرة إسرائيل على حيازة الصواريخ المعترضة في الصراعات طويلة الأمد.
ما عيوب النظام؟
إلى جانب التكلفة الهائلة، وجهت لنظام القبة عدة انتقادات، فمن الناحية التكنولوجية، يرى الخبير في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يفتاح شابير، أن النظام عاجز عن التصدي للتهديدات قصيرة المدى. فعلى الرغم من أنه لم يتم الإفصاح عن النطاق الأدنى الذي يمكن أن يعمل فيه النظام، إلا أن النقاد يرون أنه لا يستطيع إسقاط الصواريخ أو القذائف التي يقل مداها عن 5 إلى 7 كيلومترات، كما أنه عاجز في جميع الأحوال عن إسقاط قذائف الهاون.
ومن عيوب النظام أيضاً، بحسب شابير، أن له "درجة تشبع"، وهو ما يعني أنه يستطيع الاشتباك مع عدد محدد من الأهداف فقط في وقت واحد، أما الصواريخ الإضافية التي يتم إطلاقها بكثافة دفعة واحدة، فيمكن أن تنجح في اختراق القبة، والتسبب بالأضرار.
ويمكن للصواريخ الموجهة القادرة على تغيير مسارها، أن تمثل تحدياً جديداً للقبة، رغم أن خصوم إسرائيل كـ"حماس" و"حزب الله" لم يستخدموا بعد هذا النوع من الأسلحة.
كما أن التواضع التكنولوجي للصواريخ المستعملة عند "حماس"، يجعل تفوق القبة نسبياً جداً، وهو ما يوحي به، كما يقول الخبير في التكنولوجيا العسكرية ديفيد هامبلينغ، اسمها الأصلي، النظام "المضاد للقسام"، في إشارة إلى صواريخ "حماس" المصنعة محلياً.
ويرى خبراء أيضاً أن العدد الحالي من بطاريات القبة لا يكفي لتغطية إسرائيل كلها، وأنها في حاجة إلى المزيد من أجل حماية جميع المناطق.
هذه الاختلالات في النظام انعكست على الصراع الحالي، إذ أوقعت الصواريخ القادمة من غزة عدداً من القتلى والجرحى، كما أصيب خط أنابيب للوقود بين مدينتي إيلات وعسقلان في هجوم صاروخي من غزة.
أضرار لفشل إسقاط الصواريخ
وأحدثت الصواريخ التي لم تتمكن القبة من إسقاطها، حالة من الارتباك على المستوى الاقتصادي، إذ ألغت الخطوط الجوية البريطانية "بريتيش إيرويز" وشركات "فيرجن أتلانتيك" و"لوفتهانزا" و"إيبيريا" للطيران رحلاتها إلى تل أبيب الخميس، لتنضم الناقلات الأوروبية لنظيراتها الأميركية في تجنب السفر إلى إسرائيل، التي شغّلت مطاراً احتياطياً في أقصى الجنوب كإجراء احترازي بسبب إطلاق الصواريخ من غزة.
وأقر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الخميس، خلال زيارة تفقدية قام بها إلى إحدى بطاريات القبة الحديدية وسط إسرائيل، بأن القبة لا تستطيع تحقيق نجاح مطلق.
وقال نتنياهو: "لا يمكن بلوغ نسبة 100% من النجاح، لكنهم (القادة والجنود) يبلغون نسبة قريبة جداً من ذلك" على حد تعبيره.