مذكرات خدَّام: لقاء مع الخميني وكواليس تأسيس إيران لحزب الله (الحلقة العاشرة)

time reading iconدقائق القراءة - 21
نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدّام - Getty Images
نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدّام - Getty Images
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

يكشف نائب الرئيس السوري الراحل عبدالحليم خدام، في مذكرات تنشرها "الشرق الأوسط"، تفاصيل العلاقات بين سوريا وإيران فور انتصار "الثورة" في طهران، وكيفية تأسيس "الحرس الثوري" الإيراني لجماعة "حزب الله" في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.

ويقول خدام، إن موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، كان له الدور الرئيسي في تأسيس العلاقات بين دمشق وعدد من الشخصيات الإيرانية المعارضة للشاه التي تسلمت الحكم بعد انتصار "الثورة". وكان بينهم إبراهيم يزدي الذي وجه لخدام دعوة لزيارة طهران في أغسطس 1979، لإجراء محادثات مع "المرشد" الخميني وكبار المسؤولين، لتأسيس العلاقة بين البلدين.

ويقول خدام: "في اليوم الثالث للزيارة، رافقني إبراهيم يزدي إلى قم لمقابلة الخميني. وبذلك كنت أول مسؤول سوري، بل المسؤول السوري الوحيد الذي اجتمع به"، إذ إنه "تحدث حديثاً قصيراً، لكنه كان حازماً وواضحاً"، وأكد أن "الثورة حققت انتصارها.. وطلب إليَّ نقل شكره للرئيس حافظ الأسد وتحياته له وحرصه على العلاقات المتينة مع سوريا".

ويضيف: "بعد عودتي إلى دمشق، عرضت مجريات الزيارة على الرئيس حافظ الأسد وعلى قيادة الحزب. وكانت وجهة نظري أن كل الظروف متوفرة للتعاون مع النظام الجديد في إيران رغم التناقض بين طبيعة نظامنا وطبيعة النظام الإيراني".

وعن تأسيس "حزب الله"، يقول خدام: "كان الدخول الإيراني الأوسع والفاعل إلى لبنان خلال الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في مطلع يونيو عام 1982، إذ اتخذت آنذاك القيادة الإيرانية قراراً بإرسال لواء من الحرس الثوري إلى سوريا، وذلك بالاتفاق معنا، وبالفعل فقد وصل لواء الحرس الإيراني خلال أيام قليلة من بدء القتال، وتوجه القسم الأكبر منه إلى لبنان إلى منطقة بعلبك الهرمل.. لتشكيل حزب الله، وتنظيم عملية المقاومة الإسلامية ودعمها وتدريبها".

التقارب الإيراني السوري

ويتابع: "كانت البدايات الأولى للعلاقات بين سوريا وقيادة الثورة في إيران، عبر المعارضة الإيرانية لنظام الشاه التي أقمنا مع بعض فصائلها علاقات جيدة، وكان للسيد موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الدور الرئيسي في تلك العلاقات عبر (حزب تحرير إيران)، الذي كان من أبرز قياداته السادة: مهدي بازركان، والدكتور إبراهيم يزدي، وصادق طبطبائي، وصادق قطب زاده، ومصطفى شمران".

وبعد نجاح  "الثورة" أصبح مهدي بازركان رئيساً للوزراء في إيران، وصادق طبطبائي نائباً لرئيس الوزراء، وإبراهيم يزدي وزيراً للخارجية، وخلفه بعد استقالته صادق قطب زاده، وتولى مصطفى شمران وزارة الدفاع.

استقبلنا نجاح "الثورة" بقيادة الخميني بسرور كبير وتفاؤل عميق في وقت كانت ترزح المنطقة تحت ضغط الانقسامات العربية والاعتداءات الإسرائيلية. بادر الرئيس حافظ الأسد بإرسال رسالة تهنئة حارة إلى الخميني، أكد فيها حرص سوريا على التعاون الشامل مع إيران، كما عبر عن ارتياح الشعب السوري لنجاح الثورة.

في مطلع أغسطس عام 1979 تلقيت دعوة من وزير خارجية إيران إبراهيم يزدي، وقد وصلت طهران في الـ15 من أغسطس، وكان في استقبالي يزدي وطبطبائي، وعدد من المسؤولين الإيرانيين.

استقبلت في المساء، السيد طبطبائي الذي كان يتميز بوعيه السياسي، إضافة إلى ثقافته الواسعة، وجمع بين الالتزام الديني والعقل المتحرر، وهو ابن شقيقة السيد موسى الصدر، وكان من القادة الأكثر حماساً للعلاقات مع سوريا. وما لفت نظري عندما كنت في جناحي في الفندق وفتحت التلفزيون وفاجأتني العبارة التالية والتي كانت تتكرر من وقت إلى آخر ونصها: "علموا أبناءكم العربية.."، وقد أثر ذلك في نفسي تأثيراً كبيراً.

في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي - نحو الثالثة فجراً - دخل أحد مرافقيَّ إلى غرفة نومي وأيقظني وأبلغني أن الشيخ محمد منتظري ومعه مجموعة يريدون اللقاء معي، استغربت أن تكون الزيارة في هذا الوقت ومن دون طلب موعد، فطلبت من المرافق إدخالهم إلى غرفة الاستقبال بينما أرتدي ثيابي. كان منتظري شابّاً متحمساً لـ"الثورة" وبدأ حديثه بالحملة على حزب "البعث" وعلى "البعثيين"، وأخذ يكيل التهم لبعض "البعثيين" القياديين في العراق، ثم استرسل في شرح أهداف "الثورة" التي ستغير العالم. وكان عليَّ أن أسمع لأني أدركت أن الحوار معه غير مُجدٍ، وبعد نحو ساعتين طلب أن نُصلي صلاة الفجر، وكان له ما أراد وغادر مع شروق الشمس.

في الساعة الحادية عشرة توجهت للقاء الدكتور مهدي بازركان رئيس مجلس الوزراء، وكان حاضراً يزدي وزير الخارجية، وطبطبائي نائب رئيس الوزراء، وتحدث بازركان عن أهداف الثورة وعن الإجماع الشعبي لتأييدها، وكان يتحدث بثقة وحرارة، ثم تناول الحديث العلاقات السورية - الإيرانية، فأكد أن "الثورة" في إيران ستعمل على بناء علاقات قوية مع سوريا الشقيقة.

أخذت الحديث وهنأتهم بنجاح "الثورة" باسم القيادة السورية. كما تحدثت عن الآمال الكبرى التي نعلقها على نجاحها في نقل إيران من مرحلة إلى مرحلة جديدة يتكامل فيها التعاون العربي - الإيراني.

حدثني عن رؤيتهم للقضية الفلسطينية وتصميمهم على تبني هذه القضية باعتبارها قضية المسلمين الأولى. وتحدثت عن الأهداف المشتركة في مقاومة الحركة الصهيونية وإسرائيل وفي مواجهة الإمبريالية الأميركية والأطماع الأجنبية، وكانت وجهات نظرنا متفقة تماماً.

ومن الجدير بالذكر أن السادة: بازركان رئيس الحكومة، وطبطبائي نائب رئيس مجلس الوزراء، ويزدي وزير الخارجية، وشمران، وحسن حبيبي، وصادق قطب زاده، كانوا من "حزب تحرير إيران" الذي كان يرأسه السيد مهدي بازركان، وكان السيد موسى الصدر الأب الروحي لذلك الحزب.

شارك يزدي وطبطبائي في الحديث، وكانت أحاديثهم بنفس الاتجاه، وركز الجميع على أهمية تنمية العلاقات بين "الثورة" في إيران وسوريا، وأن يكون التعاون وثيقاً ضد إسرائيل والإمبريالية الأميركية.

اللقاء مع الخميني

هذا وكنت في الساعة الثامنة صباحاً توجهت إلى وزارة الخارجية لإجراء محادثات مع يزدي، وعندما دخلنا قاعة الاجتماعات فوجئت بوجود عدد من موظفي الوزارة. عبرت عن ارتياح الشعب السوري والقيادة في سورية لنجاح "الثورة" في إيران، والتي تعتبر تحولاً عميقاً في مسار الأحداث في المنطقة، وركزت على أهمية التعاون بين سوريا و"الثورة" في إيران، كما ركزت على الأهداف المشتركة بين الجانبين.

تحدَّث يزدي عن "الثورة" وعن أهدافها الرئيسية، ووضع في المقدمة تحرير فلسطين ومواجهة الاستكبار العالمي، وأكد أن التعاون بين "الثورة" وسوريا ستكون له نتائج مثمرة بالنسبة للشعبين وللمسلمين.

اتفقنا على تنمية العلاقات واستمرار التشاور بين الدولتين، والتعاون في جميع المجالات، وتنسيق الجهود والمواقف باتجاه مجمل القضايا التي تهمنا، وفي اليوم الثاني شاركت في صلاة الجمعة في جامعة طهران بمناسبة يوم القدس، وكانت الصلاة والاحتفال بالمناسبة لافتين للنظر من حيث حجم المشاركين الذين تجاوزوا بضع مئات الألوف والهتافات للقدس و"الموت لإسرائيل".

كان مشهداً رائعاً أن ترى مئات الألوف يؤدون صلاة الجماعة، ويهتفون من أعماقهم لفلسطين. في تلك المناسبة ألقيت خطاباً عبرت فيه عن موقفنا من القضية الفلسطينية عامة ومن القدس بصورة خاصة، ووجهت التحية لـ "الثورة" في إيران ولقائدها الخميني، وتمنيت النجاح للثورة لتحقيق أهدافها.

وفي اليوم الثالث للزيارة، رافقني إبراهيم يزدي إلى قم لمقابلة الخميني. وبذلك كنت أول مسؤول سوري، بل المسؤول السوري الوحيد الذي اجتمع به، وصلنا ظهراً وتوجهنا إلى منزل قائد "الثورة" في حي شعبي، ودخلنا منزلاً بسيطاً في ذلك الحي.

وفي مدخل المنزل، غرفة صغيرة فيها مكتب وطاولة يجلس عليها شيخ، وبعد أن سلمنا عليه دخلنا إلى غرفة ثانية صغيرة طولها لا يتجاوز المترين ونصف المتر، وعرضها كذلك، وعلى أرضها بساط عادي. وكان الخميني جالساً فنهض لاستقبالنا، كان الرجل يجلس على الأرض، وكذلك فعلنا، كان يستمع إلى محدثيه من العرب باللغة العربية، ويجيبهم باللغة الفارسية. 

بعد تبادل التحيات رحَّب بي وقدمت له التهاني باسم سوريا والرئيس حافظ الأسد بنجاح "الثورة" بقيادته، وعبرت عن الآمال الكبرى التي نعلقها على نجاح  "الثورة"، ولا سيما في مواجهة العدوان الصهيوني، كما نقلت له تحيات الرئيس حافظ الأسد، وأكدت له أن الشعب السوري حريص على أوثق العلاقات مع إيران، ونحن نقدر حجم التطور الهائل الذي ستطلقه الثورة في الوقت الذي نواجه فيه العدوان الصهيوني والضغوط الأميركية.

تحدث الخميني حديثاً قصيراً، لكنه كان حازماً وواضحاً، وأكد أن "الثورة" حققت انتصارها على الطاغوت والظلم اعتماداً على الشعب، وأن  "الثورة" ستكون مع المظلومين والمحرومين، وأنها ستقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وستواجه قوى الاستكبار العالمي، وأن المسلمين سينتصرون على الظلم والعدوان والقهر. طلب إليَّ نقل شكره للرئيس حافظ الأسد، وتحياته له وحرصه على العلاقات المتينة مع سوريا.

