هل تتجه أستراليا نحو التقارب مع الصين في ظل الحكومة الجديدة؟

time reading iconدقائق القراءة - 16
أنتوني ألبانيز زعيم حزب العمال (وسط) خلال الاحتفال بنتاج الانتخابات العامة في أستراليا - 22 مايو 2015 - REUTERS
أنتوني ألبانيز زعيم حزب العمال (وسط) خلال الاحتفال بنتاج الانتخابات العامة في أستراليا - 22 مايو 2015 - REUTERS
دبي -الزبير الأنصاري

أثار قدوم حكومة أسترالية جديدة يتزعمها حزب العمال حالة من التفاؤل في الأوساط الصينية المتطلعة إلى تحسين العلاقات الأسترالية الصينية بعد عهد من الخلافات المريرة خلال حكومة الائتلاف السابقة بقيادة المحافظ سكوت موريسون.

وتوترت العلاقات بين بكين وكانبيرا في 2020 إثر انتشار جائحة كورونا، والطلب الذي رفعته أستراليا لإجراء تحقيق مستقل في أصل الفيروس، لترد بكين على هذه الخطوة بفرض رسوم جمركية على ما تبلغ قيمته 20 مليار دولار من الصادرات الأسترالية.

وتفاقم التوتر بعد ذلك مع إقصاء أستراليا شركة هواوي الصينية العملاقة من المنافسة لبناء شبكة اتصالات الجيل الخامس "5 جي"، ثم ما تلا ذلك من تحالف "أوكوس" بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا والذي حصلت بموجبه الأخيرة على صفقة لامتلاك غواصات نووية أميركية.

وجاء توقيع الصين ميثاقاً أمنياً مع جزر سليمان ليدفع بالعلاقات إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، في ظل تخوف كانبيرا من النفوذ المتزايد لبكين في منطقة المحيط الهادئ.

بداية جديدة

وفي ظل هذه التوترات التي تبنت خلالها الحكومة المحافظة السابقة مواقف متشددة تجاه الصين، بدا أنَّ قدوم حزب العمال إلى السلطة سيمثل بداية جديدة في العلاقات بين أستراليا وشريكها التجاري الأكبر، الصين. 

وخلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، عبرت مصادر دبلوماسية صينية عن "رغبة بكين الصادقة في تحسين العلاقات"، وإجراء محادثات مع الحكومة المقبلة، مشيرة إلى أنها ترى "فرصة جيدة" لتخفيف التوترات بين البلدين، وفقاً لما نقلته صحيفة "الجارديان" البريطانية.

وفي مؤشر على هذا التوجه، هنأ رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانج، الاثنين، زعيم حزب العمال أنتوني ألبانيز بمناسبة توليه رئاسة الوزراء، معتبراً أن "الجانب الصيني على أهبة الاستعداد للعمل مع الجانب الأسترالي على استعراض الماضي والنظر إلى المستقبل، والتمسك بمبدأ الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة".

تفاؤل صيني

وأظهر الإعلام الصيني، خصوصاً التابع للدولة والمقرب منها حالة من التفاؤل بما آلت إليه نتائج الانتخابات في أستراليا.

واعتبرت جريدة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" أنَّ تغير السلطة في أستراليا هو بمثابة فرصة لرئيس الوزراء الجديد لتحسين العلاقات مع الصين وتبني سلوك أقل "استفزازاً" تجاه بكين، بحسب تعبير الصحيفة التي وصفت فترة رئيس الوزراء السابق المحافظ سكوت موريسون بأنها "تميزت بالعلاقات الأسوأ مع الصين منذ عقود".

وقالت الخبيرة في الدراسات الأسترالية في معهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة جوه تشونمي إنها متفائلة بحذر بشأن تحول العلاقات في ظل حزب العمال.

وأشارت في تصريحات لصحيفة "تشاينا يوث ديلي" التابعة للحزب الشيوعي الصيني إلى أنَّ وصول حزب العمال إلى السلطة "سيحسن الوضع على الأقل فيما يتعلق بالدبلوماسية بين الشعبين، والتبادلات الاجتماعية"، لافتة إلى أن هذا من شأنه تحقيق بعض الإمكانات لاستعادة العلاقات بين الصين وأستراليا.

وفي الاتجاه ذاته، قال عميد كلية العلاقات الدولية في جامعة جوانجدونج للدراسات الأجنبية تشو فانجين: "إذا أظهر حزب العمال بعض الليونة والمرونة النسبية في مواقفه ونهجه تجاه بكين، فمن المرجح جداً أن يخف التوتر في العلاقات بين الصين وأستراليا في المستقبل".

العلاقات التاريخية

هذا التفاؤل الصيني بحزب العمال المنتمي ليسار الوسط، قد تكون له مسوغاته التاريخية، إذ يعتبر الحزب القوة الدافعة وراء تشكل العلاقات الصينية الأسترالية في وقت كانت فيه مثل هذه العلاقات من المحرمات السياسية وسط الاستقطاب الكبير بين الكتلتين الشيوعية والرأسمالية.

في ذروة الحرب الباردة، وتحديداً في يوليو 1971، قام زعيم حزب العمال جوف وايتلام، الذي كان حينها قائداً للمعارضة، بإجراء زيارة تاريخية إلى الصين، مصحوباً بوفد من نواب حزبه في البرلمان الأسترالي.

كانت الزيارة تاريخية سواءً في السياقين الأسترالي والغربي، إذ يعد وايتلام من أوائل الزعماء الغربيين الذين يجرون اتصالاً سياسياً رفيع المستوى خلال الحرب الباردة مع القوة الشيوعية الأكبر في العالم من حيث عدد السكان.

وقال السفير الأسترالي السابق لدى الصين ستيفن فيتزجيرالد الذي رافق وايتلام خلال الزيارة: إنَّ "هذه الزيارة لم تمهد الطريق فحسب للعلاقات الدبلوماسية واستئناف التجارة المهمة بين البلدين، وإنما غيرت أيضاً طريقة فهم الأستراليين للصين في السياسة الخارجية، وفتحت الباب أمام الدعم الشعبي للتواصل مع آسيا بناءً على أسس جديدة من المساواة والاحترام المتبادل".

ولأنَّ أستراليا كانت غارقة حينها في هواجس الحرب الباردة وتكتلاتها، فقد بدت الزيارة أشبه ما تكون بـ"مجازفة سياسية"، وتعرض وايتلام لانتقادات من الائتلاف المحافظ الحاكم بدعوى إضرار الزيارة بالتحالف مع الولايات المتحدة التي لم تكن تجمعها في ذلك الوقت علاقات دبلوماسية بالصين.

لكن هذه الانتقادات سريعاً ما ذهبت أدراج الرياح بعد ما تبين أنَّه بمجرد مغادرة وفد وايتلام الصين، قدم إليها وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كسينجر لترتيب الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون إلى الصين.

وهكذا في عام 1972، وعقب ثلاثة أسابيع فقط من تولي وايتلام رئاسة الوزراء، أبرمت حكومته اتفاقية مع الصين لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وهو ما مثل تحولاً جذرياً في مواقف أستراليا تجاه الصين، وأفسح المجال أمام الروابط الاقتصادية والسياسية لتنمو وتتطور.

واستمرت العلاقات في الازدهار، خصوصاً في ظل حكومتي حزب العمال برئاسة بوب هوك (1983-1991) وبول كيتنغ (1991-1996)، حيث تطورت العلاقات الاقتصادية لتصبح الصين شريكاً تجارياً رئيسياً لأستراليا، على الرغم من الاضطرابات التي تخللتها بسبب أحداث ميدان تينامين في الصين.

اتهامات بالاسترضاء

ومع توتر العلاقات بين الصين وأستراليا في عهد رئيس الوزراء السابق سكوت موريسون، دأب حزب العمال على انتقاد الطريقة التي تعاملت بها حكومة الائتلاف المحافظ مع بكين.

وفي يونيو الماضي، اتهم أنتوني ألبانيز -رئيس الوزراء الحالي زعيم المعارضة حينها- موريسون بتعمد تأزيم العلاقات مع بكين لتحقيق مكاسب سياسية داخلية.

وفي تصعيد للانتقادات، اعتبرت وزيرة الظل للشؤون الخارجية في حزب العمال بيني وونج أن سياسات موريسون تجاه بكين باتت تثير قلقاً عاماً من نشوب صراع مع الصين. 

وعقب توقيع الصين اتفاقها الأمني مع جزر سليمان، حمَّل حزب العمال حكومة موريسون المسؤولية، معتبراً أن الاتفاق جاء نتيجة إخفاق في السياسات، ونتيجة للتعاطي السيء مع الأوضاع في المحيط الهادئ.

وقد دفعت هذه الانتقادات المحافظين إلى اتهام العمال باسترضاء الصين، والاصطفاف معها بدلاً من حماية المصالح الوطنية لأستراليا.

وخلال الانتخابات الأخيرة، قال بيتر داتون وزير الدفاع في حكومة موريسون إنه "ليس لديه شك" في أن الحزب الشيوعي الصيني يريد أن تخسر حكومة موريسون الانتخابات، متهماً حزب العمال بأنهم سيعملون على "استرضاء" الحزب الشيوعي الصيني إذا وصلوا إلى السلطة، وهو ما أدانه حزب العمال بشدة بوصفه ترويجاً لـ"نظريات المؤامرة".

توافق في الجوهر

لكن على الرغم من هذه الانتقادات إلا أنَّ الفرق بين الجانبين فيما يتعلق بالموقف الاستراتيجي من الصين لا يتجاوز، بحسب مراقبين، "المظاهر والاعتبارات الدبلوماسية".

وخلص تقييم أجراه معهد العلاقات الأسترالية الصينية إلى اتفاق حزب العمال مع الائتلاف الحكومي السابق من حيث الجوهر في جميع القضايا الرئيسة المتعلقة بالصين، مثل الرد على العقوبات التجارية التي فرضتها بكين على أستراليا، والإنفاق الدفاعي، وتحالفي "أوكوس" و"كواد"، وتايوان، وبحر الصين الجنوبي.

ففيما يتعلق بالعقوبات التجارية، فقد وصفها كلا الطرفين بأنها "إكراه اقتصادي"، وكانا صريحين باستمرار في التعبير عن مخاوفهما بشأن العقوبات التي تفرضها الصين على الصناعات الأسترالية.

أما الإنفاق الدفاعي، فقد تعهد حزب العمال بالتمسك بالالتزام الذي أعلنت عنه الحكومة السابقة في عام 2020 والمتمثل في تخصيص 270 مليار دولار لوزارة الدفاع على مدى 10 سنوات بزيادة قدرها 70 ملياراً، كما تعهد الحزب أيضاً بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الموازنات الدفاعية، وذلك للاستجابة للتغيرات في المشهد الأمني العالمي.

وأعرب الحزب أيضاً، بحسب المعهد، دعمه القوي لمضمون الشراكة الأمنية الثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (أوكوس)، على الرغم من انتقاده لما اعتبره "اختلالات دبلوماسية" شابت الإعلان عن الشراكة.

كما أكد حزب العمال دعمه لمجموعة الحوار الأمني الرباعي (كواد) التي تتألف من أستراليا والولايات المتحدة واليابان والهند، متعهداً بمواصلة العمل معها.

ويتفق الطرفان أيضاً فيما يتعلق بالموقف من تايوان، فعلى الرغم من دعمهما الخطابي المتزايد لتايوان إلا أن أياً منهما لم يتطرق إلى التخلي عن الالتزام بسياسة الصين الواحدة، وفقاً لتقييم المعهد الأسترالي الذي خلص إلى أنَّ حزب العمال كان صريحاً في مواصلة سياسة "الغموض الاستراتيجي" حول الموقف من الدعم العسكري لتايوان في حال نشوب حرب مع الصين، والحفاظ على الوضع الراهن بما يتماشى مع موقف الولايات المتحدة.

وفيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، حيث تسعى بكين إلى فرض سيادتها على بعض الجزر هناك، فقد دعم حزب العمال مواقف الحكومة السابقة المتشددة في هذه المسألة، والمتمثلة في التأكيد على "انعدام الأساس القانوني للعديد من مطالبات بكين في المنطقة، استناداً إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار".

وتأكيداً لهذا التطابق تجاه الصين مع الحكومة السابقة، قال ألبانيز الذي بدأ مهامه الخارجية بحضور قمة مجموعة (كواد) في اليابان: إنَّ العلاقات الصينية-الأسترالية "تبقى صعبة"، مضيفاً أنَّ "الصين هي التي تغيرت وليس أستراليا، وعلى أستراليا أن تبقى على الدوام وفية لقيمها"، على حسب تعبيره.

مقاربة مختلفة

ومع هذا الاتفاق، إلا أنَّ هناك اختلافات في مقاربة بعض القضايا لا سيما النفوذ المتزايد للصين في منطقة المحيط الهادئ، فبينما ركزت حكومة موريسون على تعزيز تحالفاتها الأمنية مع مجموعتي "أوكوس" و"كواد"، يرى حزب العمال أنَّه لا بد من مقاربة أوسع تشمل أيضاً الاقتصاد والتنمية والتصدي للتغيرات المناخية.

