مركز إسرائيلي: "أبرتهايد" نظام حكومي لتفوق اليهود على الفلسطينيين

time reading iconدقائق القراءة - 14
عائلة يهودية تقف أمام إحدى المرافق السياحية في تل أبيب - REUTERS
عائلة يهودية تقف أمام إحدى المرافق السياحية في تل أبيب - REUTERS
رام الله-محمد دراغمة

وصف المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسيلم" النظام الإسرائيلي القائم بين البحر المتوسط ونهر الأردن بـ"أبرتهايد"، وهو نظام تمييز عنصري يقوم على تعزيز وإدامة تفوّق مجموعة من البشر (اليهود) على مجموعة أخرى (الفلسطينيون).

وقال المركز، في وثيقة صادرة عنه الثلاثاء، نشرها على موقعه باللغات الثلاث، العبرية والعربية والإنجليزية: "يقيم في الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر أكثر من 14 مليون إنسان، نصفهم يهود ونصفهم فلسطينيّون".

وأضاف: "الاعتقاد السّائد في المجالين العمومي والقضائيّ، وفي ميدان السياسة والخطاب الإعلاميّ، في هذه الأراضي، أن هناك نظامين متوازيين يفصل بينهما الخط الأخضر. النظام الأول، يعمل داخل حدود إسرائيل السياديّة، وهو نظام ديمقراطيّ وثابت يقيم تحت كنفه نحو 9 ملايين إنسان، جميعهم مواطنون إسرائيليّون.

و"النظام الثاني يعمل في المناطق التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، ويُفترض أن تحدّد مكانتها النهائيّة في مفاوضات مستقبليّة بين الطرفين، ويقيم في هذه المناطق نحو 5 ملايين فلسطينيّ تحت احتلال عسكريّ موقّت"، بحسب الوثيقة.

وتابع: "هذا التعريف لم يعد يمتّ للواقع بصِلة بمرور السنين، إنّه تعريف يتجاهل حقيقة أنّ هذا الوضع يسود منذ 50 عاماً، معظم سنوات وجود دولة إسرائيل؛ وهو لا يأخذ بالحسبان مئات آلاف المستوطنين اليهود المقيمين في بلدات ثابتة شرق الخطّ الأخضر، ويديرون حياتهم وكأنّهم يقيمون غربه".

تمييز

ولفت إلى ذلك النظام "يغضّ الطرف عن الضمّ الرسميّ لشرقيّ القدس والضم الفعلي للضفة الغربية. ولكن الأهم من هذا كله هو أن هذا التمييز يطمس حقيقة وجود مبدأ ناظم واحد يجري تطبيقه في جميع الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر: تعزيز وإدامة تفوّق مجموعة من البشر (اليهود) على مجموعة أخرى (الفلسطينيّون)".

كل هذا يفضي إلى النتيجة بأن "هذين ليسا نظامين متوازيين يعملان وفق المبدأ نفسه تصادفاً، وإنّما هو نظام واحد يدير الأراضي كلّها يسيطر على جميع البشر المقيمين فيها، ويعمل وفق المبدأ الناظم المذكور"، بحسب المركز.

وأضاف: "لا يمكن أن نفهم اليوم ما يجري في المناطق المحتلّة بمعزل عمّا يجري في جميع الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، لذلك فإنّ المصطلحات التي نستخدمها في السّنوات الأخيرة لوصف الواقع، مثل (احتلال مستديم) أو (واقع الدّولة الواحدة) لم تعد مناسبة، كما أنه  من الضروريّ تفحّص طبيعة عمل النظام الواحد السّائد في المناطق كافة لمواصلة مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان بفاعليّة".

انتهاكات إسرائيلية

ورصد مركز "بتسيلم" الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67.

وأشار إلى الغاية من هذه الوثيقة على اعتبار أنها تصف الطريقة التي يعمل بها النظام الإسرائيليّ سعياً إلى أهدافه في جميع الأراضي الواقعة تحت سيطرته، كما أنها تستعرض المبادئ التي توجّه النظام، وتقدم أمثلة على تطبيقها.

ولفت المركز إلى أن النظام الإسرائيلي "يطبق قوانين وإجراءات وعُنفاً منظّماً (عنف الدّولة) في جميع الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر، من أجل تحقيق تفوّق جماعة من البشر أي اليهود، على جماعة أخرى هُم الفلسطينيّون".

 وتشكّل "هندسة الحيّز" لكل من هاتين المجموعتين، بحسب المركز، إحدى الأدوات المركزية التي يستخدمها النظام لتحقيق هذا الهدف، إذ إن المواطنين اليهود المقيمين في الأراضي الممتدة بين النهر والبحر يديرون حياتهم كأنما هي حيّز واحد ما عدا قطاع غزة، و"الخط الأخضر" يكاد لا يعني شيئاً بالنسبة إليهم، ومسألة إقامتهم غربه ضمن حدود إسرائيل أو شرقه في المستوطنات التي لم تضمّها تل أبيب رسمياً، لا علاقة لها بحقوقهم أو مكانتهم.

في المقابل، نجد أن مكان الإقامة مسألة مصيرية بالنسبة للفلسطينيين، لقد قسّم النظام الإسرائيلي الأراضي الممتدة بين النهر والبحر إلى وحدات مختلفة، تتميز عن بعضها البعض في طريقة سيطرته عليها، وتعريفه لحقوق سكانها الفلسطينيين، بحسب المركز.

وأضاف: "هذا التقسيم ذو صِلة بالفلسطينيين فقط، وهكذا فإن الحيّز الجغرافي المتواصل بالنسبة لليهود هو بالنسبة إلى الفلسطينيين حيّز فسيفسائي يتشكّل من قطع مختلفة".

الفلسطينيون

واستعرضت الوثيقة المجموعات الفلسطينية التي تعيش في هذا الحيز على النحو التالي:

* الفلسطينيّون المقيمون في المناطق التي صُنّفت في عام 1948 ضمن الأراضي السياديّة لإسرائيل (عرب إسرائيل)، ويشكلون 17% من مجمل المواطنين في هذه الأراضي، هُم مواطنون إسرائيليون، يتمتعون بحقوق كثيرة، لكنهم لا يتمتعون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها اليهود، وهو تمييز قائم في القانون الإسرائيلي كما في ممارسات السلطات الإسرائيلية، بحسب وصف المركز.

* في شرقي القدس، التي تشمل نحو 70 ألف دونم من الأراضي التي ضمتها إسرائيل إلى حدودها في عام 1967، خلافاً لأحكام القانون الدولي، يقيم ما يقارب 350 ألف فلسطينيّ عرّفتهم إسرائيل بـ"مقيمين دائمين". 

وبموجب هذه المكانة يمكنهم السكن والعمل في إسرائيل، من دون الحاجة إلى تصاريح خاصة، ويحق لهم الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وكذلك المشاركة في الانتخابات البلدية. ولكن خلافاً لمكانة "مواطن" يستطيع وزير الداخلية الإسرائيلي سحب مكانة "المقيم الدائم" من أي شخص استناداً إلى اعتباراته وحدها، هذا إضافة إلى أن هذه المكانة يمكن أن تُلغى تلقائياً في ظروف معيّنة.

 

* بقيّة أراضي الضفة الغربية لم تضمّها إسرائيل رسمياً، ولكنها مع ذلك تتصرف فيها، وكأنما هي ضمن حدودها. ويقيم في هذه الأراضي نحو 2.6 مليون من الرعايا الفلسطينيين في عشرات الجيوب المعزولة عن بعضها البعض، تُعرف باسم "المعازل".

وتأتي هذه "المعازل" تحت نظام حُكم عسكري صارم من دون أي حقوق سياسية. وفي نحو 40% من هذه الأراضي نقلت إسرائيل الصلاحيات المدنية للسلطة الفلسطينية، لكن هذه السلطة تخضع لإسرائيل، وحتى هذه الصلاحيات المحدودة، لا تستطيع ممارستها إلا بموافقة من إسرائيل.

* في قطاع غزة يقيم نحو 2 مليون فلسطيني، وهم مجردون من الحقوق السياسيّة. في عام 2005 سحبت إسرائيل قواتها من القطاع، وأخلت جميع المستوطنات التي أقامتها، ومن ثم تخلت عن أي مسؤولية عن مصير سكان القطاع.

في عام 2007 سيطرت حركة "حماس" على القطاع، وفرضت إسرائيل عليها الحصار ولا تزال، ولكن حتى الآن ما زالت إسرائيل تتحكّم من الخارج بسكّان القطاع على نحو يطال تقريباً كل تفاصيل حياتهم.

وقال المركز: "تخصّص إسرائيل للسكان في كلّ من هذه الوحدات المعزولة رزمة من الحقوق تختلف عن تلك المخصّصة لسكان الوحدات الأخرى، وجميعُها حقوق منقوصة مقارنة برزمة الحقوق الممنوحة للمواطنين اليهود".

4 وسائل لتحقيق التفوق اليهودي

نتيجة لهذا التقسيم، بحسب مركز بتسليم، فإنه يُطبق مبدأ التفوّق اليهوديّ بطريقة مختلفة في كلّ وحدة، ممّا يُنتج شكلاً مختلفاً من الظلم الواقع على الفلسطينيّين المقيمين فيها: واقع حياة الفلسطينيّ في غزة يختلف عن واقع حياة الفلسطينيّ في الضفة، وهذا يختلف عن واقع حياة فلسطينيّ ذي مكانة المقيم الدائم في القدس أو مواطن فلسطيني داخل الخطّ الأخضر. لكنّ هذه الفروق هي الأوجُه المختلفة لتدنّي مكانة الفلسطيني والحقوق المنقوصة، مقارنة باليهود المقيمين في المنطقة نفسها".

وقال المركز، إن النظام الإسرائيلي يستخدم 4 وسائل رئيسيّة بهدف تحقيق التفوّق اليهوديّ، اثنتان منها تطبّقان بشكل مشابه في كافّة المناطق: تقييد الهجرة لغير اليهود والاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة لأجل بناء بلدات لليهود فقط، وفي موازاة ذلك لأجل إنشاء معازل فلسطينيّة على مساحات ضيّقة.

أما الوسيلتان الأخيرتان، فيجرى تطبيقهما على الأخصّ في المناطق المحتلة: قيود مشدّدة على حرّية حركة وتنقّل الفلسطينيّين من غير المواطنين، وتجريد ملايين الفلسطينيّين من الحقوق السياسيّة. 

وأضاف، إن "الصلاحيات الخاصة بهذين الأمرين كلها بالمطلق في يد إسرائيل، إذ إنها السلطة الوحيدة التي تقرر وتدير في كل مكان بين النهر والبحر سِجل السكان ونظام الأراضي وحق التنقل أو منعه وحق الدخول والخروج وسِجل الناخبين".

 وتابع المركز: "جميع يهود العالم وأولادهم وأحفادهم - وكذلك أزواجهم وزوجاتهم - يحقّ لهم الهجرة إلى إسرائيل في أيّ وقت، والحصول على المواطنة الإسرائيلية، وجميع الحقوق المترتّبة عليها أو الناجمة عنها".

وتُعطى لهم مكانة مواطن حتى إذا اختاروا الإقامة في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية رغم أنها رسمياً ليست ضمن حدود إسرائيل، أمّا غير اليهود، فلا يحقّ لهم الحصول على مكانة قانونية في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، بحسب المركز.

وكشفت الوثيقة أن إسرائيل سحبت منذ 1967مكانة نحو رُبع مليون فلسطينيّ من الضفة الغربيّة (يشمل شرقي القدس)، وقطاع غزة بذرائع مختلفة من بينها مكوثهم خارج المناطق طوال أكثر من 3 سنوات.

"سياسة التهويد"

وقال المركز، إن "إسرائيل تطبّق في جميع الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر سياسة تهويد المكان التي يوجّهها تصوّر يعتبر الأرض مورداً مخصّصاً لخدمة الجمهور اليهوديّ بشكل شبه حصريّ. ووفقاً لهذا التصوّر فإن إدارة موارد الأرض تتم بهدف تطوير وتوسيع البلدات اليهوديّة، وإقامة بلدات جديدة، وفي الوقت نفسه تجريد الفلسطينيّين من الأراضي ودحرهم إلى معازل ضيّقة ومكتظّة". 