كانت المقابلة قصيرة ورمزية، لكنها كانت بالغة الأهمية من حيث معرفتي تصميم الرجل الذي لمسته لدى كل عبارة كان ينطق بها، كان واثقاً بالنفس، وواثقاً بالنصر النهائي لثورته.

لم يكن النظام الإيراني الجديد نظاماً شموليّاً بمعنى الكلمة، ففيه من الشمولية مركزية القرار عند قائد "الثورة". ولم يكن نظاماً ديمقراطيّاً، وفيه من الديمقراطية حق الاختلاف في الرأي. كان الجميع يتكلم بحُرية، ولكن في إطار أهداف الثورة، يختلفون في التفسير ولكنهم موحَّدون في الموقف.

تحالف دمشق - طهران

بعد عودتي إلى دمشق، عرضت مجريات الزيارة على الرئيس حافظ وعلى قيادة الحزب. وكانت وجهة نظري أن كل الظروف متوفرة للتعاون مع النظام الجديد في إيران رغم التناقض بين طبيعة نظامنا وطبيعة النظام الإسلامي في إيران، ذلك لأن كل مرحلة لها ظروفها ومتطلباتها، وما يصلح في مرحلة قد لا يصلح في مرحلة أخرى.

في تلك المرحلة كانت الخلافات عميقة بين القيادتين السورية والمصرية بسبب توقيع معاهدة الصلح مع إسرائيل، كما كانت العلاقات السورية - العراقية في أسوأ حالاتها، إضافة إلى توتر الوضع في لبنان مع الجبهة اللبنانية من جهة، ومع منظمة التحرير الفلسطينية من جهة ثانية، ومع إسرائيل من جهة ثالثة.

في تلك المرحلة أخذنا خيارين أساسيين كان لهما دور كبير في تحديد مسار السياسة السورية: الأول توقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتي، والخيار الثاني إقامة تحالف مع إيران. لقد وفَّر خيار التوقيع على معاهدة الصداقة مع السوفييت دعماً سوفييتياً عسكرياً وسياسياً يحد من إمكانية تعرض سورية لعدوان إسرائيلي بسبب الالتزامات السوفييتية بموجب المعاهدة. ورغم أن إيران كانت في حالة حرب مع العراق كانت ثقتنا كبيرة بأن إيران تُشكل حليفاً قوياً لنا، وفي هذا التحالف مصلحة وطنية (...).

كانت اللقاءات تجري بنشاط بين القيادتين في البلدين، سواء في دمشق أو في طهران، لمناقشة كل الأوضاع والتطورات وتحديد المواقف منها.

ومع قيام هذا التحالف لم تتوقف بعض أطراف الدول العربية عن الضغط على سوريا من أجل المصالحة مع العراق وتجميد العلاقات مع إيران، غير أن تلك الضغوط لم تنجح في تحقيق أي اختراق جدِّي رغم اللقاءات المتعددة التي جرت بين مسؤولين سوريين وعراقيين، بما فيها لقاءات بين الرئيس حافظ الأسد ونظيره صدَّام حسين.

كان الجانب السوري متمسكاً بالتحالف مع إيران، مدركاً أن سقوط هذا التحالف سيزيد من الضغوط عليه من جهة، ومن جهة ثانية ستتسع ساحة الصراع المسلح بين إيران والدول العربية، ما كان من الممكن أن يدفع دولاً أجنبية للتدخل، وهذا أمر كان بالغ الخطورة بالنسبة لنا (...).

وكانت الوفود بين العاصمتين تنشط، ولم يمضِ شهر واحد دون استقبال وفد إيراني في دمشق أو وفد سوري في طهران، وفي كل لقاء كان يجري نقاش معمق للأوضاع الراهنة ولوسائل العمل المشترك وللعمل السياسي في مختلف الساحات.

