حذرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، من أن التزام الرئيس الأميركي جو بايدن، بمحاربة الإرهاب في أفغانستان، سيكون "أكثر صعوبة"، وسط شكوك في فعالية "استراتيجية ما وراء الأفق" التي تبنتها إدارته لملاحقة الإرهابيين بعد اكتمال "انسحاب فوضوي" للقوات الأميركية.
وقالت الصحيفة الأميركية في تقرير، الثلاثاء، إن بايدن، ومساعديه تعهدوا بأن الولايات المتحدة يمكنها الاستمرار في إبعاد التهديدات الإرهابية الواردة من أفغانستان "عن بعد" من خلال عمليات الرصد والمراقبة "ما وراء الأفق" والغارات الجوية، الآن بعدما غادرت القوات الأميركية.
في المقابل، يقول مسؤولو مكافحة الإرهاب والاستخبارات إن الأمر سيكون "أكثر صعوبة، وأقل فاعلية"، مما يشير إليه البيت الأبيض.
وأشار المسؤولون إلى أنه مع انتهاء عملية الإجلاء الأميركية التي اتسمت بـ"فوضى وتداعيات قاتلة"، فقدت الولايات المتحدة العديد من عناصرها الرئيسية لملاحقة المتشددين الذين يلجؤون إلى استخدام العنف، ورصد مؤامراتهم.
وأشارت الصحيفة إلى انتهاء عهد القواعد العسكرية وغيرها من البنى التحتية التي كانت توفر قاعدة لعملاء من وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، ووكالات استخبارات أخرى. كما ولى عهد الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة وجهاز الاستخبارات التابع لها، (المديرية الوطنية للأمن) الذي عمل بشكل وثيق مع أجهزة الاستخبارات الأميركية.
وعلى نحو مماثل، فإن العملاء والجنود الأفغان الذين كانوا يغذون وكالة الاستخبارات المركزية بالمعلومات الميدانية، اختفوا أو تم إجلاؤهم أو تفرقوا.
ووفقاً للصحيفة، يقر مسؤولون أميركيون بأن الجيش فقد 90% من قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية التي كان يستخدمها باستخدام طائرات بدون طيار قبل بدء سحب القوات في مايو.
من جانبه، قال سيث جونز، المستشار السابق لقوات العمليات الخاصة الأميركية في أفغانستان، الذي يعمل الآن في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وهو مؤسسة أبحاث مقرها واشنطن، "هذه ليست أفضل طريقة تريدها عادة، لتنظيم حملة مكافحة الإرهاب".
استراتيجية "عن بعد"
واعتبرت الصحيفة أن المخاطر المحتملة لاستراتيجية "عن بعد" التي تبنتها إدارة بايدن ظهرت الأحد. في هذا اليوم قال الجيش الأميركي، إن ضربة بطائرة مسيرة أميركية قتلت عدة انتحاريين داخل سيارة محملة بالمتفجرات، لكن أفغاناً كثيرين في الميدان، قالوا إن الضربة قتلت 10 مدنيين بينهم عدة أطفال.
وهذه الضربة هي الثانية التي يشنها الجيش الأميركي في أعقاب التفجير الانتحاري الذي وقع، الخميس، في مطار كابول وأسفر عن مقتل نحو 200 أفغاني و13 جندياً أميركياً. وقالت القيادة المركزية للجيش الأميركي إنها على علم بتقارير عن سقوط ضحايا مدنيين.
ولفتت "وول ستريت جورنال"، إلى أن بايدن، الذي طالما كان متشككاً في حملات مكافحة التمرد التي تشمل عمليات نشر كبيرة للجنود الأميركيين، وعد الشعب الأميركي بأنه سيردع، ويكتشف التهديدات المستجدة بدون هؤلاء الجنود.
وقال بايدن في 16 أغسطس الجاري، "نجري مهام فعالة لمكافحة الإرهاب ضد جماعات إرهابية في العديد من البلدان، حيث ليس لدينا وجود عسكري دائم. سنفعل الأمر نفسه في أفغانستان، إذا اقتضى الأمر".
"عبر الأفق"
وأضاف، "لقد طوّرنا القدرة على مكافحة الإرهاب عبر الأفق، ما سيتيح لنا التنبه لأي تهديدات مباشرة للولايات المتحدة في المنطقة، والتصرف بسرعة وحسم إذا دعت الحاجة".
والمقصود بـ"استراتيجية عبر الأفق"، بحسب الصحيفة، طائرات مسيرة يمكنها استخلاص معلومات استخباراتية إلكترونية (اعتراض الإشارات) وإطلاق صواريخ من طراز "هيلفاير"، وقذائف أخرى، ومقاتلات أميركية على متن حاملات طائرات أو في قواعد خارجية، ومعدات عسكرية مثل أقمار صناعية للتجسس يمكنها التقاط صور لمعسكرات الإرهابيين أو اعتراض اتصالاتهم، وربما شن هجمات للقوات الخاصة عن بعد.
ورغم أن هذه التقنيات تقدمت بسرعة خلال العقدين الماضيين منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، يقول مسؤولون في الجيش والاستخبارات إنها "أقل فعالية" عادة من وجود جنود أميركيين وشركاء محليين على الأرض في مناطق الصراع.
في هذا الإطار، قال الجنرال المتقاعد مايكل ناجاتا، الذي شغل مناصب بارزة في العمليات الخاصة الأميركية والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب، "سيمكننا القيام بعمل جيد مع عمليات مكافحة الإرهاب عبر الأفق من مواقع بعيدة ضد التهديدات الناشئة من أفغانستان، لكننا لن نتمكن من تحقيق أي شيء يقترب مما كنا نستطيع تحقيقه في السابق من خلال وجود جنود على الأرض".
وأضاف الجنرال الذي تحدث قبل ظهور تقارير عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين بعد غارات الأحد، "ما يثير القلق بصفة خاصة هو ضعف قدرتنا على جمع المعلومات الاستخبارية والتفاصيل الدقيقة التي نحتاج إليها لمعرفة ما هو التهديد وموقعه، وكذلك التأكد من أنه عندما نوجه ضربة، فإننا نهاجم التهديد بشكل فعال مع تقليل احتمالية وقوع إصابات في صفوف المدنيين".
سيطرة طالبان
كانت حركة طالبان قد سيطرت على العاصمة الأفغانية كابول في 15 أغسطس الجاري، بعد شروع القوات الأميركية في الانسحاب من أفغانستان، دون مقاومة تقريباً من القوات الحكومية الأفغانية.
وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أكد أن الولايات المتحدة ستنهي حضورها الدبلوماسي في أفغانستان، بحلول موعد الانسحاب النهائي المحدد في 31 أغسطس، لكنه أشار إلى أن عمليات إجلاء الأفغان الراغبين في الخروج من البلاد ستستمر.
ولم تترك العملية المستعجلة سوى القليل من الوقت لمراجعة الكثير من المعلومات التفصيلية حول العديد من الأفغان الذين تم إجلاؤهم، لذلك لا يزال من غير الواضح عدد الذين عملوا مع الولايات المتحدة والذين تمكنوا بالفعل من تحقيق ذلك في الوقت المناسب.
ومنذ نهاية يوليو الماضي، تم إجلاء نحو 122 ألف شخص من كابول في جسر جوي تاريخي. وتعهدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بمواصلة العمل لإخراج الأفغان المعرضين للخطر وعدة مئات من الأميركيين من البلاد، في وقت تعهدت فيه طالبان بـ"السماح للأشخاص الذين يريدون المغادرة بالخروج من البلاد".
اقرأ أيضاً: