رئيس الحكومة المغربية لـ"الشرق": لم نغير موقفنا من فلسطين.. ونسعى لإنهاء نزاع الصحراء

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني خلال مقابلته مع "الشرق"
رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني خلال مقابلته مع "الشرق"
دبي- الشرق

كشف رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت ترتيبات فتح قنصليتها في مدينة الداخلة بالصحراء، عقب قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو.

وأكد العثماني، في مقابلة مع "الشرق"، أن "التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة، يشمل في الأيام المقبلة، أراضي الصحراء"، لكنه نفى "وجود حديث حتى الآن، عن فتح قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في المنطقة".

وشدد العثماني على أن قرار المغرب بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل "ليس تضحية بحقوق الشعب الفلسطيني"، مؤكداً "استمرار الرباط في دعم القضية الفلسطينية".

وأشار رئيس الحكومة المغربية إلى أن قرار بلاده إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل "لم يكن متأثراً بإبرام دول عربية أخرى اتفاقات سلام مع تل أبيب"، مشدداً على أنه "قرار سيادي لم يصدر بإملاءات خارجية".

وكان البيت الأبيض، والديوان الملكي المغربي، أعلنا في 10 ديسمبر الجاري تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وقررت واشنطن الاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو، في خطوة غير مسبوقة لم تقدم عليها أي دولة غربية.

واستنكرت جبهة البوليساريو، التي تطالب باستقلال الصحراء، القرار الأميركي، وجددت موقفها بشأن الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار والدخول في حالة حرب مع المغرب.

وشدد المغرب على أنه منفتح على استئناف المفاوضات، التي بدأت منذ عام 2007، مع جبهة البوليساريو برعاية الأمم المتحدة، لكن شريطة أن يكون مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو أساس التفاوض.

لا حديث عن قاعدة أميركية

وقال العثماني، لـ"الشرق"، إن "التعاون العسكري الميداني بين المغرب والولايات المتحدة كان موجوداً دائماً، ولكن اليوم ومع اعتراف الولايات المتحدة بأن الصحراء جزء من المغرب، فإن التعاون سيشمل الصحراء أيضاً"، لكنه نفى ما يتردد حول إقامة قاعدة عسكرية أميركية في الصحراء الآن، بقوله: "ليس هناك أي حديث الآن عن الموضوع".

ورداً على سؤال عما إذا كان للمغرب ضمانات باستمرار الموقف الأميركي الداعم لسيادته على الصحراء بعد تنصيب إدارة الرئيس المنتخب، جو بايدن في 20 يناير، قال العثماني إن "قرار الاعتراف جاء ضمن مسلسل من تطور الموقف الأميركي من الصحراء، والذي بدأ منذ عام 2012 حين رحب بمقترح المغرب للحكم الذاتي واعتبره ذي مصداقية".

وأضاف أن الولايات المتحدة "اتخذت خطوات عملية من أجل إعطاء الطابع الرسمي للموقف الجديد"، وتابع: "أولاً، تم الإعداد لفتح قنصلية أميركية في الداخلة بالصحراء، وهو شيء مهم جداً. وبدأت الترتيبات من أجل ذلك. ثانياً، وجهت مندوبة الولايات المتحدة في هيئة الأمم المتحدة رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن، حول القرار الأميركي، وطالبت بتسجيل وثيقة الاعتراف بشكل رسمي في سجلات الأمم المتحدة"، لافتاً إلى أن "كل الخرائط الرسمية التي تعتمدها الإدارات الأميركية تغيرت لتُظهر الصحراء جزءاً من المغرب".

واعتبر العثماني أن المغرب حقق مكسباً دبلوماسياً استراتيجياً بقرار ترمب الاعتراف بالصحراء كجزء من أراضي المغرب، قائلاً: "الكثير من الدول كانت تنتظر هذا الموقف الأميركي، ومن المرتقب أن تقوم دول أخرى بالخطوات ذاتها التي أقدمت عليها واشنطن".

"الحرب في الإعلام وليس في الميدان"

ونفى رئيس الحكومة المغربي وجود أي تطورات في الميدان بالصحراء، قائلاً إن "القوات المسلحة الملكية المغربية تصدر بيانات حينما يقع أي تطور في الميدان. وبما أن هذه البيانات قليلة، فإن الأمور هادئة على طول الحدود".

وأضاف: "أحياناً تطلق بعض السيارات من بعيد طلقات نارية، فترد عليها القوات المسلحة الملكية، لكن ليس هناك أي شيء يربك الوضع".

ولفت العثماني إلى أن "الحرب كانت في الإعلام وليست في الميدان، بحيث اعتمدت جبهة البوليساريو على مجموعة من الفيديوهات والصور من مناطق نزاع بعيدة جداً من حيث زمن ومكان حدوثها، وقد كشفت الصحافة الدولية أنها فيديوهات مفبركة"، مشدداً على أن "البوليساريو لا تملك أي دلائل بصرية على تجدد النزاع المسلح، ولو كانت عندها لنشرتها، وهو ما يؤكد أن المنطقة هادئة".

وأشار العثماني إلى أن "هناك تحولات دبلوماسية وسياسية كثيرة تقع في الصحراء، إذ تم فتح 18 قنصلية في الصحراء، ولم يصبح دعم الدول للمغرب بالتصريحات فقط، بل أصبح يتخذ خطوات عملية تثبت إيمان هذه الدول بسيادة المغرب على الصحراء".

وأضاف: "جاءت بعد ذلك عملية معبر الكركرات، التي أثبتت أن المغرب قادر على أن يتدخل عسكرياً بطريقة احترافية عالية جداً ليحل الإشكالات الأمنية المعقدة على الأرض، ثم جاءت الخطوة الأميركية بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء".

واعتبر العثماني أن "هذه التطورات أصابت جبهة البوليساريو بنوع من الصدمة، فاتخذت رد فعل غير متوازن بإعلانها الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار، وهو خطأ سياسي ودبلوماسي، لأن الاتفاق المذكور وقعته البوليساريو مع بعثة الأمم المتحدة، والانسحاب يعطي رسالة إلى المجتمع الدولي بأنها غير جادة وغير قادرة على أن تواصل السير مع المجتمع الدولي، وهي وحدها تتحمل مسؤولية قراراتها".

وأكد رئيس الحكومة أن المغرب متمسك باحترام "اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقعه مع الأمم المتحدة، ولا يزال ملتزماً بقرارات مجلس الأمن، والتي تنص على خوض مفاوضات تؤدي إلى حل سياسي".

وقال العثماني: "المغرب قدم مبادرة الحكم الذاتي ولم يقدمها كمبادرة نهائية وفق مبدأ خذها أو اتركها. بل قدمها كأساس للتفاوض، لكي نصل إلى حل سياسي"، مؤكداً أن المغرب "يريد إنهاء هذا النزاع لأنه يستنزف الإمكانات المالية والدبلوماسية". 

"لا تضحية بفلسطين"

وأجاب عن سؤال حول ربط بعض التقارير الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء، بقرار الرباط إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، بقوله: "يصعب الحديث عن خلفيات الربط بين التطورات في قضية الصحراء، والقضية الفلسطينية".

وأضاف أن"توقيع الرئيس الأميركي على الإعلان الرئاسي الذي يعترف بسيادة المغرب على صحرائه، يعتبر تحولاً استراتيجياً وتاريخياً مهماً بالنسبة لقضية الصحراء، لأن معظم الدول الغربية تتعامل مع الصحراء على أنها منطقة نزاع"، مشدداً على أن "المغرب لم يضح بالقضية الفلسطينية من أجل تحقيق هذا المكسب".

وقال العثماني: "المغرب لم يغير موقفه من القضية الفلسطينية، وكما رفض نقل السفارة الأميركية إلى القدس في السابق، يستمر حتى الآن في دفاعه عن عدم تغيير وضع القدس ولم يقدم أي تضحيات في هذا الصدد"، مشيراً إلى أن "الأيام المقبلة ستثبت أن المغرب سيبقى دائماً إلى جانب أشقائه الفلسطينيين".

وذكر العثماني أن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، "اتصل بالرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بهدف التأكيد على أن موقف المغرب من قضية القدس وفلسطين ثابت ولا يتغير، وأن الملك والمغرب يضعان القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء، وهذا التأكيد صدر في بيان للديوان الملكي، وبالتالي فهو موقف رسمي صادر من أعلى هرم السلطة في البلاد".

"قرار مستقل"

وأصبحت المملكة المغربية رابع بلد عربي يعلن هذا العام إبرام اتفاق لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بعد الإمارات والبحرين والسودان.

وقال رئيس الحكومة المغربية في حديثه لـ"الشرق" إن مسار التوصل إلى اتفاق بشأن إقامة العلاقات مع إسرائيل كان منفصلاً عن باقي الدول العربية الأخرى، مشدداً على أن المغرب اتخذ "قراراً مستقلاً" من دون أن يتأثر بقرارات الدول الأخرى.

وأوضح العثماني أن المغرب "أثبت في السياسة الخارجية باستمرار أنه يتخذ قرارته السيادية بنفسه، من دون أي إملاءات خارجية، وفي الكثير من النزاعات التي وقعت في المنطقة العربية، كان المغرب يتخذ مواقفه وفقاً لقناعاته، هذا حدث في الأزمة الخليجية، وفي ليبيا، حيث حاول المغرب إمساك العصا من الوسط"، مضيفاً أن "المغرب يعمل جاهداً، وإما أن يكون عنصر حل أو لا يكون". 

وأشار العثماني إلى أن "قرار المغرب بإقامة علاقات مع إسرائيل، ليس له علاقة بأي مسار آخر أو موقف دول أخرى، هذا الأمر تم الإعداد له، فالحصول على قرار الاعتراف الأميركي بالصحراء احتاج إلى جهد كبير وتواصل من أجل إقناعهم بذلك". 

الرفض الجزائري

وبالنسبة إلى الموقف الجزائري الرافض للاعتراف الأميركي بالصحراء، قال العثماني إن التحركات الدبلوماسية والعسكرية التي قام بها المغرب بشأن الصحراء، "ليس فيها ما يسيء للجارة الجزائر، ولا شيء منها موجه إلى الجزائر".

وأضاف أن "الملك محمد السادس وجه مراراً نداءه لأشقائه في الجزائر لنبدأ حواراً هادئاً، ونطرح على الطاولة جميع الأمور الخلافية، ونعمل على حلها تدريجياً في إطار الأخوة، هذا الموقف المغربي مستمر ولن يسيء المغرب إلى جيرانه أبداً". لكنه شدد في الوقت ذاته على أن "المغرب لن يغير موقفه من صحرائه من أجل تحسين العلاقات مع الجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو"، وقال إن "قضية الصحراء ليست خاضعة للمساومة، وغير ذلك يمكن أن نتحدث عنه".

وأكد العثماني أن "المغرب دائماً مستعد لفتح الحدود مع الجزائر من دون مقابل"، مشيراً إلى أنه يمكن القيام بذلك "حين يكون الجزائريون مستعدين للخطوة".

سبتة ومليلية

من جهة أخرى، أكد رئيس وزراء المغرب أن العلاقات بين بلاده وإسبانيا تحسنت في السنوات الأخيرة، لكنه أشار إلى أن ملف ثغري سبتة ومليلية، اللذين تسيطر عليهما إسبانيا ويطالب المغرب باسترجاعهما "ما زال في جمود مستمر".

وقال العثماني "الجيران لديهم خيارات في التعامل، لا يمكننا أن نغير التاريخ أو الجغرافيا، ولكن يمكن أن نغير أسلوب التعامل بيننا، ويمكننا التعاون لحل الإشكالات المشتركة وفض النزاعات بالتحاور، لأن ذلك يمكنه أن يوصلنا إلى نتائج إيجابية".

وأضاف رئيس الحكومة المغربية: "هذا هو المسلسل الذي بدأ بين المغرب وإسبانيا منذ سنوات، وأثمر على المستوى الأمني والاقتصادي والدبلوماسي"، مضيفاً أن "هذا يجعل إسبانيا تتفهم المواقف المغربية بشأن الصحراء". 

وأوضح العثماني أنه بالنسبة لقضية سبتة ومليلية، "فهي من النقاط التي يجب أن يفتح النقاش بشأنها، لكن الجمود هو سيد الوضع حالياً"، مضيفاً أنه "يجب أولاً أن ننهي قضية الصحراء، فهي الأولوية، وسنفتح موضوع سبتة ومليلية في أحد الأيام".