أجبر الاحتجاج الشعبي، السلطة الفلسطينية على إلغاء قانونين صدرا أخيراً، يمنحان امتيازات استثنائية واسعة لكبار المسؤولين من وزراء ومحافظين ونواب ورؤساء هيئات حكومية.
وأعلن رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية في بيان مقتضب، فجر الأربعاء، أن "الرئيس محمود عباس استجاب مشكوراً، وألغى حُزمة التعديلات الأخيرة المتعلقة بقرار بقانون التقاعد، وتحديداً القرار في شأن تعديل قانون مكافآت أعضاء المجلس التشريعي ورواتبهم، ومن هم بدرجة وزير والمحافظين، وآخر في شأن تعديل قانون التقاعد العام لمن هم بدرجة وزير".
احتجاجات واسعة
وأحدث الكشف عن صدور القانونين بقرار من الرئاسة الفلسطينية، في الأيام الأخيرة، هزة واسعة في الشارع الفلسطيني، وتصدّر الاحتجاج عدداً من المؤسسات القانونية والقانونيين والكتاب والمعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي والنشطاء، مطالبين الرئيس محمود عباس التراجع عن قراره إالغاء القانونين.
وجاء صدور القانونين ونشرهما، في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعانيها الشعب الفلسطيني جراء إجراءات الإغلاق الساري منذ مطلع الشهر الماضي، بهدف الحد من انتشار فايروس "كورونا" المُستجد، ما زاد من اتساع الاحتجاج وحدّته.
وأصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم)، بيانا أفادت فيه بأنها وجهت اعتراضاً على القانونين إلى كل من الرئيس ورئيس الوزراء، وطالبتهم "التدخل لوقف هذين القرارين بقانون، وإخضاعهما لمزيد من الدراسة والمشاورات مع جميع الأطراف ذات العلاقة".
وأضافت الهيئة: "انطلاقاً من الدور المسند إلى الهيئة في القانون الأساسي المعدل، وفي المرسوم الرئاسي رقم (59) لسنة 1994 في حماية وتعزيز منظومة حقوق الإنسان في فلسطين، فإنها ترى أن هذين القرارين بقانون، بما يتضمناه من منح امتيازات مالية (وغير مالية) إضافية لفئة من كبار موظفي الدولة، تحديداً من هم بدرجة وزير من رؤساء الهيئات والمؤسسات العامة ومن في حكمهم، من شأنها تحميل الموازنة مزيداً من الأعباء، والمساس بالوضع المالي لهيئة التقاعد الفلسطينية، في وقت تعاني الموازنة العامة أزمة مالية خانقة، وعجزاً خطيراً نتيجة إجراءات القرصنة الإسرائيلية، وأيضا نتيجة للآثار الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا".
رسالتان لعباس واشتية
وقالت الهيئة في رسالتيها إلى كل من الرئيس ورئيس لوزراء: "أن تمرير هذين القرارين بقانون من دون مشاورات مجتمعية مع الأطراف ذات العلاقة، وتوقيت صدورهما في ظل الحاجة إلى مزيد من التقشف وتخفيض النفقات وتعزيز قيم التكافل وتحمل أعباء المرحلة بشكل عادل، من شأنه زعزعة الثقة بالتوجهات والجهود الرسمية الداعية إلى التعاضد وحشد الدعم من القطاع الخاص والعام ومن المواطنين لمواجهة الآثار الاقتصادية للجائحة".
ونصّ القانون الجديد، الذي جرى إلغاءه، على إعفاء هذه الفئات من دفع أي مساهمات في صندوق التقاعد، وإعادة المبالغ التي اقتطعت من رواتبهم سابقاً، وقدر بعض المختصين المبالغ التي كانت ستعاد إلى جيوب هؤلاء المسؤولين بملايين الدولارات.
وأجبر الشارع الفلسطيني السلطة، العام الماضي، على وقف زيادة بنسبة 60 % في رواتب رئيس أعضاء الحكومة، وذلك بعد تسريب قرار في هذا الشأن، بقي سرياً قرابة عام، وبلغت قيمة الأموال التي حصل عليها كل وزير قبل وقف القرار أكثر من 80 ألف دولار.
وأصدر الرئيس الفلسطيني، في وقت لاحق، قراراً يقضي بإعادة كل وزير ما تلقاه من زيادة "غير قانونية" على الراتب، لكن وزيراً واحداً فقط، أعلن عن إعادة المبلغ، وهو وزير المالية، فيما امتنع الآخرون حتى اليوم عن ذلك.
دعوات لفتح تحقيق
وفجّر الكشف الجديد موجة انتقادات واسعة لقيادة السلطة الفلسطينية، وجدد المنتقدون مطالبتهم الوزراء السابقين بإعادة تلك المبالغ إلى خزينة السلطة.
ووصف الاقتصادي الدكتور حسن أبو لبدة، القانونين الجديدين بأنهما "رصاصتان في القلب". وجاء في مقاله نشره، على صفحته في "فيسبوك": "مسكين هذا الشعب الغفور، لم يكد يتجاوز فضيحة رفع رواتب الوزراء وصرف بدل إيجار منازلهم، ولاحقاً إلغاء القرار ومطالبتهم بإعادة المبالغ، وعدم الاستجابة لذلك من معظمهم، حتى صدر القراران بقانون حول مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي ومن هم برتبة وزير والمحافظين وإعادة مساهمات التقاعد ومد سنوات الخدمة لمرتبة الوزير، ليشكل بذلك طعنة مسممة في الظهر، وإضافة لمسلسل الإحباط الذي يمارس بحق شعبنا من خلال القرارات والمواقف الارتجالية".
وأضاف: "لقد أهدر صدور القرارين سمعة الحكومة وجهود رئيسها وشعبيتها التي حصدتها من حال الطوارئ. وأخشى أن تكون جهود حشد الموارد لمساعدة المتضررين أول ضحايا هذه الحركة غير الموفقة".
وختم بالقول: "أحسن الرئيس بإلغاء القرارين، ولكن هذا لا يعفيه من مسؤولية فتح تحقيق شفاف للوقوف على ملابسات توريطه بإصدار قرارات غير منطقية وتفوح منها رائحة الفساد وإهدار المال العام".
ويصدر الرئيس محمود عباس قوانين بقرارات رئاسية منذ توقف البرلمان عن العمل عقب الانقسام بين حركتي "حماس" التي تدير قطاع غزة و"فتح" التي تدير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في العام 2007. وفتح ذلك الطريق أمام الفئات الأكثر نفوذها في السلطة لتمرير العديد من القوانين لصالحها وذلك لقربها من صناع القرار، وعدم وجود رقابة برلمانية.