لماذا يصيب سرطان الرئة غير المدخنين؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
مدخّن يشعل سيجارة قرب زميله غبر المدخّن في العاصمة الصينية بكين- 11 مايو 2015 - REUTERS
مدخّن يشعل سيجارة قرب زميله غبر المدخّن في العاصمة الصينية بكين- 11 مايو 2015 - REUTERS
القاهرة-محمد منصور

وجد التحليل الجيني لسرطان الرئة لدى الأشخاص الذين ليس لديهم تاريخ مع التدخين، أن غالبية هذه الأورام تنشأ من تراكم الطفرات التي تسببها العمليات الطبيعية في الجسم. 

وأجرى هذه الدراسة فريق دولي بقيادة باحثين في المعهد الأميركي للسرطان، وهي تصف للمرة الأولى 3 أنواع فرعية جزيئية من سرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يدخنوا مطلقاً. 

وستساعد هذه النتائج التي نُشرت الاثنين، في دورية "نيتشر: جيناتكس"، في كشف الغموض الذي يكتنف كيفية ظهور سرطان الرئة لدى الأشخاص الذين ليس لديهم تاريخ في التدخين، وقد تساعد على تطوير علاجات إكلينيكية أكثر دقة. 

وقالت الباحثة في المعهد الأميركي للسرطان ماريا تيريزا لاندي، وهي المؤلفة الرئيسية لتلك الدراسة، إن هناك أنواعاً فرعية فريدة من سرطان الرئة لوحظت لدى غير المدخنين، مؤكدة أن تلك الأنواع لها خصائص جزيئية متميزة وتطورت في الجسم بطريقة مختلفة عن سرطانات الرئة التي تُصيب المدخنين. 

عوامل الإصابة 

يُعدّ سرطان الرئة السبب الرئيسي للوفيات المرتبطة بالسرطان في كافة أنحاء العالم. وكل عام يتم تشخيص أكثر من مليوني شخص حول العالم بهذا المرض، ومعظم الأشخاص المصابين بسرطان الرئة لديهم تاريخ من تدخين التبغ، لكن 10٪ إلى 20٪ من المصابين بسرطان الرئة لم يدخنوا أبداً. 

ويحدث سرطان الرئة لدى غير المدخنين بشكل متكرر عند النساء وفي سن مبكرة، أكثر من سرطان الرئة لدى المدخنين. 

وتشمل عوامل الخطر البيئية للإصابة بسرطان الرئة عند غير المدخنين، التعرض لدخان التبغ غير المباشر، وغاز الرادون، وتلوث الهواء، والأسبستوس، أو الإصابة بأمراض الرئة السابقة.

وتفسر تلك العوامل بعض سرطانات الرئة بين الذين لم يدخنوا أبداً، لكن العلماء لا يزالون لا يعرفون ما الذي يسبب غالبية هذه السرطانات. 

درس "التواقيع الطفرية"

في هذه الدراسة الكبيرة، استخدم الباحثون تسلسل الجينوم الكامل لتوصيف التغيرات الجينية في أنسجة الورم والأنسجة الطبيعية المتطابقة من 232 شخصاً لم يدخنوا أبداً، معظمهم من أصل أوروبي، وتم تشخيصهم بسرطان الرئة ذو الخلايا غير الصغيرة. 

وتضمنت الأورام 189 شخصاً مصاباً بسرطان الرئة الغدي (أكثر أنواع سرطان الرئة شيوعاً)، و36 شخصاً مصاباً بسرطان الرئة غير الغدي، و7 أشخاص مُصابين بأورام أخرى من أنواع مختلفة. ولم يخضع المرضى بعد لعلاج السرطان.

وقام الباحثون بتمشيط جينومات الورم بحثاً عن "تواقيع طفرية" وهي أنماط من الطفرات المرتبطة بعمليات طفرة محددة، مثل الضرر الناجم عن الأنشطة الطبيعية في الجسم (على سبيل المثال، إصلاح الحمض النووي الخاطئ أو الإجهاد التأكسدي) أو من التعرض لمواد مسرطنة. وتعمل التواقيع الطفرية مثل أرشيف الورم للأنشطة التي أدت إلى تراكم الطفرات، ما يوفر أدلة على سبب تطور السرطان. 

ويوجد الآن فهرس بالتوقيعات الطفرية المعروفة، على الرغم من أن بعضها ليس لها أسباب معروفة. وفي هذه الدراسة، اكتشف الباحثون أن غالبية جينومات الورم لدى الذين لم يدخنوا أبداً تحمل إشارات طفرية مرتبطة بالضرر الناتج عن العمليات الداخلية، أي العمليات الطبيعية التي تحدث داخل الجسم.

ونظراً إلى أن الدراسة اقتصرت على غير المدخنين، لم يجد الباحثون أي إشارات طفرية مرتبطة سابقاً بالتعرض المباشر لتدخين التبغ.

كما أنهم لم يعثروا على تلك التوقيعات من بين 62 مريضاً تعرضوا لدخان التبغ غير المباشر. ومع ذلك، حذرت الباحثة لاندي من أن حجم العينة صغير ومستوى التعرض متغير بدرجة كبيرة.

وقالت: "نحن بحاجة إلى حجم عينة أكبر مع معلومات مفصلة عن التعرض لدراسة تأثير تدخين التبغ غير المباشر على تطور سرطان الرئة لدى غير المدخنين". 

3 أنواع جديدة 

التحليلات الجينومية كشفت أيضاً عن 3 أنواع فرعية جديدة من سرطان الرئة لدى هؤلاء الذين لم يدخنوا مطلقاً.

ويرتبط أحد الأنواع بتنشيط الخلايا السلفية التي تشارك في تكوين خلايا جديدة. وينمو هذا النوع الفرعي من الورم ببطء شديد، على مدى سنوات عدة، ويصعب علاجه لأنه يمكن أن تكون له العديد من الطفرات المختلفة التي أدت إلى ظهور الورم. 

فيما يحتوي النوع الفرعي الثاني على تغيرات صبغية محددة، إضافة إلى طفرات في جين مستقبل عامل النمو المعروف باسم EGFR، والذي يتغير بشكل شائع في سرطان الرئة، ويظهر ذلك النوع نمواً أسرع للورم. 

فيما أظهر النوع الفرعي الثالث تغييراً جينومياً غالباً ما يُرى في سرطانات الرئة لدى المدخنين. وينمو هذا النوع الفرعي من الورم بسرعة كبيرة أيضاً. 

وتقول لاندي إن الفريق بدأ في التمييز بين الأنواع الفرعية التي يمكن أن تكون لها مناهج مختلفة للوقاية والعلاج. على سبيل المثال، يمكن للنوع الفرعي الأول بطيء النمو أن يمنح الأطباء فرصة لاكتشاف هذه الأورام في وقت مبكر عندما يكون علاجها أقل صعوبة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن النوعين الفرعيين الآخرين ليس لهما سوى عدد قليل من الطفرات الرئيسية المحركة، ما يشير إلى أنه يمكن التعرف على هذه الأورام من خلال خزعة واحدة ويمكن أن تستفيد من العلاجات المستهدفة. 

دراسات لاحقة

ويقول الباحثون إن الاتجاه المستقبلي لهذا البحث هو دراسة الأشخاص من خلفيات عرقية ومواقع جغرافية مختلفة، والذين تم وصف تاريخ تعرضهم لعوامل خطر الإصابة بسرطان الرئة بشكل جيد. 

ويُظهر هذا التحليل أن هناك عدم تجانس في سرطانات الرئة لدى غير المدخنين. ويتوقع الباحثون أن تفتح هذه النتائج الطريق أمام اكتشاف أنواع أخرى من السرطانات ذات التوقيعات الجينية المختلفة.

اقرأ أيضاً: