Open toolbar

علما للولايات المتحدة والصين. 2 أغسطس 2022 - REUTERS

شارك القصة
Resize text
دبي-

اعتادت الولايات المتحدة على مر الزمن استخدام القوة بشكل كبير في الخارج ما دفعها للدخول في العديد من الصراعات حول العالم، لكن مع تحول الصين إلى قوة أكثر فعالية، سيكون من المتوقع امتناع واشنطن عن المشاركة في التدخلات الأجنبية، لأنه قد ينتهي بها الأمر إلى مواجهة قوة عظمى أخرى.

واعتبرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية أن تدخل الولايات المتحدة في الحربين العالميتين الأولى والثانية أذن ببداية القيادة العالمية لواشنطن وزيادة مشاركتها الدولية، لكن بعد الحرب الباردة، لا سيما في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، انخفضت نسبة النزاعات المُسلحة التي شاركت فيها الولايات المتحدة بشكل كبير.

وأشارت المجلة إلى أنه في الوقت الحالي، تجد الولايات المتحدة نفسها في عصر يثير فيه خصومها استفزازها عسكرياً بشكل أقل، ومع ذلك، تتدخل واشنطن بالقوة المسلحة أكثر من أي وقت مضى.

ووصفت "فورين أفيرز" التوجه بأنه "غير موفق"، مُشيرة إلى التدخلات العسكرية "الكارثية" للولايات المتحدة في أفغانستان، والعراق، وليبيا، كما اعتبرت أن اللجوء المتكرر بشكل كبير إلى استخدام القوة يقوض شرعية الولايات المتحدة في العالم.

ومع تراجع الجهود الدبلوماسية والنفوذ الأميركي في الخارج، يتزايد التواجد العسكري الأميركي، في حين تظهر استطلاعات الرأي العالمية أن نصف سكان العالم يعتبرون واشنطن بمثابة تهديد.

ورجحت المجلة حدوث تغيير في المستقبل القريب، مشيرةً إلى أنه ومع تحول الصين إلى قوة أكثر فعالية، سيكون من المتوقع أن تمتنع الولايات المتحدة عن المشاركة في التدخلات الأجنبية، لأن الأمر قد ينتهي بها إلى مواجهة قوة عظمى أخرى.

وقد يدفع ذلك صناع السياسة في الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى اتباع المبادرات الدبلوماسية والاقتصادية التي يمكن أن تعزز القوة الناعمة للولايات المتحدة ومصداقيتها العالمية، بحسب "فورين أفيرز".

ولوضع استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية في السياق الصحيح، فمن المفيد دراسة الظروف التي عادة ما تجعل الأمر شرعياً. 

شروط العنف

ويحدد القانون الدولي المعاصر، الذي تعود أسسه إلى العصور القديمة، 3 شروط أساسية للجوء المشروع إلى العنف وهي: أولاً، أن القوة لا يُمكن استخدامها إلا للدفاع عن النفس أو للدفاع عن الأبرياء، وثانياً، أن يكون الرد مماثلاً للفعل قدر الإمكان، وثالثاً، أن يكون العنف مناسباً للفعل الذي شُرع فيه أو الفعل المُنفذ، ولا يُمارس إلا بالدرجة المطلوبة لإعادة إحلال السلام.

وبناء على ذلك، إذا أصاب أعضاء في مجموعة ما عضواً في مجموعة أخرى، فإن قيام المجموعة التي تعرضت للإيذاء بقتل أحد أفراد المجموعة المعتدية لن يكون مشروعاً، وتنطبق هذه المبادئ على العنف بين الدول وبين الأشخاص، وفقاً للمجلة.

وأشارت "فورين أفيرز" إلى مثل لاتيني يقول "في زمن الحرب، تصمت القوانين". ويُفهم من ذلك أنه عندما يكون البقاء على قيد الحياة على المحك، يصبح كل شيء مباحاً، لكن ليست كل النزاعات وجودية. 

وعلى الرغم من أن التأثير التراكمي لميل الولايات المتحدة إلى اللجوء للقوة قد يكون غير واضح لمواطني الولايات المتحدة وممثليهم، لكنه واضح لخصوم واشنطن وحتى حلفائها في الخارج، بحسب المجلة.

