
يكشف كتاب جديد عن إخفاء إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دابليو بوش، الحقيقة بشأن استهداف حركة طالبان لنائب الرئيس ديك تشيني في هجوم عام 2007، على قاعدة بجرام العسكرية في أفغانستان، أثناء زيارة سرية لأكبر القواعد الأميركية في البلاد.
ويصدر الكتاب الجديد الذي يحمل عنوان "أوراق أفغانستان: التاريخ السري للحرب" لمؤلفه الصحافي الاستقصائي كرايج ويتلوك، في 31 أغسطس عن دار نشر "سايمون آند شوستر"، تزامناً مع إتمام الانسحاب الأميركي من أفغانستان بعد 20 عاماً على أحداث 11 سبتمبر.
ويروي الكتاب كيف أخفت الإدارات الأميركية المتعاقبة الحقيقة بشأن سير الحرب التي كانت الولايات المتحدة "تخسرها تدريجياً"، والتي تنسحب منها بعد إنفاق تريليوني دولار، وسط تقدم طالبان ميدانياً في أفغانستان وسيطرتها على 65% من الأراضي، بما فيها 9 عواصم ولايات، بينما يتوقع مسؤولون أميركيون سقوط كابول خلال 90 يوماً.
ويعتمد الكتاب الذي تنشر صحيفة "واشنطن بوست" مقتطفات منه، على مقابلات مع 1000 شخص ممن لعبوا أدواراً بالحرب في أفغانستان، وآلاف الوثائق التي حصل عليها المؤلف بموجب قانون حرية المعلومات.
استهداف تشيني في 2007
يسرد ويتلوك، المتخصص في شؤون الأمن القومي، واقعة استهداف طالبان لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني أثناء "زيارة سرية" لقاعدة بجرام العسكرية، على لسان النقيب الذي كان مكلفاً بخطة التأمين خلال الزيارة.
يقول ويتلوك في كتابه: "وصل الانتحاري في سيارته، صباح 27 فبراير 2007 إلى قاعدة بجرام العسكرية، وتمكن من تفادي نقطة التفتيش الأولى، وقاد لمسافة ربع ميل تقريباً، متجهاً ناحية البوابة الرئيسية للقاعدة مقترباً من نقطة التفتيش الثانية التي يحرسها جنود أميركيون، ووسط الوحل والسيارات المارة والمشاة، فجر الانتحاري الحزام الناسف الملفوف حول وسطه".
قتل التفجير 20 أفغانياً ذهبوا للقاعدة ذلك اليوم طلباً لوظائف، وأميركيين اثنين، بينهما متعهد لشركة "لوكهيد مارتن"، وجندي أميركي، وآخر كوري جنوبي من قوات التحالف الدولي.
وبحسب الكتاب، لم يُصب نائب الرئيس الذي وصل إلى القاعدة سراً قبل يوم، في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً، قادماً من باكستان على متن الطائرة الرئاسية الثانية، لقضاء بضع ساعات في البلاد للقاء الرئيس الأفغاني حينها حامد كرزاي، لكن الظروف الجوية أعاقت وصوله لكابول، فاضطر لقضاء الليل في القاعدة التي تبعد 30 ميلاً عن العاصمة.
"واشنطن تكذب"
سارعت طالبان بعد التفجير بساعات إلى إعلان مسؤوليتها عن "هجوم بجرام" معلنة أن المستهدف كان نائب الرئيس الأميركي. ولكن الإعلان قوبل باستهزاء من الجيش الأميركي الذي اتهم الحركة بنشر الأكاذيب، معلناً أن "تشيني كان على بعد ميل من التفجير في الناحية المقابلة من القاعدة، ولم يكن أبداً في خطر".
وأصر الجيش الأميركي على أن طالبان ليست لديها القدرة على تنظيم هجوم ضد تشيني، خلال وقت قصير للغاية كهذا، خصوصاً أن خطط نائب الرئيس الأميركي للسفر إلى أفغانستان تغيرت في اللحظة الأخيرة.
حينها صرح الجنرال توم كوليز، المتحدث باسم القوات الأميركية والناتو للصحافيين بأن "مزاعم طالبان بأنهم كانوا يستهدفون نائب الرئيس الأميركي سخيفة"، ولكن الولايات المتحدة كانت هي من يخفي الحقيقة، بحسب ويتلوك الذي غطى أخبار البنتاجون لفترة طويلة.
ينقل المؤلف شهادة شفهية من شون دالريمبل، الذي كان يحمل رتبة نقيب حينها بالكتيبة 82 المحمولة جواً، وكان المسؤول عن الأمن في قاعدة بجرام. يقول في شهادته إن "الأخبار تسربت عن وجود تشيني في القاعدة، وأن الانتحاري رأى قافلة من السيارات تدخل من البوابة الأمامية، ففجر نفسه بجوارها معتقداً أن تشيني كان في الركب".
وبحسب ويتلوك، فإن الانتحاري لم يخطئ التوقيت بفارق كبير، إذ كان من المفترض أن يغادر تشيني في موكب مختلف إلى كابول بعد 30 دقيقة من التفجير، بحسب ما ذكر "دالريمبل" الذي عمل مع جهاز الخدمة السرية على خطة تأمين تحركات تشيني بأفغانستان.
ويضيف دالريمبل: "هذه المعلومة كانت لدى الأفغان، لقد كان الخبر في نشرات الأخبار مهما حاولنا إبقاءه سراً، رأى أفراد طالبان موكباً من السيارات يعبر البوابة في صحبة سيارة رياضية مدرعة، وظنوا أنه تشيني. فتحت تلك الحادثة أعيننا على أن بجرام ليست مكاناً آمناً، وأن هناك خطراً مباشراً عليها".
يضيف دالريمبل: "فجر الانتحاري نفسه قبل 10 دقائق من بدء الفريق الأمني لترتيبات التحرك بتشيني من القاعدة... كان لدي إحساس بأن هذه الرحلة لكابول ستكون سيئة لأن الجميع عرفوا ما كان يجري".
يقول الكاتب إن "إخفاء الحقيقة في واقعة استهداف تشيني، أوقع الإدارة الأميركية في نمط أعمق من خداع العامة، بشأن أكثر من جانب في الحرب التي كانت واشنطن تخسرها تدريجياً".
وشهدت تلك الفترة في عام 2007 تصعيداً خطيراً للحرب باستهداف تشيني، داخل القاعدة العسكرية شديدة التحصين، كما أظهرت طالبان قدرتها على القيام بهجمات على أماكن مهمة وإسقاط عدد كبير من الضحايا عن بعد، من معقلهم في جنوبي وشرقي أفغانستان، بحسب ويتلوك.
وشهدت الأشهر التالية للعملية، تصاعداً رهيباً في وتيرة العمليات الانتحارية التي وصلت إلى 5 أضعاف ما كانت عليه في 2006.