"السفروت".. اكتشاف نوع جديد من القوارض عاش في مصر قبل 34 مليون سنة

time reading iconدقائق القراءة - 6
اكتشاف نوع جديد من القوارض عاش في مصر قبل 34 مليون سنة - الشرق
اكتشاف نوع جديد من القوارض عاش في مصر قبل 34 مليون سنة - الشرق
القاهرة -محمد منصور

قبل نحو 54 مليون عام وخلال العصر الجيولوجي المعروف باسم "الإيوسيني"، بدأت الحرارة السطحية للأرض في الارتفاع، كان القطبان أحرّ مما هما عليه الآن، والمناخ ممطراً باستمرار.

وعندها ازدهرت الحياة على سطح كوكبنا الأزرق وانتعشت أعداد القوارض وجابت الحيتان المحيطات. في ذلك التوقيت، كانت تعيش أسلاف الحيوانات التي نعرفها اليوم في البراري والوديان. 

وانتشرت القوارض في قارة آسيا، وأثناء حدوث موجات التسونامي العملاقة، اقتلعت النباتات من جذورها، بكل ما عليها من حيوانات، وسافرت في رحلة طويلة من آسيا ركبت خلالها القوارض الجذوع وانتقلت إلى سائر أنحاء العالم.

وقبل نحو 34 مليون سنة، استوطن أحد أنواعها مصر، وتحديداً في الغابات المطيرة التي حلت محلها الآن صحراء جافة وقاسية تعرف اليوم باسم منخفض الفيوم.

بجانب حيوانات تُشبه الأفيال، وحيتان أولية، وخنازير برية، ترعرعت تلك القوارض خلال العصر الأوليجوسيني، والذي امتد من 34 مليون سنة وحتى 24 مليون سنة. إلا أن العلماء لم يعرفوا عنها الكثير. إذ ظلت تلك القوارض تُشكل لغزاً كبيراً عصياً على الحل بسبب قلة أعداد الحفريات.

 والآن تكشف دراسة جديدة نُشرت في دورية "جيه-بير" العلمية المرموقة عن نوع جديد من القوارض القزمة التي عاشت في مصر قبل 34 مليون سنة، وتعتبر الجد البعيد لمعظم القوارض التي تعيش في العالم اليوم.

وجاء الكشف على يد الباحثة المصرية شروق الأشقر، التي تعمل ضمن مجموعة "سلام" البحثية في مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة. كما ساعدها في ذلك الاكتشاف عالم الحفريات المصري الدكتور هشام سلام الذي يعمل الآن في الجامعة الأميركية بالقاهرة.

تبدأ القصة قبل نحو 60 عاماً من الآن، حين جاب علماء جامعة "دوك" الأميركية صحراء الفيوم، وجبل قطراني لجمع الحفريات. أرسلت تلك الجامعة عدداً من البعثات المتتالية، وجمعوا ما جمعوه من أحافير وعادوا إلى الولايات المتحدة الأميركية تمهيداً لتصنيف العينات وبدء العمل عليها.

وفي عام 2017 وبموجب تعاون علمي بين مختبر "سلام" وجامعة "دوك"، بدأت الأشقر في العمل على عدد من عينات الحفريات التي استخرجها الباحثون في "دوك" قبل سنوات.

تقول الأشقر لـ"الشرق"، إن عينات الحفريات "كانت هشة للغاية"، ويستحيل فصل العينة عن الطين. لذا فقد لجأ الباحثون لأسلوب جديد تماماً يُطبق في مصر لأول مرة.

وضع الباحثون عينات الحفريات تحت جهاز أشعة مقطعية، وقاموا بتصوير العينات التي شملت جمجمتين وعدداً من الفكوك السفلية والعلوية وبضع أسنان لإنتاج صور ثلاثية الأبعاد لتلك الحفريات.