وأضاف: "في عام 2018 جرى تكريس هذا المبدأ في قانون أساس، إسرائيل الدولة القوميّة للشعب اليهوديّ والذي ينصّ على أنّ "الدولة تعتبر تطوير الاستيطان اليهوديّ قيمة قوميّة، وسوف تعمل لأجل تشجيع وتعزيز الاستيطان وترسيخه".

وبحسب المركز، فإن إسرائيل سنّت داخل حدودها قوانين تميزية، وعلى رأسها قانون أملاك الغائبين الذي مكّنها من الاستيلاء على مساحات شاسعة كانت في أيدي الفلسطينيّين، لافتاً إلى أنه من ضمن هذه الأراضي ملايين الدونمات من البلدات المهجّرة التي طُرد سكّانها من منازلهم أو فرّوا منها في عام 1948، ومنعت إسرائيل عودتهم إليها، ليبقى في حوزة البلدات والسّلطات المحليّة الفلسطينيّة أقل من 3% من مساحتها.

وسلك النظام الإسرائيلي المبدأ نفسه بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، بحسب المركز، الذي أضاف أن "أكثر من مليوني دونم ومن ضمنها مراعٍ وأراضٍ زراعيّة نهبتها إسرائيل من الفلسطينيّين بشتّى الذرائع، وسخّرتها لأغراض عديدة ومن ضمنها إقامة وتوسيع مستوطنات، وإضافة مساحات عمرانيّة وأراضٍ زراعيّة ومناطق صناعيّة".

وكشف عن وجود 280 مستوطنة يهودية في الضفة الغربية حالياً يقيم فيها أكثر من 600 ألف يهودي.

"تجريد من الحقوق"

واستعرضت الوثيقة العديد من أشكال تقييد حرية الفلسطينيين في البناء والتنقل النشاط الاقتصادي والعمراني والاجتماعي والثقافي والسياسي. وخلصت إلى أن النظام الإسرائيليّ المسيطر على كافة المناطق بين النهر والبحر يسعى إلى تحقيق تفوّق يهوديّ في هذه المناطق.

وأوضح المركز، أنه لكي يحقق النظام الإسرائيلي هدفه بالتفوق اليهودي، "قسّم هذه الأراضي والسكّان الفلسطينيّين إلى وحدات شتّى وخصّص للفلسطينيّين في كلّ وحدة رزمة مختلفة من الحقوق، جميعها منقوصة مقارنة بالحقوق الممنوحة للمواطنين اليهود المقيمين في المناطق نفسها التي يسيطر عليها النظام، وفي إطار هذه السياسة جرى تجريد الفلسطينيّين من حقوق كثيرة، بما في ذلك حقّ تقرير المصير".

وأرجع "بتسيلم" قراره بنشر هذه الوثيقة الآن بسبب "استعداد وتحفّز ممثّلي النظام وهيئات رسميّة لتكريس مبدأ التفوّق اليهوديّ دستوريّاً، والتصريح بهذه النيات علناً، وعلى رؤوس الأشهاد"، مشيراً إلى أن ذلك تجلى في قانون الدولة القومية للشعب اليهودي، وإعلان نوايا الضم الرسمي لأجزاء من الضفة الغربيّة بعد سنين طويلة من الضمّ الفعليّ.

وينصّ قانون الأساس الجديد الذي سُنّ في عام 2018 على حقّ تقرير المصير للشعب اليهودي. وقال المركز إن القانون "يقرّر أن تمييز اليهودي عن غير اليهودي في إسرائيل والعالم كلّه، تمييزٌ أساسيّ وشرعيّ".

وأضاف: "على هذا الأساس فإنّه قانون يُبيح التمييز لمصلحة اليهود ضدّ غير اليهود، باعتباره مبدأ قانونياً ملزِماً في مجالات إقامة البلدات، والإسكان والأرض والمواطنة واللّغة والثقافة".