لماذا فشلت أوروبا في فكّ ارتباطها بالغاز الروسي؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
محطة ضغط لشركة "غازبروم" تشكّل نقطة انطلاق لخط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" في أوست لوغا بروسيا - 28 يناير 2021 - Bloomberg
محطة ضغط لشركة "غازبروم" تشكّل نقطة انطلاق لخط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" في أوست لوغا بروسيا - 28 يناير 2021 - Bloomberg
دبي- الشرق

يعكس الغزو الروسي لأوكرانيا فشل أوروبا في الاستجابة لتحذيرات بشأن الغاز الروسي، وضرورة تقليص الاعتماد عليه في كل أنحاء القارة، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".

وذكّرت بصدمة عانتها أوروبا في يناير 2006، بعدما قطعت روسيا الغاز عن أوكرانيا، وبدأت الشركات بالإبلاغ عن انخفاض في الإمدادات عبر بلد العبور.

وبعد 16 سنة، وإثر أزمة إمداد أخرى ثم ضمّ موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية، لا يزال الاتحاد الأوروبي في الموقع ذاته إلى حد كبير، باحثاً عن وسائل لخفض الاعتماد على الغاز الروسي، ومستعداً لوقف تدفقه خلال الحرب.

وتطمح أوروبا إلى قيادة معركة عالمية لكبح الاحتباس الحراري، من خلال الابتعاد عن الوقود الأحفوري، ولكنها فشلت حتى الآن في أن تترجم ذلك إلى تقليص الاعتماد على الغاز في الاقتصاد، في أمر يمسّ روسيا أيضاً.

ويعني تضاؤل ​​إنتاج الغاز المحلي أن الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل أكبر على المورّدين الأجانب أكثر من أي وقت. وتؤمّن شركة "غازبروم" الروسية 40% على الأقل من واردات الغاز في دول التكتل. وارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 60% بالنسبة إلى ألمانيا، أبرز اقتصاد في أوروبا، في عام 2020.

"نورد ستريم"

في الوقت ذاته، أثار نفوذ سياسي متزايد اكتسبته موسكو بفضل خط أنابيب "نورد ستريم"، الذي يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق متجاوزاً أوكرانيا، مخاوف دول في أوروبا الشرقية، كانت ضمن "حلف وارسو" وباتت في الاتحاد الأوروبي. ثم مهّدت سياسة تقارب اقتصادي انتهجتها برلين مع الكرملين لتوسيع مشروع الغاز بواسطة خط أنابيب "نورد ستريم 2" الذي أوقفته ألمانيا بعد غزو القوات الروسية لأوكرانيا في 24 فبراير.

وقال مانفريد فيبر، الرئيس الألماني لـ"حزب الشعب الأوروبي"، أكبر تكتل سياسي في البرلمان الأوروبي: "رغم الإشارات التحذيرية، فشلت (سياسة) استرضاء روسيا في منع نشوب حرب في أوروبا التي كانت ساذجة جداً وركزت أكثر من اللازم على التعاون الاقتصادي" مع موسكو.

أما مفوّضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، فاعتبرت أن الوضع في الوقت الحالي لا يُقارَن بالاضطراب الذي شهدته القارة قبل 16 عاماً، لأن الاتحاد مستعد بشكل أفضل ولديه تعاون أوثق. وأقرّت في الوقت ذاته بأن الشركات الروسية "لا تزال تتمتع بحصة سوقية استثنائية في سوق الغاز الطبيعي لدينا".

اتفاق مولوتوف وريبنتروب

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن الرسائل التي وجّهها ساسة في يناير 2006 كانت واضحة بوجوب أن تنوّع أوروبا مصادر الطاقة التي تستوردها. وأضافت أن حجم التحدي ظهر بعد أشهر، إذ عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في دريسدن خلال أكتوبر، لقاءه الخامس مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في ذاك العام، وطرح رؤيته لألمانيا، وتتمثل في أن "نورد ستريم" سيحوّلها من مجرد مستهلك إلى أبرز مركز للغاز في أوروبا.

وحذّرت دول مثل بولندا التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي، في عام 2004 مع دول أخرى في الكتلة الشرقية السابقة، من استخدام روسيا للغاز كسلاح سياسي. وقارن وزير الدفاع البولندي آنذاك، رادوسلاف سيكورسكي، مشروع "نورد ستريم" الذي تجاوز الأراضي البولندية باتفاق سابق أبرمه وزير خارجية الاتحاد السوفيتي فياتشيسلاف مولوتوف مع نظيره في ألمانيا النازية يواخيم فون ريبنتروب، في 23 أغسطس 1939، الذي قسّم بولندا بين بلديهما عشية الحرب العالمية الثانية؛ ولكن زعماء فرنسا وألمانيا وإيطاليا قلّلوا من شأن تلك المخاوف.

