حظيت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج للسعودية، باهتمام كبير من الجانبَين العربي والصيني، كترجمة لما تحقّق خلال السنوات الأخيرة من تقدّم كبير في العلاقات العربية الصينية، في المجالات كافة، ومن بينها المجال الثقافي، عبر اهتمام ملحوظ بحركة الترجمة من الصينية إلى العربية عموماً، وفي الأدب بصفة خاصة، وهو الأمر الذي يواكبه تنامي أعداد أقسام اللغة الصينية في جامعات عدد من الدول العربية.
في هذا السياق، استطلعت "إندبندت عربية" آراء عدد من أبرز المتخصّصين في اللغة الصينية وآدابها في العالم العربي، بشأن انفتاح الصين على العالم العربي في السنوات الأخيرة، في ظلّ استراتيجية تؤطّرها مصالح سياسية واقتصادية وثقافية تطمح نحو الاستدامة.
إنجازات ثقافية
أستاذ اللغة الصينية في جامعة عين شمس (القاهرة)، والمشرف على قسم اللغة الصينية في جامعة الملك سعود (الرياض)، حسانين فهمي حسين، هو أوّل من ترجم رواية الكاتب الصيني مويان، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2012 من الصينية إلى العربية، وهي رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" (المركز القومي للترجمة – القاهرة)، يقول: "تشهد السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في وتيرة تمتين العلاقات بين الصين والعالم العربي، ما أدى إلى الكثير من الإنجازات في مجالات الثقافة والتعليم والإعلام والسياحة والفنون والآداب، والنشر".
في هذا السياق، حلّت الصين ضيف شرف في عددٍ من معارض الكتب العربية، فضلاً عن تنظيم الكثير من الفعاليات الثقافية بالتنسيق بين الجانبين. وأصبحت معاهد كونفوشيوس بالجامعات والمؤسسات الثقافية العربية، قاعدة رئيسة للتبادل الثقافي الصيني - العربي. إذ ساعدت الدروس والفعاليات التي تقدّمها معاهد كونفوشيوس، في تحقيق تبادلات جيدة في مجال الثقافة الشعبية بين الصين والدول العربية.
حلقة وصل
ويؤكّد فهمي الذي ترجم كتاب "موجز تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي"، الصادر عن "دار جامعة الملك سعود للنشر": "أصبحت هذه المعاهد حلقة وصل مهمّة للتبادلات الثقافية الصينية - العربية، وساعدت في تقريب المسافات بين الأمّتين العريقتين. وفي ظلّ هذا التطوّر الذي يشهده التبادل الثقافي العربي - الصيني، كان هناك اهتمام واضح من الجانبين بترجمة الأدب العربي إلى الصينية والأدب الصيني إلى العربية".
أضاف: "بالنسبة لترجمة الإبداع الأدبي العربي إلى الصينية، صدرت خلال السنوات الأخيرة ترجمات لعدد كبير من الأعمال الأدبية لكُتّاب من مصر وسوريا ولبنان والسعودية والإمارات وموريتانيا وتونس وغيرها. ومنذ عام 1978 عقب تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين، دخل انتشار وترجمة ودراسة الأدب العربي في هذا البلد مرحلة ازدهار".
وأشار فهمي إلى "ترجمة عدد كبير من أعمال الكُتّاب العرب من العربية إلى الصينية مباشرةً، كما كان الأدب العربي محوراً لعدد كبير من الندوات والفعاليات التي تنظّمها "جمعية بحوث الأدب العربي بالصين" منذ تأسيسها عام 1987، مثل ندوات "نجيب محفوظ وجائزة نوبل"، "الذكرى المئوية لميلاد طه حسين وعباس العقّاد"، "أضواء على آخر التطوّرات في الأدب المصري"، "الكاتب المصري يحيى حقي ومشواره الإبداعي"، "تطوّر الفن الروائي في مصر. كما نظّمت الجمعية الصينية بالعاصمة بكين، العديد من اللقاءات بين أعضاء الجمعية والمهتمّين بدراسات الأدب العربي والكُتّاب الصينيين والعرب".
العلاقات مع السعودية
في ظلّ التطوّر الذي تشهده العلاقات السعودية - الصينية في مختلف المجالات، ومن بينها المجال الثقافي تماشياً مع التوسّع الكبير في تدريس اللغة الصينية بالجامعات والمدارس السعودية منذ عام 2019، عقب الزيارة التاريخية التي قام بها وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للصين، فإن هناك – كما يقول فهمي – "مستقبلاً مزدهراً ينتظر التبادل الثقافي السعودي - الصيني، بخاصة مع الاتفاقيات الموقّعة بين الجانبين في مجال مشاريع تبادل ترجمة عدد كبير من الأعمال الأدبية والثقافية".