تحولت قضية الحرب العراقية - الإيرانية بين 1980 و1988 إلى قضية ذات اهتمام كبير لدى النظام في سوريا، كما تحولت قضية الصراع العربي - الإسرائيلي إلى قضية عقائدية في إيران، كما أن الحرص على عدم توسع الحرب وعدم استفزاز دول الخليج كان قاسماً مشتركاً في سياستي البلدين رغم حدوث إشكالات مقلقة بين وقت وآخر. 

شراء أسلحة لإيران

في المجال العسكري، ساعدت الحكومة السورية إيران بإقناع الاتحاد السوفييتي بالإيعاز إلى دول أوروبا الشرقية ببيع الأسلحة إلى إيران، وبالفعل فقد تم ذلك عبر سوريا؛ فكانت العقود توقَّع باسم سوريا، وكانت إيران تدفع قيمة الأسلحة التي تورد إلى مرفأ اللاذقية، ومنه بالطائرات إلى طهران، والدول التي تعاقدت على بيع الأسلحة كانت بلغاريا وتشيكسلوفاكيا بصورة خاصة. أما في ما يتعلق بأسلحة سورية فلم تقدم دمشق لطهران من أسلحة الجيش السوري أي شيء.

هواجس الأسد في لبنان

كان أكثر ما يُقلق الرئيس حافظ الأسد الخوف على النظام، وكان خوفه متقدماً على القضايا الأخرى في تلك المرحلة، بما في ذلك القضايا ذات الصلة بالوحدة الوطنية. 

من خلال هذا الخوف تأتي أهمية لبنان في عقل الرئيس حافظ الأسد، لبنان ممكن أن يكون ساحة يستخدمها أعداء سوريا، كما يمكن أن يكون ساحة يستخدمها النظام ضد أعدائه وفي تعزيز النظام وسياساته.

لم يكن في ذهنه ضم لبنان إلى سوريا أو عدم الاعتراف بشرعية الدولة اللبنانية، وإنما كان الأمر يتعلق بالإمساك في لبنان وتوجيه سياساته الخارجية، وإغلاق النوافذ أمام إسرائيل وأمام خصوم سوريا وخصوم نظامها من استخدام لبنان (...) كانت ثقته عميقة بالسيد موسى الصدر، وبعد غيابه فقد انتقلت الثقة إلى نبيه بري، أصبح السيد نبيه بري موضع الثقة رغم أن بعض القادة أمثال السيد حسين الحسيني كانوا يحملون راية السياسة السورية في لبنان.

نبيه بري وحركة أمل

أصبح بري السياسي الأبرز في طائفته، وحظي بدعم كامل سياسياً وعسكرياً، وأصبحت "حركة أمل" هي الحركة المسلحة الأكثر التصاقاً مع النظام في سوريا، وساعدناها في نزاعاتها مع حركة "المرابطون" ومع "الحزب التقدمي الاشتراكي" ومع الفلسطينيين، ثم مع "حزب الله".

لعبت "حركة أمل" دورين رئيسيين في إطار السياسة السورية: الأول في مواجهة قوى الجيش اللبناني والقوات اللبنانية، وإسقاط اتفاقية الـ17 من مايو، وساعد بدوره السيد وليد جنبلاط في الضغط العسكري على "القوات اللبنانية" في منطقتي الشوف وعالية، ما دفع الرئيس اللبناني أمين الجميل إلى القبول بتسوية أسقطت فيها اتفاقية الـ17 من مايو 1983. أما الدور الثاني، فقد كان في الجنوب وكان لـ"حركة أمل" دور رئيسي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

بداية نفوذ إيران في لبنان

لم يكن لإيران نفوذ في لبنان أو وجود سياسي أو عسكري قبل عام 1980، كان الوجود الإيراني رمزياً يتمثل بمجموعة من المعارضة الإيرانية تعمل في ظل السيد موسى الصدر، ومن بين هؤلاء: السيد مصطفى شمران والذي أصبح وزيراً للدفاع بعد انتصار "الثورة" في إيران.