وقبل بدء تشغيل "نورد ستريم" تحت بحر البلطيق، توقفت إمدادات الغاز الروسي إلى أوكرانيا مرة أخرى، مطلع عام 2009، في ظل نزاع آخر بشأن السعر بين كييف وموسكو.

وخُفّضت الصادرات بشكل كبير إلى دول كثيرة في الاتحاد الأوروبي، خلال درجات حرارة متدنية، ثم توقفت؛ مما قوّض سمعة أوكرانيا بوصفها دولة عبور لنحو 80% من الغاز الروسي آنذاك.

وشهد المشروع المشترك بين الشركتين الألمانيتين BASF AG وEON SE مع "غازبروم" ضخّ أول كمية من الغاز في خط الأنابيب الجديد، عام 2011. وبدأت في العام ذاته دراسات بشأن خيار إضافة "نورد ستريم 2"، علماً أن قرار ألمانيا بالتخلص تدريجاً من الطاقة النووية، بعد كارثة محطة فوكوشيما اليابانية، عزّز دور روسيا كمورّد استراتيجي للطاقة، بحسب "بلومبرغ".

بولندا والغاز الطبيعي المسال

ردّ الفعل في أوروبا الشرقية تمثل في إصرار أكبر على تنويع الإمدادات. وبدأت بولندا التي كانت تعتمد على "غازبروم" في نحو 70% من وارداتها من الغاز بتشييد محطة للغاز الطبيعي المسال، متطلعة إلى توريده من دول مثل قطر والولايات المتحدة.

وتبلغ الواردات البولندية من روسيا الآن نحو 60%، وتقترب حصة الغاز الطبيعي المسال من 25%، علماً أن عقد بولندا لاستيراد الغاز من روسيا ينتهي أواخر هذا العام، ولا تخطط وارسو لتمديده.

قال جيرزي بوزيك، وهو نائب أوروبي ورئيس وزراء سابق في بولندا: "أبرز هذا الأمر اختلافاً في الإدراك بين أوروبا الغربية والشرقية لدور روسيا ونياتها، بوصفها مورّداً أساسياً للغاز. غزو أوكرانيا أتاح لكثيرين في الغرب فتح أعينهم، فيما نال الشرق في وقت سابق مزيداً من الاستقلال، بفضل دعم مالي وتنظيمي من الاتحاد الأوروبي".

وذكرت "بلومبرغ" أن ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 فاقم الخلاف بشأن الطاقة بين بولندا وألمانيا. وأضافت أن المفوضية الأوروبية أعدّت خططاً لتنويع الإمدادات، ولكن التحدي تمثل في أن سياسة الطاقة لا تزال إلى حد كبير من صلاحية الدول الأعضاء، إذ تتمتع بحق سيادي في اتخاذ قرار بشأن اختيار مصادر الطاقة والسعي لتحقيق مصالح مختلفة.

"الخروج من مأزق ضخم"

راهن الاتحاد الأوروبي على تراكم مصادر الطاقة المتجددة وتحقيق وفر أكبر في الطاقة من أجل التخلص من الغاز الروسي. وفيما ارتفعت حصة مصادر مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن طابعها المتقطع في ظل خيارات تخزين محدودة يعني الحاجة إلى سياسة احتياطية.

وقال بيتر فيس، وهو مسؤول بارز سابق في المفوضية الأوروبية: "الإدراك المتأخر أمر رائع، لكن كان علينا جميعاً أن نتعامل مع سياسات المناخ والطاقة المتجددة والكفاءة في استخدام الطاقة بجدية أكبر بكثير مما فعلنا".

ونجحت المفوضية الأوروبية في الاتفاق على إشراف أكثر صرامة على عقود الغاز مع روسيا وقواعد عزّزت أمن إمدادات الغاز في المنطقة، إذا حدثت أزمة. ويعني اعتماد تدفقات عكسية أن الغاز الروسي قد يتدفق الآن من غرب الاتحاد إلى شرقه وخارج حدوده، إلى أوكرانيا.

ويأتي الغزو الروسي لأوكرانيا في خضم نقاش يشهده الاتحاد الأوروبي بشأن الطاقة، إذ يبحث كيفية تنفيذ هدفه المتمثل في بلوغ الحياد المناخي بحلول عام 2050، مع ارتفاع أسعار الطاقة وإغلاق المحطات النووية الألمانية، مما يزيد المخاوف بشأن أمن الطاقة، بحسب "بلومبرغ".

ونبّه وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إلى أن تقليص الاعتماد على روسيا لن يحدث بين عشية وضحاها، مضيفاً: "وضعنا أنفسنا في مأزق ضخم، ولكننا نريد الآن الخروج منه".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات