بعد ارتفاع أسعار النفط.. إيران لا تستعجل إحياء الاتفاق النووي

time reading iconدقائق القراءة - 7
فندق كوروبورج في العاصمة النمساوية فيينا حيث محادثات إحياء الاتفاق النووي مع إيران - 27 ديسمبر 2021 - AFP
فندق كوروبورج في العاصمة النمساوية فيينا حيث محادثات إحياء الاتفاق النووي مع إيران - 27 ديسمبر 2021 - AFP
واشنطن - رويترز

لا يبدو النظام الإيراني مستعجلاً لإحياء الاتفاق النووي، خلال محادثات فيينا، من أجل تخفيف العقوبات المفروضة على البلاد، بعد ارتفاع أسعار النفط منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حسبما أفادت "رويترز".

ودخلت طهران، العام الماضي، في محادثات غير مباشرة مع واشنطن، من أجل إنهاء العقوبات الأميركية، التي قلّصت الإيرادات بشدة وفاقمت الصعوبات الاقتصادية على الإيرانيين، ممّا أثار استياءً عاماً. لكن المحادثات متوقفة منذ مارس الماضي، لأسباب أهمها إصرار طهران على أن ترفع الولايات المتحدة "الحرس الثوري" الإيراني من على قائمتها للمنظمات الإرهابية في الخارج.

ورغم أن إحياء الاتفاق النووي ما زال هدفاً أساسياً، لفت مسؤولون إيرانيون إلى أن ارتفاع أسعار النفط أكسب الاقتصاد الإيراني فسحة من الوقت لالتقاط الأنفاس، ربما تستمر أشهراً، من خلال زيادة العائدات.

ونقلت "رويترز" عن مسؤول إيراني بارز قوله: "برنامجنا النووي يتقدّم كما هو مخطط له والوقت في مصلحتنا. إذا فشلت المحادثات، لن تكون نهاية العالم". وأضاف أن الاقتصاد الإيراني لا يعتمد بقوة الآن على إحياء الاتفاق المُبرم في عام 2015، ممّا يعزّز وضع مفاوضي طهران لدى استئناف المفاوضات.

ارتفاع أسعار النفط

وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، انسحب من الاتفاق النووي في عام 2018، وأعاد فرض عقوبات خفّضت بشدة عائدات النفط التي تموّل أجهزة الدولة الإيرانية. وتراجعت صادرات النفط الإيرانية، من ذروة بلغت 2.8 مليون برميل يومياً، لتبلغ 200 ألف برميل في اليوم.

وبعد سنة على انسحاب واشنطن من الاتفاق، أقدمت طهران على انتهاك تدريجي للقيود التي يتضمّنها، وزادت مخزونها من اليورانيوم المخصب، بنسب بلغت أحياناً 60%، وسرّعت تركيب أجهزة طرد مركزي متطوّرة، ممّا قلّل الوقت الذي يتطلّبه تطوير قنبلة نووية، إذا قررت ذلك، بحسب "رويترز".

ونقلت الوكالة عن مسؤول في قطاع النفط الإيراني، أن بلاده تصدّر الآن نحو 1.5 مليون برميل يومياً، أغلبها يذهب إلى الصين، بخصم ضخم رفضت السلطات الإيرانية الإفصاح عنه.

وما زالت أسعار النفط العالمية مرتفعة، إذ وصل سعر خام برنت إلى 139 دولاراً للبرميل في مارس، وهذا أعلى مستوياته منذ عام 2008، بعدما فاقم غزو أوكرانيا مخاوف مرتبطة بنقص الإمدادات.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية في مارس، أن مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) رفع تقديره للحدّ الأقصى لصادرات النفط والمكثفات في الموازنة العامة، من 1.2 مليون برميل يومياً بسعر 60 دولاراً للبرميل، إلى 1.5 مليون برميل يومياً بسعر 70 دولاراً للبرميل.

"مبالغة إيرانية"

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، الأربعاء، إن إحياء الاتفاق النووي ليس واضحاً، مشيراً إلى أن واشنطن تستعدّ لأيّ من الاحتمالين. جاء ذلك بعدما أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أنها لا تعتزم الاستجابة لطلب طهران بإلغاء تصنيف "الحرس الثوري" منظمة إرهابية، وإن لم تستبعد الفكرة تماماً.

