اللمبي ومدرسة المشاغبين.. لماذا تترجم نتفليكس الأعمال العربية؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
أعمال عربية على منصة نتفليكس - Netflix
أعمال عربية على منصة نتفليكس - Netflix
القاهرة -الشرق

"هل أزغرد لك، أم أطبّل لتتأكد أنني إبراهيم الأهتم؟" جملة عربية فصيحة مترجمة من فيلم "اللي بالي بالك" للفنان محمد سعد، على نتفليكس انتشرت بصورة كبيرة على مواقع التواصل منذ أشهر، لتحمل الشخصية الكوميدية بحد ذاتها "اللمبي" إلى بعد فكاهي آخر، لدى المشاهدين العرب، والمصريين بشكل خاص.

حاولت نتفليكس، المنصة الرقمية للبث على الإنترنت، تغيير الإفيهات الشعبية وقفشات الأفلام من اللهجة العامية المصرية إلى لغة كلاسيكية أكثر رصانة، ولكن النتيجة جاءت عكسية بشكل مضاعف، فتحول "اللمبي" البلطجي ربيب السجون إلى شخص يتحدث الفصحى مما جعل الحوار يتفجر ضحكاً مع كل "إفيه" ينطقه.

"ستجدني في سروالك"

"زمن الـ.. قد ولى، ولا أحد يعلم شيئًا"، "ستجدني في سروالك"،  سطور وإفيهات حوارية محفوظة لعموم الجمهور المصري الذي يعتبر فيلم "اللي بالي بالك" وإفيهاته أيقونة بالنسبة له، وكنزاً للميمز والكوميكس بعدما يزيد عن 15 عاماً من إنتاجه. شخصية اللمبي لم تكُن وحدها التي دخلت "معامل نتفليكس للترجمة" منذ أبريل الماضي حتى الآن، بالتزامن مع إتاحة عشرات الأعمال المصرية والعربية على منصة المشاهدة الشهيرة.

بجولة سريعة على العناوين العربية، يُلاحظ أن غالبية العناوين العربية المتاحة على شاشة نتفليكس تحظى بترجمة إلى العربية الرصينة، على اختلاف اللهجة التي يأتي بها الحوار بين الممثلين، فالأمر ليس متعلقاً بمدى شعبيتها أو سهولة استيعابها.

العامية المصرية ليست وحدها التي تخضع لترجمة نتفليكس إلى العربية الفصحى، ففي عيد الفطر الماضي مثلاً، ووسط عدة مسرحيات مصرية، أتيحت مسرحية "مراهق في الخمسين" الكويتية وحظيت بترجمة كلاسيكية لحوارها الكوميدي، غير أن ترجمتها لم تثر جدلاً مثل "مدرسة المشاغبين".

وعلى الرغم من أن الأعمال الكوميدية المترجمة كانت في الأغلب مصدر الجدل، فإن الترجمات العربية الفصيحة طالت غالبية أعمال المنطقة العربية، وجاء بعضها تحويلاً للهجات المحلية إلى عربية فصيحة، بينما حظي البعض الآخر بترجمات نصية أو ما يطلق عليه Closed Captions.

ويتمثل الفرق بينهما في أن الترجمة النصية تعتبر نقلاً مكتوباً لكل الأصوات التي تصاحب الصورة على الشاشة سواء أكانت حواراً أو وصفاً للموسيقى والمؤثرات الصوتية، ما قد يغني تماماً عن توظيف حاسة السمع في المشاهدة، فيما يبدو خياراً مناسباً لظروف مشاهدة الصم وضعاف السمع. 

مثال على هذه الترجمات النصية التي جاءت بلهجة الأفلام دون إعادة صياغة وتطويع بالعربية الرصينة تلك التي صاحبت أفلام "الشيخ جاكسون، واشتباك، وواحد صحيح، وعنترة ابن ابن ابن شداد"، فضلاً عن أعمال لم تحظَ بأية ترجمة من لغتها، كقائمة أفلام يوسف شاهين في نسخها المرممة المنضمة حديثاً إلى نتفليكس مصحوبة بترجمة إنجليزية فقط.

معايير

عن المعيار الذي يحدد اختيار القائمين على المنصة الترجمة الفصيحة لبعض الأعمال، أو الترجمة النصية لأخرى، يؤكد متحدث نتفليكس لـ"الشرق" أنها عملية معقدة ومستمرة تستثمر فيها المنصة بكثافة لمعالجة تحديات إضفاء الطابع المحلي وتحسين جودة الترجمة، بينما تؤثر مجموعة من العوامل على الاختيار بين الطريقتين.

فالترجمة الفصيحة بالدرجة الأولى، وفقاً لنتفليكس، تستخدم في ترجمة القصص بطريقة هادفة عبر الحدود، وذلك من خلال دورها في تقديم بديل مكتوب عن الحوار، وتفترض العملية وجود جمهور يسمع الصوت، ولكنه يفضل أن يرى الحوار معروضاً على شكل نص مكتوب. 

أما الوصف الصوتي والترجمة النصية فميزات مصممة لتعزيز قدرة الوصول إلى المحتوى يتم استخدامها على نطاق واسع لتخصيص تجربة المشاهدة. وتساهم هذه الطريقة في الارتقاء بتجربة الأعضاء الذين يعانون ضعف السمع والبصر.

الكوميديا المفقودة

على هامش عاصفة السخرية من ترجمة الأعمال الكوميدية المصرية، ربما يكون من المفيد إلقاء نظرة على ما تمثّله هذه الترجمات لجمهورها المنطقي من المستخدمين العرب، وما إذا كانت تقدم لهم عوناً حقيقياً أم لا.

يوسف جمال، طالب جامعي بجامعة بغداد، في حديثه لـ"الشرق"، يستنكر بشدة الترجمة العربية الفصيحة للأعمال المصرية، ويؤكد أنه لم يستعن أبداً بسطور مترجمة للهجة التي يعشقها العراقيون، إذ كانت الأعمال المصرية محل متابعة دائمة من أسرته.

ويرى أن الترجمة الفصيحة للأعمال الكوميدية بالذات من شأنها أن تفقدها الكثير من بريقها، ويحبذ أن تتوفر هذه الترجمات للأعمال الدرامية المتاحة على نتفليكس من دول المغرب العربي، نظراً لتعثره في فك رموز هذه اللهجات.

الشاب مشاري الخزيم، يعمل في مجال البناء والمقاولات، ويحتفظ على هاتفه ببضع لقطات من فيلم اللمبي مترجمة إلى العربية الفصيحة للتندر ليس إلا، لكن عندما يأتي الأمر لمشاهدة فيلم مصري لنجومه المفضلين يحب أن يتابعه "على طبيعته".

لغة عالمية

"المصرية نكتتها فيها" هكذا يلخص عمار الدُبيس، مصمم جرافيك من اليمن، وجهة نظره في ترجمات نتفليكس للأعمال المصرية، ولكنه أيضاً يرفض الترجمة العربية الفصيحة لأي من اللهجات العربية المحلية، ويفضّل الاجتهاد لاستيعابها ولو كانت غريبة ومرهقة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الدبيس يعتبر العامية المصرية الأقرب للاستيعاب والأقل احتياجاً للترجمة بين الجمهور العربي، فأعمال عادل إمام والراحل سعيد صالح فتحت الباب على مصراعيه على مدار أجيال مضت لامتصاص هذه اللهجة وصعود أجيال لا تواجه صعوبات في فهمها.

أما جنان شاويش، ممثلة مسرح أردنية ناشئة، فلها تحفظات على جودة ترجمة نتفليكس ذاتها للأعمال المصرية على وجه التحديد، حيث تقول في تصريحات لـ"الشرق" عن ترجمة مدرسة المشاغبين: "ما بتكون زي ما هي بالضبط، الحكي بيتغير في مشاهد وهيك، على نتفليكس كتير المعنى بيختلف عن لما أحضرها على التلفزيون العادي".

موقف نتفليكس من اللهجات العربية المختلفة، يُمكن أن يُقرأ في ضوء تجربة نتفليكس في دبلجة وترجمة الأعمال لمستخدميها في المكسيك ودول أمريكا اللاتينية، حيث آثرت الشبكة أن تعتمد في المنطقة اللهجة الإسبانية اللاتينية الشائعة هناك، والتي تختلف في النطق والكثير من الكلمات عن الإسبانية القشتالية.

وعلى الرغم من أنها ليست لهجة التحدث لأي مجموعة في المنطقة، إلا أنها تطورت بمرور الوقت بوصفها "لهجة بيضاء" محايدة متعارفاً عليها كلهجة رسمية لدبلجة الأعمال الفنية في المكسيك والأرجنتين وتشيلي وكولومبيا وفنزويلا، ليقع عليها اختيار نتفليكس كوسيط توافقي اعتمدت عليه بشكل كبير في الوصول إلى أكبر عدد من المستخدمين، بأقل تكلفة. 

وبسؤال متحدث نتفليكس إذا كانت "اللغة الفصحى الحديثة" تشبه  اختيار نتفليكس للإسبانية اللاتينية لمستخدمي المكسيك ودول أمريكا اللاتينية بديلاً عن القشتالية بوصفها لهجة بيضاء محايدة، أقر المتحدث  في حواره مع "الشرق" بتشابه الحالتين، وأشار إلى اعتقاد المنصة أن اللغة العربية الفصحى الحديثة تجذب جمهوراً عريضاً من المشاهدين، ومن المهم بالنسبة للقائمين عليها  التأكد من أن الأفلام والمسلسلات على الشبكة تتسم بطابع عالمي.

"لغاليغه" تتحول إلى "أحشائه"

يُعد اسم محمد بخيت مألوفاً كأحد الأسماء المرتبطة بترجمات الإنترنت المجانية، إضافة إلى ذلك يأتي عدد من ترجمات نتفليكس للأعمال المصرية باللغة العربية باسمه، مثل ترجمة مسرحية مدرسة المشاغبين.