أميركا تتراجع

وأظهر استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث بين عامي 2013 و2018 أن مكانة الولايات المتحدة تراجعت تراجعاً حاداً. 

وفي عام 2013، رأى 25% من الأجانب أن قوة وتأثير الولايات المتحدة يشكلان تهديداً كبيراً، وارتفعت هذه النسبة إلى 45% بعد 5 سنوات، ويُمكن إرجاع جزء كبير من هذا التغيير إلى حقيقة تولي دونالد ترمب لرئاسة الولايات المتحدة خلفاً لباراك أوباما عام 2016. 

وقالت المجلة إن تجاهل ترمب للأعراف الدولية والالتزامات تجاه حلفاء الولايات المتحدة، وإلغائه الاتفاق النووي الموقع بين القوى الكبرى وإيران، وانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، وانفعالاته العدوانية ضد الدول الأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي عززت هذه الانطباعات السلبية.

ولكن هذه ليست كل القصة، لأن العديد من العوامل الأخرى تساعد في تفسير سبب زيادة ميل الولايات المتحدة للتدخلات العسكرية، وتغير الانطباعات العالمية بشأن القوة الأميركية نتيجة لذلك.

وأوضحت المجلة أن أول عامل هو "تأثير 11 سبتمبر الذي يتمثل في النزعة لتجريد الخصوم من إنسانيتهم، إذ أدى تبني المتطرفين للهجمات الانتحارية ضد المدنيين إلى إقناع العديد من الأميركيين، بمن فيهم العديد من صناع السياسة، بأن الولايات المتحدة تواجه عدواً وحشياً".

وتساعد العادة المتمثلة في اعتبار الخصوم مختلفين اختلافاً جوهرياً عن غيرهم من البشر أو غير عقلانيين في فهم تراجع استخدام الولايات المتحدة للسياسة الخارجية التي تعطي الأولوية للقوة على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية. 

وتمثل العامل الثاني في الجمود الذي أصاب "المرحلة أحادية القطب"، إذ أوضحت المجلة أن هذا التوصيف كان خاطئاً، لأن أحادية القطب الحقيقية تعني قدرة دولة واحدة على هزيمة كل دولة أخرى في النظام دون مساعدة.

ونظراً لعدم امتلاك الولايات المتحدة هذه القدرة، فإن توزيع القوى بعد الحرب الباردة يُمكن وصفه بدقة أكبر بأنه "متعدد الأقطاب".

وشجع امتلاك الولايات المتحدة أفضلية أكبر في القدرة على الانتصار في الحروب على نشر جيشها بقوة في جميع أنحاء العالم. 

ولكن بعد تبنيها عادة التدخل في الخارج خلال الحرب الباردة -والتي تتضمن دعم الانقلابات والاغتيالات، والتدخل في الانتخابات، وتنفيذ عمليات سرية- بحجة الدفاع عن الأمن القومي، أصبحت الولايات المتحدة في مأزق بعد الانهيار المفاجئ للخصم الوحيد الذي هدد بقاءها.

وكان من الممكن أن تتراجع التدخلات الأميركية بما يتناسب مع بيئة التهديدات الجديدة، الأمر الذي كان سيعزز شرعيتها وسمعتها كدولة قائدة مسؤولة، ولكن ذلك كان سيعني وقوفها مكتوفة الأيدي أثناء تصاعد النزاعات العرقية والمدنية التي استمرت فترات طويلة أو الناشئة إلى أعمال عنف، في رواندا، والصومال، والبلقان.

ونظراً لأن العادات القديمة لا تموت بسهولة، اختارت الولايات المتحدة -باعتبارها "زعيمة العالم الحر"- الاستمرار في التدخل بالقوة العسكرية، ليس للسيطرة على الشيوعية السوفيتية وهزيمتها، ولكن لحماية حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية، بحسب المجلة.

ولفتت "فورين أفيرز" إلى أن تزايد القوة العسكرية للصين، وقوتها الاقتصادية، ونفوذها العالمي سيؤدي إلى زيادة حذر الولايات المتحدة ودفعها إلى اللجوء للجهود الدبلوماسية والاقتصادية قبل القوة.

اقرأ أيضاً:

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.