
أشاد قضاة وخبراء عراقيون بإعلان رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، أخيراً تشكيل لجنة عليا تختص بالتحقيق في قضايا الفساد الكبرى والجرائم "الاستثنائية"، فيما حذر نشطاء حقوقيون من فشل التجربة، في غياب تفعيل القوانين ذات الصلة بمحاربة الفساد.
وكان الكاظمي أكد الأسبوع الماضي أن "اللجنة ستُمنح كلّ الصلاحيات المطلوبة لتحقيق هيبة القانون في المجتمع، واستعادة حقوق الدولة والمواطن من الفاسدين والمعتدين".
وبحسب بيان صادر عن الكاظمي، فإن رئيس الحكومة أسند لجهاز مكافحة الإرهاب تنفيذ القرارات الصادرة عن اللجنة، التي تتألف من 3 أعضاء من أجهزة المخابرات والأمن الوطني والنزاهة.
وتعد مكافحة الفساد تحدياً أساسياً أمام الحكومة العراقية، التي تواجه عمليات واسعة لإهدار المال العام، وغسل الأموال، تسببت على مدى سنوات في خسائر بمليارات الدولارات.
ملفات حارقة
وقال القاضي وائل عبد اللطيف إن أمام اللجنة ملفات فساد كبيرة "عرقلت إتمام مشاريع الدولة في البنى التحتية، وكلفت ميزانيتها مليارات الدولارات، وبدأت تهدد مستقبلها الاقتصادي"، مشيراً إلى أن لجنة الكاظمي "أمام تحدي استهداف ملفات فساد لم تجرؤ الحكومات السابقة على الخوض فيها".
وأكد عبد اللطيف أن الظروف الحالية "مهيأة لعمل هذه اللجنة، خصوصاً مع تأييد الشارع والتظاهرات، ما سيوفر دافعاً قوياً لكسب المعركة ضد الفساد".
ولم يستبعد القاضي العراقي استعانة اللجنة بمحققين دوليين إذا دعت الضرورة، مشيراً إلى أنه في حال تعلق الأمر بقضايا مثل صفقات النفط "فلا ضير في الاستعانة بمحققين دوليين، كما حدث في عام 2003، عندما استعان مجلس الحكم بمحققين أجانب للتدقيق في موضوع صفقات النفط مقابل الغذاء".
تجارب فاشلة
من جانبه، استبعد عضو لجنة النزاهة النيابية كاظم الشمري أن تحقق مبادرة الكاظمي أهدافها. وقال في تصريح لـ"الشرق" إن اللجنة الحالية "تشبه إلى حد كبير مجلس مكافحة الفساد الذي شكله رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي"، معتبراً أن هذه اللجان "بحكم التجربة السابقة في مجلس النواب لن تستطيع محاربة الفساد أو استرجاع دينار واحد من الأموال المهدورة".
ودعا الشمري إلى "تفعيل القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد، ومن بينها قوانين هيئة النزاهة، قانون الكسب غير المشروع، والصلاحيات المخولة للمدعي العام في كل وزارة"، موضحاً أن تلك الخطوات "ستكون فعالة في محاربة الفساد أكثر من أي طريقة أخرى".
وأضاف الشمري أن التوسع في تشكيل اللجان "يجب أن يكون وفق الخطوات الدستورية، مع التأكد من أنها لا تتعارض مع سلطات القضاء"، موضحاً أن "اللجنة قد تصادر عمل الجهات الرقابية الأخرى وهذا ليس صحيحاً في الفترة الحالية".
قضايا التهريب والصفقات الفاسدة
ويرى مراقبون أن من بين القضايا التي سيشملها عمل لجنة الكاظمي: قضية تهريب الأموال إلى خارج العراق التي تقدر بـ 500 مليار دولار، وكذلك قضية صفقات الأسلحة الروسية التي أبرمت خلال حكومة نوري المالكي، وصفقة المدارس الإيرانية، وقروض الإصلاح الزراعي.
ويعتبر الخبير في القانون الدولي علي التميمي أن اللجنة الحالية تحتاج إلى محكمة مختصة "تحقيقاً ومحاكمة، بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى، للتحقيق في هذه القضايا وإصدار أوامر القبض ومنع السفر والحجز".
ويمر العراق، الذي يعتمد في أكثر من 90% من ميزانيته على النفط، بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، إذ فشل ثاني أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك، في تنويع اقتصاده وإيجاد بدائل عن الذهب الأسود.
ويعد العراق من أكثر الدول فساداً في العالم، وقد خسر بسبب عمليات السرقة والاختلاس نحو 450 مليار دولار خلال السنوات الـ17 الأخيرة.