
شهدت أسعار الغاز في أوروبا ارتفاعاً قياسياً، الأربعاء، مع انخفاض شحنات الغاز الروسي عبر خط أنابيب "نورد ستريم" إلى نحو 20% من طاقته، ما يعزز خطر نقص الإمدادات في أوروبا خلال الشتاء.
وأفادت "بلومبرغ" بأن الأسعار ارتفعت بنسبة تصل إلى 14٪، مضيفة أن الأسعار الحالية أعلى بـ10 أضعاف عن المستوى المعتاد خلال هذا الوقت من العام.
وأدى الارتفاع الكبير لأسعار الغاز في شل الإنتاج الصناعي في أوروبا، وأثر على العائلات بسبب ارتفاع الفواتير، كما دفع بالتضخم إلى أعلى مستوياته منذ عقود.
وأوضحت بيانات الهيئة الألمانية المشغلة لشبكة الطاقة "جاسكاد" أن شحنات الغاز عبر "نورد ستريم" انخفضت إلى حوالى 20% من طاقته.
وقالت "جاسكاد" إن حوالى 17.3 جيجاوات/ساعة وصلت إلى ألمانيا من روسيا بين الساعة الثامنة والتاسعة بالتوقيت المحلي، (06:00 و07:00 بتوقيت جرينتش)، وذلك مقارنةً بنحو 29 جيجاوات/ساعة في المتوسط خلال الأيام الأخيرة.
في الوقت نفسه، أعلنت مجموعة إيني الإيطالية أن شركة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" أبلغتها أن شحنات الغاز ستكون محددة بـ 27 مليون متر مكعب، الأربعاء، في مقابل 34 مليونا "في الأيام الأخيرة".
وقبل الحرب في أوكرانيا، كان "نورد ستريم" ينقل حوالى 73 جيجاوات في الساعة لتزويد ألمانيا -التي تعتمد خصوصاً على الغاز الروسي- وكذلك الدول الأوروبية الأخرى عبر الخط الذي يمر تحت بحر البلطيق.
لكن الإمدادات انخفضت إلى 40% عن المعدل الطبيعي بحلول منتصف يونيو قبل إغلاق الخط بشكل كامل لمدة عشرة أيام لأعمال الصيانة السنوية بين 11 و21 يوليو.
لكن "غازبروم" أعلنت، الاثنين، أنها ستخفض إلى النصف حجم شحناتها اليومية عبر "نورد ستريم" الأربعاء، مشيرة إلى عملية صيانة لتوربين.
"عقوبات غربية"
وصرح متحدث باسم الكرملين، الثلاثاء، أن خفض السرعة يرجع إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعد غزو أوكرانيا. وأضاف: "لو لم تكن هناك هذه القيود لكان كل شيء جرى (...) في الإطار الزمني المعتاد".
لكن الأوروبيين ينفون السبب التقني ويتهمون موسكو باستخدام الغاز كسلاح اقتصادي وسياسي.
ويؤدي النزاع إلى ارتفاع أسعار الغاز الأوروبي التي سجلت، الثلاثاء، أعلى مستوى لها منذ مارس.
وفي محاولة لمنع حصول نقص هذا الشتاء، وافقت الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، على خطة تنص على قيام كل دولة "بكل ما هو ممكن" لخفض استهلاكها للغاز بين أغسطس 2022 ومارس 2023 بنسبة لا تقل عن 15% بالمقارنة مع معدل السنوات الخمس الماضية خلال الفترة نفسها.
وكانت روسيا تؤمن حوالى 40% من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز حتى العام الماضي.
تنازلات أوروبية
واتفق وزراء طاقة دول الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، أثناء اجتماع لمناقشة خطة طوارئ لمواجهة التوقف المحتمل لإمدادات الغاز الروسي، على تخفيض كل دولة استهلاك الغاز بنسبة 15%، في الفترة من 1 أغسطس المقبل إلى 31 مارس 2023، وذلك مقارنة بمتوسط الاستهلاك في السنوات الخمس الماضية.
ووصفت صحيفة "ذي إيكونوميست" البريطانية، التوافق الأوروبي على خفض الاستهلاك بأنه "تسوية تقليدية" تم التوصل إليها في مفاوضات طويلة، وأنها "تمتلئ بالإعفاءات والتنازلات".
ويرغب قادة الاتحاد الأوروبي في التأكد من أن نقص الغاز الروسي لن يؤثر على تدفئة المنازل أو يؤدي إلى إغلاق المصانع، ولكن نسب اعتماد الدول الأعضاء في الاتحاد على الغاز الروسي تتفاوت.
وتساءلت الصحيفة عما إذا كانت ألمانيا ستسمح بتدفق الغاز إلى التشيك لحماية شعبها من التجمد إذا كان ذلك على حساب استمرار غلق مصانعها، مُشيرة إلى القيود التي فرضتها ألمانيا على تصدير المعدات الطبية الوقائية في بداية جائحة فيروس كورونا في عام 2020.
وأضافت أن "انهيار التضامن الأوروبي" هو ما يريده الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
حالة ألمانية خاصة
وتمثل ألمانيا حالة غير عادية، حيث حذرتها الحكومات الأوروبية الأخرى، والمفوضية الأوروبية، والولايات المتحدة منذ أمد بعيد من الاعتماد على الغاز الروسي. ولكن إمدادات الغاز القادمة من الشرق مكنت ألمانيا من إغلاق محطة الطاقة التي تعمل بالفحم، والتخلص التدريجي من المحطات النووية.
علاوةً على ذلك، وفرت الإمدادات الروسية طاقة رخيصة لقطاع الصناعة في ألمانيا، وساعدته على الحفاظ على قدرته التنافسية. ونتيجة لذلك، كانت ألمانيا تستقبل أكثر من نصف إمداداتها من الغاز عبر خطوط أنابيب من سيبيريا قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. وتراجعت هذه النسبة إلى الثلث منذ ذلك الحين.
"ضربة خفية"
وعندما قدمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأسبوع الماضي اقتراحاً بتخفيض جميع الدول الأوروبية استهلاك الغاز بنفس النسبة، رفضت بعض الدول ذلك.
وقالت وزيرة البيئة الإسبانية تيريزا ريبيرا: "على عكس الدول الأخرى، نحن لم نعيش بما يتجاوز إمكانياتنا فيما يتعلق بالطاقة".
ووصف "ذي إيكونوميست" تصريح ريبيرا بأنه "ضربة خفية" رداً على معاملة ألمانيا لبلادها خلال أزمة اليورو منذ أكثر من 10 سنوات، عندما قال وزير المالية في هذا الوقت، فولفجانج شويبله، إن بلاده لن تنقذ أولئك الذين عاشوا بأكثر من إمكانياتهم.