ثم قاموا بإرسال الصور والأفلام للأشقر التي تقول إن تصوير العينات بتلك التقنية الثورية "ساعدها على فحص الأجزاء الصغيرة للغاية، والتي لا يزيد طولها على ملليمتر واحد بوضوح كامل وتفاصيل دقيقة ودون الخوف من تهشم العينات".

 وأثناء فحص صور الحفريات وجدت الأشقر اختلافات كبيرة في الصفات التشريحية وشكل وبنية أسنان وفكوك تلك الكائنات "بلغ طول جمجمة هذا الكائن نحو 1.5 سنتيمترات فحسب، فيما بلغ طول الأسنان نحو 1 ملليمتر فقط، وكانت هناك اختلافات تشريحية واضحة بين ذلك الكائن وبين القوارض المكتشفة".

وأجرى الفريق العلمي مقارنات تشريحية واسعة بين الحفريات المكتشفة وسائر الأنواع التي تم اكتشافها سابقاً، ليجدوا أن ذلك النوع جديد تماماً، كما أنه ينتمي لمجموعة غامضة من القوارض تُسمى "فايروكريستوميني".

والفايروكريستوميني قوارض عاشت في الكتلة الأرضية الأفروعربية. لم يُعرف منها سوى جنس واحد فقط في عام 1968.. ومنذ ذلك التوقيت وحتى الآن، لم يجد العلماء أثراً جديداً لها.

عانت تلك القوارض من التقزم الشديد. فبوزن لا يزيد على 45 جراماً، سكنت تلك الكائنات الأشجار وظلت في أسفل السلسلة الغذائية "كانت تلك الحيوانات ضعيفة لكن سريعة، تتغذى على النباتات ويتغذى عليها سائر الكائنات الأخرى"، بحسب الأشقر التي تشير إلى أن القارض المكتشف حديثاً هو الجد الأكبر لجميع القوارض الحالية التي تعيش في جنوب وغرب إفريقيا وأميركا الجنوبية أيضاً.

وتضيف الأشقر أن ذلك القارض هاجر من مصر بسبب المناخ. فحين حلت البرودة محل الطقس الاستوائي المطير، بدأت تلك القوارض في التوجه إلى غرب وجنوب إفريقيا "يرتبط هذا القارض بنوع من القوارض يُسمى الكين-رات والذي يعيش في جنوب إفريقيا، ويبلغ حجمه حجم الأرنب تقريباً، ويُشكل أحد وجبات الطعام هناك".

أطلق الباحثون في الدراسة اسم "سفروتيسس" على نوع القارض.. وهو اسم مُشتق من الكلمة العامية المصرية "سفروت"، والتي تعني صغير الحجم. فيما أطلق على جنسه اسم "قطرانيسس"، وهو مشتق من "جبل القطراني" بالفيوم والذي عُثر فيه على الحفرية.

يقول عالم الحفريات المصري هشام سلام، وهو باحث مشارك في الدراسة، إن العديد من الحفريات "لا تزال مطمورة في جميع أنحاء العالم، لا سيما الوطن العربي"، وتنتظر "من ينبش الأرض لكتابة تاريخ كائنات سادت أراضينا العربية ثم بادت"، مشيراً إلى أن الكشف الجديد "نقطة في بحر" مما يُمكن أن يظهر في المستقبل.

ويأمل سلام بأن يسهم الاكتشاف الجديد في رفع الوعي بأهمية علوم الحفريات في العالم العربي. مشيراً إلى أنه وفريقه "مستعدون لتبادل الخبرات مع جميع علماء الحفريات في الوطن العربي لاكتشاف حفريات تُنسب كُلياً للعلماء العرب".

ويقول سلام إن القارض المكتشف حديثاً يفتح الباب أمام دراسة أنواع مختلفة من الكائنات القزمة التي عاشت في عصور "لا تعترف إلا بمبدأ البقاء للأقوى"، ورغم ذلك "ازدهرت وانتشرت وتنوعت وتوسعت وغزت العالم لسبب لا يزال مجهولاً حتى الآن".