على الرغم من اعتياد بخيت الترجمة وتمرُسه فيها منذ أعوام، فإن تعاونه مع نتفليكس، عبر إحدى شركات الترجمة، له قواعده التي تختلف عن ترجماته على الإنترنت، فالفرق الجوهري أن ترجمة الإنترنت مجانية، فضلاً عن أن مترجم الإنترنت أكثر حرية ويمكنه التدخل بالحذف والإضافة للانتصار لقناعات المشاهد العربي، الأمر المرفوض تماماً تبعاً لمعايير نتفليكس.

سمة أخرى من سمات العمل مع نتفليكس، هي حرص خدمة البث على جميع الفئات التي قد تمتلك اشتراكاً في خدماتها وتتعرض للأعمال المتاحة. من هذه الفئات، الصُم وضعاف السمع الذين يضعهم بخيت في اعتباره كجمهور مستهدف أثناء الترجمة، فيحرص على كتابة الحوار بأبسط صوره ودون تكلف أو صياغة أدبية كي يصل إليهم دون صعوبة.

بخيت لا يعتبر ضعاف السمع الجمهور الوحيد المستهدف لسطوره المترجمة إلى الفصحى العربية من اللهجة العامية المصرية، فيضع في اعتباره الجمهور العربي الذي ليس  على دراية كاملة باللهجة المصرية، وأيضاً المصريين الذين لم يترعرعوا في بيئات عربية. على غير المتوقع، اجتذبت هذه الترجمات مثل ترجمته لمسرحية عادل إمام الشهيرة جمهوراً واسعاً من المتحدثين بالعامية المصرية.

ويلاحظ بخيت أن الأعمال التي ذاعت شهرة الترجمات الفصيحة لها جميعها "أيقونية ومحفوظة"، لتأتي ترجمة نتفليكس الفصيحة وتضيف لها بعداً آخر، كوميدياً أيضاً، يعتمد على الصورة الذهنية المصاحبة لأي شخص يتحدث العربية الفصيحة في أذهان المصريين، كونه مثقفاً ونخبوياً، ويصبح ذلك مادة أخرى لمزيد من الكوميديا.

 هذا إضافة إلى تحوّل الأمر لما يشبه التحدّي بين المترجم والمشاهد الذي يترقب بصبر  كيف سيتصرّف المترجم مع مفردة كوميدية صعبة عصيّة على الترجمة الفصيحة، كما حدث في جملة "كل واحد يخلي باله من لغاليغه" في المسرحية ذاتها، والتي حوّلها المترجم لأحشائه.

الأمر لا يخلو من صعوبات، على عكس المتوقع كونه يترجم من لهجته التي يتحدث بها إلى لغته الأولى. فعامل الزمن يلعب دوراً بالتأكيد، فضلاً عن بعض الرموز الثقافية، مثل شخصية "خُط الصعيد" التي صادفته في أحد الأسطر الحوارية التي ترجمها، ويصعب على أي أحد خارج الثقافة المصرية أن يتعرّف عليها، ليلجأ في النهاية إلى ترجمتها "السفاح". 

الدوبلاج والترجمة

وبحسب متحدث باسم نتفليكس لـ"الشرق"، فإن الترجمة والدوبلاج يُعدان وسيلتين للمنصة لنقل القصص بطابع أصيل إلى أعضائها حول العالم، فنتفليكس تترجم وتدبلج بأكثر من 40 لغة وبأساليب مختلفة لضمان تقديم تجربة مشاهدة بنكهة محلية حقيقية. 

وانطلاقاً من هذه السياسة، يأتي اختيار العربية الفصحى الحديثة  في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا رغبة منها في وصول أعمالها إلى جميع الناطقين باللغة العربية، مع التأكيد على تقدير المنصة للهجات العربية المتنوعة والفريدة من نوعها التي تختلف من دولة إلى أخرى، والجهد المتواصل المبذول في عملية نقل الأعمال بطابعها المحلي الأصيل. 

وعن الغرض من الترجمة الفصيحة على وجه التحديد، يضيف متحدث نتفليكس لـ"الشرق"، "الجانب الأهم في الترجمة الفصيحة هو الحفاظ على الغرض الإبداعي وخلق الأثر العاطفي كما جاء في العمل الأصلي تماماً. وهذه عملية معقدة ومستمرة".

وفي الوقت الذي قد تُتهم فيه نتفليكس بعدم الانتصار للهجات المحلية، يوضح متحدث نتفليكس أن المنصة تختبر حالياً استخدام اللهجة المصرية في دوبلاج برامج مخصصة للأسرة مثل The Willoughbys وOver The Moon. 

أما عن معايير الجودة التي تشترطها المنصة في الترجمات المقبولة من جانبها حول العالم عموماً، وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، فتنطلق من "رغبة نتفليكس في جلب السعادة لأعضائنا باستخدام لغات مختلفة والحفاظ في الوقت نفسه على الغرض الإبداعي ومراعاة الفروق الثقافية الدقيقة"، وفقاً لمتحدث نتفليكس، "من الضروري التمكن من قراءة الترجمات الفصيحة أو النصية دون الشعور بثقل القراءة، ولذلك تتعامل مع شركاء ترجمة في كل بلد ومنطقة تعمل فيها".