وأوضح أن ذلك سيشكّل "دفعةً مهمّة لحركة ترجمة الأدب الصيني إلى العربية في الوقت الحالي، فقد كنتُ شاهداً على هذه الانطلاقة الكبيرة لتعليم اللغة الصينية بالمملكة، من خلال إشرافي على قسم اللغة الصينية بجامعة الملك سعود، وهو أعرق قسم للغة الصينية على مستوى الجامعات السعودية والخليجية".
أضاف: "قمتُ بترجمة عدد من الكتب الصينية التي صدرت عن دار جامعة الملك سعود للنشر، وكانت أوّل ما يصدر من ترجمات لكتب صينية داخل السعودية بترجمة عن الصينية إلى العربية مباشرة"، منها كتب "موجز تاريخ التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي"، و"واقع وآفاق التعاون الصيني - العربي"، إلى جانب كتاب "اللغة الصينية للمبتدئين"، كما شارك في تأليف كتاب "هيا نتعلّم اللغة الصينية" الذي اعتمدته وزارة التعليم السعودية، كأوّل منهج لتعليم الصينية بالمدارس السعودية مطلع عام 2020".
مصر ثم تونس
مدرّس الأدب الصيني والترجمة في جامعة قناة السويس يحيى مختار قال: "بدأ تدريس اللغة الصينية في العالم العربي انطلاقاً من مصر في خمسينيات القرن الماضي، على يد أساتذة صينيين مبتعثين، لكن سرعان ما توقّف بسبب الأوضاع السياسية في الصين، ثم عاد ثانية في أوائل الثمانينيات بعد افتتاح قسم اللغة الصينية في كلية الألسن في جامعة عين شمس".
أضاف: "بدأت حركة الترجمة من الصينية إلى العربية مع تخرّج الجيل الأوّل من الدارسين في نهاية الثمانينيات وأوئل التسعينيات، وكانت قاصرة على جهود فردية لم تتحوّل إلى شكل مؤسسي إلا في العقد الماضي، بالتزامن مع تزايد اهتمام المؤسسات الحكومية بالترجمة الصينية، وأيضاً ظهور دور نشر خاصة مثل "بيت الحكمة".
وأوضح مختار أن ثاني أقسام اللغة الصينية في الوطن العربي كان قسم اللغة الصينية، في جامعة قرطاج في تونس خلال التسعينيات، ولم يشهد العالم العربي افتتاح أقسام أخرى للغة الصينية إلا بنهاية العقد الأوّل من الألفية الجديدة، إذ أنشأت جامعات سعودية وأردنية وسودانية ومغربية وإماراتية، أقساماً لتدريس اللغة الصينية، ولكن بأعداد محدودة لم تشهد وجود خرّيجين متمرّسين في الترجمة حتى الآن".
ويتوقّع مختار أن "تشهد السنوات المقبلة، ظهور أجيال من المترجمين عن الصينية في تلك الدول، لكن حتى الآن، لا يزال المترجمون المصريون هم من يحملون راية الترجمة من الصينية إلى العربية، سواء الترجمة الأدبية لأشهر الكُتّاب الصينين مثل مويان، ويو هوا، وليو جين، أو الأعمال الأكاديمية في مجالات العلوم المختلفة. كما شهد العقد الماضي ظهور عدد من المراكز الثقافية الصينية ومعاهد كونفوشيوس المتخصصة في تدريس اللغة الصينية في العديد من الدول العربية، وعلى رأسها مصر التي يوجد بها أربعة من هذه المعاهد".
جيل يعرف عن الصين
الرئيس التنفيذي لمجموعة "بيت الحكمة" الثقافية الصينية في القاهرة أحمد السعيد، تحدّث عن عن سبب توقّف صدور النسخة العربية من مجلة "منارات طريق الحرير"، المتخصّصة في الأدب الصيني، معتبراً أن ذلك التوقّف حدث على خلفية تفشّي وباء كورونا، "لكننا نخطّط حالياً لإصدار مجلة جديدة متخصّصة في تقديم الأدب الصيني مترجماً إلى العربية، قبل نهاية العام المقبل، وستوزّع ورقياً وإلكترونياً".
وأعرب السعيد عن اعتقاد يتّسق مع ما ذهب إليه يحيى مختار، ومفاده أن وجود اللغة الصينية في المناهج الحكومية لدول عربية مثل مصر والسعودية والإمارات، هو بداية ظهور جيل يعرف عن الصين، ويستطيع أن يبني وجهة نظر غير موجّهة ولا مشوّهة، وهو أمر جيد لو أحسنّا استخدامه، لأن تعدّد الأقطاب مفيد للمنطقة العربية".
اقرأ أيضاً: