من تونس إلى كولومبيا.. اضطرابات الدول النامية تتفاقم في زمن كورونا

time reading iconدقائق القراءة - 8
متظاهرة ترفع العلم التونسي خلال احتجاجات مناهضة للحكومة أمام مقر البرلمان في العاصمة تونس - 25 يوليو 2021 - AFP
متظاهرة ترفع العلم التونسي خلال احتجاجات مناهضة للحكومة أمام مقر البرلمان في العاصمة تونس - 25 يوليو 2021 - AFP
لندن -رويترز

من تونس وجنوب إفريقيا إلى كولومبيا، تجتاح اضطرابات اجتماعية دولاً نامية، لتذكّر بتفاوت الدخل، الذي تفاقم خلال أزمة فيروس كورونا المستجد.

وفي حين استخدمت الدول المتقدمة حوافز مالية ونقدية هائلة لحماية اقتصادها ومواطنيها، منذ تفشي الجائحة مطلع العام الماضي، لا تملك الدول الفقيرة قدرات مشابهة.

وعرضت "رويترز" بعضاً من أسباب الاضطرابات المدنية، وعواقبها في العالم النامي، مشيرةً إلى تصاعد الاضطرابات، إذ يُظهر مؤشر السلام العالمي لعام 2021، الذي يصدره "معهد الاقتصاد والسلام"، أن حوادث الشغب والإضرابات العامة والتظاهرات المناهضة للحكومات في العالم، زادت بنسبة 244% عن العقد السابق.

لكن طابع هذه القلاقل تبدّل، إذ باتت التوترات تنشأ على نحو متزايد من التداعيات الاقتصادية للجائحة. وقال محررو أحدث تقرير عن المؤشر: "أفضى الضغط المتنامي، في ضوء القيود والغموض الاقتصادي المتزايد، إلى ازدياد الاضطرابات المدنية في عام 2020".

وأضاف هؤلاء أن "الظروف الاقتصادية المتغيّرة في دول كثيرة، تزيد احتمال حدوث اضطراب سياسي وتظاهرات عنيفة"، مشيرين إلى أنهم سجلوا أكثر من 5 آلاف حادث عنف مرتبط بالجائحة، بين يناير 2020 وأبريل 2021. ولا يتوقع الباحثون أن يهدأ الوضع بدرجة تذكر، في المستقبل القريب.

عامل كورونا

من الطاعون الأسود أو الدبلي في العصور الوسطى، إلى الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918، ظلّت الأوبئة تشكّل تحوّلات السياسة وتخرّب النظام الاجتماعي، وتسبّبت باضطرابات في أحيان كثيرة.

فالأوبئة تفضح عيوباً قائمة، أو تزيدها سوءاً. واكتشف باحثو صندوق النقد الدولي أن الدول التي تشهد موجات أكثر تكراراً وأشدّ حدة من الأوبئة، تعاني أيضاً مقداراً أكبر من الاضطرابات.

ورجّح فيليب باريت، وهو خبير اقتصادي لدى صندوق النقد، أن تكبح الجائحة الاضطرابات في المراحل الأولى، كما شهد العالم في العام الماضي، باستثناءات واضحة في لبنان والولايات المتحدة. أما بعد ذلك فالخطر يتزايد بشدة، بما في ذلك خطر حدوث أزمة سياسية كبرى تهدد بإسقاط حكومة، وعادة ما يحدث ذلك بعد سنتين على تفشي وباء حاد.

وتطرح تونس، التي ألحق كورونا ضرراً بالغاً باقتصادها، نفسها كنموذج واضح لذلك، إذ أقال الرئيس قيس سعيّد الحكومة الأحد الماضي، بعد احتجاجات استمرت شهوراً، في أضخم أزمة سياسية تشهدها البلاد، منذ ثورة 2011.

إصلاحات بنتائج عكسية

تكون هناك عادة علامات تحذيرية مبكرة على ازدياد الأخطار. وقال ميها هريبرنيك، من مؤسسة "فيريسك مابلكروفت" لاستشارات الأخطار، إن ارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة الإصلاحات، مثل رفع الدعم عن أسعار الغذاء والوقود، يمثّل في العادة عاملاً في ذلك.

ومن العوامل الأخرى، التخلّي عن مسائل، مثل استقلال القضاء وحرية الصحافة أو حرية التجمّع، وكلّها آليات تتيح المعارضة السلمية.

كما أن وجود فئات ضخمة مهمشة، سواء سياسية أو اجتماعية، يفاقم عواقب هذا المزيج. والأمثلة كثيرة، إذ أثار خلاف على زيادة سعر تذكرة قطارات المترو، احتجاجات في تشيلي عام 2019، علماً بأن مواطنيها كانوا يشكون من تفاوت الدخل.

وفي جنوب إفريقيا، اندلعت احتجاجات أوقعت ضحايا، هذا الشهر، بعد اعتقال الرئيس السابق جاكوب زوما. ولكن يُرجّح أنها كانت أيضاً ذروة للتوترات الناجمة عن فقدان الوظائف، بفعل توقف النشاطات الاقتصادية نتيجة كورونا.

وقال هريبرنيك: "الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات، هي غالباً القشة التي قصمت ظهر البعير، ويستحيل التكهّن بها".

تداعيات اقتصادية

تتوقف التداعيات الاقتصادية على العوامل المحرّكة وظروف كل دولة. وفي أحيان كثيرة يكون للاحتجاجات المرتبطة بالسياسة أو الانتخابات، تأثير ضئيل.

وأظهرت حسابات باحثي صندوق النقد الدولي أن التظاهرات التي تلت انتخاب إنريكه بينيا نييتو رئيساً للمكسيك، في عام 2012، أو انتخابات الرئاسة في تشيلي عام 2013، أدت إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بواقع 0.2 نقطة مئوية، بعد 6 أشهر.

لكن الصندوق أعلن أن الانكماش يكون أكثر حدة في أحيان كثيرة، إذا كانت الاضطرابات مدفوعة بمخاوف اجتماعية واقتصادية. واستشهد في ذلك باحتجاجات هونغ كونغ في عام 2019، واضطرابات "السترات الصفراء" في فرنسا عام 2018.

ويقدّر الصندوق أن الاضطرابات في هاتين الحالتين خفضتا نقطة مئوية كاملة، من الناتج المحلي الإجمالي. وقال متوديغ هاغي فاسكوف من صندوق النقد: "للتظاهرات الناتجة عن مزيج من العوامل الاجتماعية الاقتصادية، والعوامل السياسية، عكس ما شهدناه في تونس وتايلاند في وقت سابق هذا العام، تأثير أكبر".

وتتضاعف التداعيات بفعل ضعف المؤسسات ومحدودية السياسات، ويعني ذلك أن الدول التي تقوم على أسس ضعيفة قبل الجائحة، ستعاني أشدّ من غيرها إذا تحوّل الاستياء الاجتماعي إلى اضطرابات.

انعكاس على أسواق الأسهم

يقدّر صندوق النقد الدولي أن أسواق الأسهم في الدول ذات الحكم الاستبدادي، تعاني أكثر من غيرها خلال الاحتجاجات، إذ تنخفض هذه الأسواق بنسبة 2% خلال 3 أيام من اندلاع الأحداث، و4% في الشهر التالي.

وتراجعت سندات تونس بالدولار بعد الأزمة السياسية الأخيرة، كما انخفض الراند، عملة جنوب إفريقيا، في الأيام التي تلت الاحتجاجات التي هزت البلاد، وتجاوزت تداعيات الاضطرابات التي شهدتها الموانئ حدودَ البلاد.

وتختار حكومات تهدئة المحتجين، من خلال توزيع منح أكبر، لكنها تواجه بعد ذلك مشكلات في تمويل عجز الموازنة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، إذ شهدت كولومبيا انخفاضاً حاداً في تصنيفها الائتماني، بعد إصلاحات ضريبية غير متقنة واحتجاجات.

ويرى يرلان سيغيكوف، الرئيس العالمي للأسواق الناشئة في مؤسسة "أموندي"، أن الأمر قد يتعلّق أحياناً بمجرد قدرة الحكومة على البقاء. وأضاف: "إذا لم يكن لدينا تماسك اجتماعي في بلد، فعلينا أن نحاول فهم الكيفية التي تنوي بها الحكومة الردّ على ذلك.. أو إذا كانت هناك قوة سياسية تتدخل لتنفيذ التغيير".