كان الدخول الإيراني الأوسع والفاعل إلى لبنان خلال الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في مطلع يونيو عام 1982، إذ اتخذت آنذاك القيادة الإيرانية قراراً بإرسال لواء من الحرس الثوري إلى سوريا، وذلك بالاتفاق معنا، وبالفعل فقد وصل لواء "الحرس" الإيراني خلال أيام قليلة من بدء القتال، وتوجه القسم الأكبر منه إلى لبنان إلى منطقة بعلبك الهرمل.

هكذا بدأت مسيرة النفوذ الإيراني في لبنان، وكانت من مهام الحرس الثوري "تشكيل حزب الله، وتنظيم عملية المقاومة الإسلامية ودعمها وتدريبها، وكان التوجه الإيراني بعدم انزلاق الحزب في الحياة السياسية اللبنانية، والانصراف إلى المقاومة وإلى توسيعها وزيادة فاعليتها".

كانت المقاومة في الجنوب مُشَكَّلة من قوى مختلفة لبنانية وفلسطينية، ولكن بعد الاجتياح أصبحت "حركة أمل" هي القوة الرئيسية للمقاومة. وبدخول "حزب الله" إلى ساحة المقاومة كان ينمو الحزب ويتسع عدد عناصره على حساب "حركة أمل" التي كانت قيادتها غارقة في العمل السياسي.

ومع تمكن "حزب الله" من الإمساك في منطقة البقاع الشرقي وانضمام عناصر قيادية من "حركة أمل" لـ"حزب الله" خطا الحزب خطوات أخرى باتجاه الضاحية الجنوبية في بيروت وباتجاه الجنوب، وأصبح بفضل الدعم والمساندة الإيرانية قوةً رئيسية منافِسة لـ"حركة أمل" في الساحة الشيعية، وقد أدى ذلك إلى قتال عنيف بين الحركة والحزب، ولم يتوقف إلا بعد ممارسة ضغوط قوية سورية وإيرانية وإجراء مصالحة بين الطرفين.

"حزب الله" يزيح "أمل"

كان الموقف السوري عملياً، في مجمله يتعاطف مع "حركة أمل"، وكان الرئيس حافظ الأسد وحده يُبدي التعاطف مع "حزب الله"، و"يعطي التوجيهات لقيادة الجيش والأجهزة الأمنية في مساعدته، وقد بنى موقفه على أن الحزب أصبح قوة المقاومة الرئيسية بعد تراجع حركة أمل والأحزاب الوطنية". وبالتالي "يجب الاعتماد عليه في مقاومة إسرائيل واستنزافها. كان معظم الضباط السوريين في لبنان يتعاطفون مع أمل ولا يميلون إلى حزب الله"، باعتباره حزباً إسلاموياً، وهم، أي الضباط السوريون، "ما زالوا تحت وطأة الحوادث الدامية التي وقعت في سوريا بين الدولة وبين الإخوان".

لم يكن الرئيس حافظ الأسد قلقاً من النفوذ الإيراني، كما لم يكن في ذهنه أن تبني إيران قاعدة عسكرية وسياسية في لبنان تهدف لخدمة استراتيجيتها، وأن لديها طموحاً في التوسع الإقليمي وهي حليفة نتعاون معها في مواجهة النظام العراقي.

كانت حسابات الرئيس حافظ الأسد أن إيران في كل الظروف مضطرة لأن تكون حليفة لسوريا، وهي معادية لإسرائيل، وعلاقاتها متوترة مع الدول التي تجاورها بسبب الحرب مع العراق من جهة أو بسبب الخوف منها من جهة ثانية، لم يكن يُقلقه التمدد الإيراني في لبنان، ودائماً كان في ذهنه صدَّام حسين من جهة ولبنان من جهة ثانية، وفي المسألتين إيران هي الحليف، سواء في مواجهة إسرائيل أو في الاعتماد على الطائفة الشيعية والتي أصبحت في معظمها موالية لإيران، وموالاتها لسوريا تتعزز أو تتراجع في ضوء العلاقات بين الدولتين.

*المذكرات في جريدة الشرق الأوسط.