وتعهد الحزب في برنامجه بتعزيز شراكات أستراليا في المحيط الهادئ من خلال تقديم حزمة شاملة من البرامج الجديدة لتأمين المنطقة وبناء أسرة أقوى في المحيط الهادئ، متهماً حكومة موريسون بإهمال المنطقة والحد من المساعدات التنموية المخصصة لها.

كما تعهد بزيادة المساعدة الإنمائية الأسترالية لدول المحيط الهادئ بمقدار 525 مليون دولار على مدى السنوات الأربع من 2022 إلى 2026، والعمل على إنشاء برامج خاصة لمواجهة التغير المناخي.

ويأمل الحزب من خلال هذه السياسات منع اتفاقات مستقبلية من قبيل الاتفاق بين الصين وجزر سليمان، والتي تهدد بإضعاف نفوذ أستراليا في منطقة تعد فيها اللاعب السياسي الأبرز.

دبلوماسية الشد والجذب

على مستوى التعاطي المباشر مع الصين، تعهَّد ألبانيز خلال الانتخابات بأنَّ حكومة حزب العمال "ستتعامل مع الصين بطريقة ناضجة، بدلاً من استفزازها لتسجيل بعض النقاط السياسية المحلية"، على حد تعبيره.

ويعني هذا من وجهة نظر الحزب الابتعاد عن التصعيد الخطابي الذي تميزت به حكومة موريسون في تعاطيها مع الصين.

وتوقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة موري ستيت عضو الحزب الجمهوري الدكتور إحسان الخطيب في حديثه لـ"الشرق"، أنْ تعمد حكومة حزب العمال خلال الفترة المقبلة إلى تخفيف اللهجة في التعامل مع الصين، واتباع سياسة مدفوعة بأمل أنَّ الدبلوماسية قد تغير في العلاقات.

لكن هذه الدبلوماسية قد تشوبها الكثير من التحديات التي تهدد بإعادة العلاقات إلى مربع التصعيد مرة أخرى.

من هذه التحديات، كما يشير الخطيب، الموقف من حقوق الإنسان حيث يؤكد الحزب في برنامجه الانتخابي أن التفاعل مع الصين يجب أن يكون محكوماً بمصالح أستراليا والحفاظ على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقال الخطيب: "عند الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان تأتي المشاكل مع الصين التي تعد ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية"، مضيفاً أن "تركيز حزب العمال على موضوع حقوق الإنسان في السياسة الخارجية سيزيد حتماً من التوتر مع الصين".

ويأتي أيضاً موضوع التجارة وعقوبات الصين ورسومها المفروضة على الصادرات الأسترالية ليزيد من احتمالية تأزم العلاقات.

وقال مدير برنامج الإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن تود بيليت لـ"الشرق"، إن رئيس الوزراء الجديد يتبنى موقفاً متشدداً تجاه الصين فيما يتعلَّق بالرسوم الجمركية، لافتاً إلى أن هذه القضية تمثل نقطة انطلاق لمفاوضات صعبة بين الجانبين حول تخفيض هذه الرسوم.

كما أن كون أستراليا عنصراً أساسياً في مجموعة "كواد" المكرَّسة للحد من النفوذ الصيني العسكري في منطقة آسيا-المحيط الهادئ، سيكون أيضاً بحسب، بيليت، مصدراً آخر للتوتر.

وفي ظل هذه القضايا العالقة والمتداخلة، لا يتوقع إحسان الخطيب عودة العلاقات بين البلدين إلى مسارها التقليدي في المستقبل القريب، خصوصاً في ظل الرأي الشعبي العام في أسترالياً الذي بات سلبياً أكثر تجاه الصين.

وأظهرت استطلاعات رأي تزايداً مطرداً في ارتياب الأستراليين من أنشطة الصين العسكرية، حيث رأى جميع الأستراليين تقريباً (93%) في 2021 أن الأنشطة العسكرية للصين في المنقطة لها تأثير سلبي على وجهات نظرهم بشأن الصين، وذلك بزيادة قدرها 14 نقطة عن عام 2016.

وقال الخطيب: "أعتقد أن الصين مخطئة إذا اعتبرت أن هناك تحولاً جذرياً نحوها في أستراليا، لأن المواطن الأسترالي أصبح لا يثق في الصين بعد مواقفها المتشددة التي أضرت باقتصاد بلاده وتجارتها الخارجية" على حد تعبيره.

تصنيفات