وأشارت "رويترز" إلى أن السلطات الإيرانية لم تكترث للضغوط الأميركية، مذكّرة بأنها باتت ضليعة في الالتفاف على العقوبات المفروضة على طهران.

وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إن الاقتصاد الإيراني تكيّف مع العقوبات في السنوات الماضية. وأضاف أن "ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج النفطي لإيران، ساهما في زيادة العائدات".

لكن هنري روم، محلل الشؤون الإيرانية في مجموعة أوراسيا الاستشارية، اعتبر أن طهران تقلّل من شأن تأثير تخفيف العقوبات، وتبالغ في تقدير قدرتها على التحمّل على المدى البعيد. وقال: "حكام إيران يأخذون في الاعتبار على الأرجح أداء أكثر قوة للاقتصاد المحلي، ومحدودية قدرة الولايات المتحدة على تطبيق العقوبات النفطية، وتشتت انتباه أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا، كأسباب لعدم التعجّل للتوصّل لاتفاق. لكنهم مستعدون لقبول اتفاق بالثمن المناسب".

تضخم وبطالة

ورغم الزيادة الأخيرة في الإيرادات، ما زال للعقوبات تأثير ضخم في الحياة اليومية بإيران، ممّا يعني أن الجميع يواجهون ارتفاعاً في معدلات التضخم وتراجعاً في قيمة العملة وزيادة في معدلات البطالة. لذلك قد يشعر الحكام بقلق من مشاعر استياء في الداخل، بحسب مسؤول سابق في الحكومة الإيرانية، مضيفاً أن الشعور بمزايا ارتفاع عائدات النفط، ليس محسوساً بعد لدى كثيرين في البلاد.

واعتبرت "رويترز" أن حكام إيران يفضلون في نهاية المطاف رفع العقوبات، خشية عودة الاضطرابات لدى محدودي الدخل، الذين ذكّرت احتجاجاتهم المتكرّرة في السنوات الأخيرة، المسؤولين بما قد يواجهونه من خطر نتيجة استياء الشعب من الصعوبات الاقتصادية.

وقال المحلل الإيراني، سعيد ليلاز، إن المشكلات الاقتصادية الداخلية في البلاد، بما في ذلك سوء الإدارة والفساد اللذان يبدّدان العائدات المطلوبة للاستثمار والتنمية وتأمين فرص عمل، تشكّل تحدياً أكبر من العقوبات، بالنسبة إلى النظام.

"قنبلة موقوتة"

ويبلغ معدل التضخم الرسمي نحو 40%، فيما يقدّره آخرون بأكثر من 50%. كما أن حوالي نصف سكان إيران، البالغ عددهم نحو 82 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر. وتشير تقديرات غير رسمية، إلى أن معدل البطالة أعلى بكثير من المعدل الرسمي، البالغ 11%.

ونقلت "رويترز" عن ألكس فاتانكا، مدير البرنامج الإيراني في معهد الشرق الأوسط، قوله: "تشير كل المؤشرات الاقتصادية إلى تدهور الواقع الاقتصادي في إيران. وليس من قبيل المبالغة القول بأن إيران تجلس على قنبلة موقوتة".

وأشارت الوكالة إلى ارتفاع يومي لأسعار مواد أساسية، مثل الخبز واللحم والأرز. كما أن وسائل إعلام رسمية تعلن غالباً تسريح موظفين، وإضرابات ينفذها عمال لم يتقاضوا أجورهم منذ شهور، بما في ذلك في مصانع حكومية.

وبات امتلاك منزل في طهران مستحيلاً بالنسبة إلى كثيرين، إذ ارتفعت الأسعار في الأشهر الأخيرة بنحو 50% في بعض المناطق، علماً أن قيمة العملة تراجعت بأكثر من 70% في مقابل الدولار، منذ عام 2018. وسأل محسن صديقي، وهو مدرّس يقيم في طهران: "أين تذهب عائدات النفط؟ لماذا لا نشعر بأيّ تحسن؟".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات