تصاعد أزمة انقطاع الكهرباء في العراق وسط مساع للحد من الاعتماد على إيران

time reading iconدقائق القراءة - 12
محطة كهرباء في مدينة السماوة جنوبي العراق - 16 يونيو 2020 - AFP
محطة كهرباء في مدينة السماوة جنوبي العراق - 16 يونيو 2020 - AFP
دبي -الزبير الأنصاري

خرج مئات العراقيين إلى الشوارع، تنديداً بانقطاع الكهرباء، في حين استقال وزير الكهرباء ماجد حنتوش، في الوقت الذي شكل فيه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خلية أزمة، بعدما وجّه بإقالة ومعاقبة عدد من المسؤولين بسبب التقصير في أداء واجباتهم.

التطورات الأخيرة صاحبتها عمليات تفجير لأبراج الطاقة واستهداف لأخرى، بالتزامن مع قطع إيران لإمدادات الغاز والكهرباء، التي يعتمد عليها العراق، لمدة يومين، ما تسبب في واحدة من أسوأ أزمات انقطاعات الكهرباء في 30 عاماً مضت، وسط ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة وصل إلى 52 درجة مئوية.

لا يعد انقطاع الكهرباء بشكل عام في العراق حدثاً فريداً، إذ يعاني هذا القطاع منذ تدميره بشكل كامل خلال حرب الخليج الثانية "عاصفة الصحراء" في عام 1991، والعقوبات التي فرضت على بغداد بعد ذلك، وسط عجز الحكومات المتعاقبة على حل الملف، رغم إنفاق أكثر من 80 مليار دولار على القطاع منذ عام 2003 والغزو الأميركي للبلاد، وفقاً لتصريحات وزير الكهرباء المستقيل في لقاء متلفز. 

ولكن انقطاعات الكهرباء الأخيرة كانت حدثاً بكل المقاييس، إذ غرق البلد في الظلام، يوم الجمعة الماضي، وذلك بسبب "خلل تقني" أدى إلى توقف المحطات الكهربائية بشكل كامل، ما دفع العراقيين إلى النزول للشوارع للتنديد بما آلت إليه الأمور في هذا القطاع. 

ولعل الكثير من الأسباب يمكن أن تضاف إلى القطاع المترهل في تبرير الحادثة الأخيرة، ويمكن الجزم أن ارتفاع درجات الحرارة في مقدمة هذه الأسباب، نظراً لما يترافق معه من ارتفاع في الاستهلاك، لا يصاحبه زيادة في الإنتاج. ولكن هذا طبعاً ليس السبب الوحيد. 

تفاوت بين الاستهلاك والإنتاج

وفقاً لتصريحات سابقة لوزير الكهرباء المستقيل، فقد بلغ إنتاج العراق من الكهرباء نحو 16 ألف ميغاوات، مرتفعاً 4 آلاف ميغاوات عن العام السابق، فيما يبلغ الاستهلاك اليومي للكهرباء خلال ساعات الذروة في الشتاء نحو 19 ألف ميغاوات، في حين تنتج البلاد تنتج فقط نحو 11 ألف ميغاوات، وهو ما يعني حاجة العراق إلى الاستمرار في استيراد الكهرباء، خاصة في فترة الصيف عندما زيادة الاستهلاك. 

مع كل أزمة لانقطاع الكهرباء في العراق، يتجدد الحديث عن الدور الإيراني في هذه الأزمة، وذلك بسبب الروابط الوثيقة التي تجمع بين البلدين في مجال الطاقة.

وأوقفت طهران في مطلع يوليو الجاري إمداداتها الحيوية من الطاقة إلى العراق، لتتفاقم بذلك أزمة الكهرباء التي يعانيها العراقيون، وذلك في ظل اعتماد العراق على الواردات الإيرانية من الغاز والكهرباء لتلبيته ثلث احتياجاته في هذا المجال.

وتوقف الإنتاج تماماً في 4 خطوط للربط الكهربائي بين إيران والعراق منذ الثلاثاء الماضي، وذلك مع بدء القطع الكامل لإمدادات الطاقة الإيرانية هذا الأسبوع، حسبما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية نقلاً عن مسؤوليين عراقيين. 

الخبير العراقي يسار المالكي من ميدل إيست إيكونوميك سيرفي، أكد أن العراق يعتمد إلى حد كبير على واردات الطاقة الإيرانية، خاصة خلال أشهر الذروة في الصيف، مشيراً إلى أن واردات الطاقة من إيران تتراوح ما بين 1.5 إلى 1.8 مليار قدم مكعب يومياً. 

وأوضح الخبير العراقي، أن تدني توليد الكهرباء في مدن الجنوب العراقي لما دون 1 غيغاوات، لا يعني فقط خروج خطوط الكهرباء من الخدمة، وإنما أيضاً انخفاض تدفقات الغاز الإيراني.

ويتدفق الغاز الإيراني إلى العراق عبر خطي أنابيب يستخدمان لتزويد محطات البصرة والسماوة والناصرية وديالا بالطاقة، لكن توليد الكهرباء في هذه المحطات تهاوى أيضاً، وهو ما يعني أن الإمدادات من إيران في هذه المحطات هي أيضاً منخفضة.

اتفاقية تصدير الكهرباء 

وكان العراق وإيران وقعا اتفاقية في يونيو 2020 لتصدير الكهرباء إلى العراق لمدة عامين، بكميات لم يتم تحديدها. 

لكن في ديسمبر الماضي خفضت إيران صادرات الغاز من 50 مليون متر مكعب في اليوم إلى 5 ملايين فقط، على خلفية مستحقات مالية غير مدفوعة، وعلى الرغم من استئناف التصدير في الأسابيع التالية إلا أن الشحنات ظلت دون المطلوب.

وأدى الخفض الإيراني حينها إلى فقدان العراق لنحو 6550 ميغاوات من الكهرباء، وكانت العاصمة بغداد وبعض المناطق المجاورة لها الأكثر تضرراً من هذا النقص في إمدادات الكهرباء.

ضغوط إيرانية

ووفقاً لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، فإن الإيقاف الأخير لإمدادات الطاقة يأتي كوسيلة من الحكومة الإيرانية التي تعاني ضائقة مالية، على بغداد للإفراج عن دفعات جديدة مقابل واردات الطاقة، مع وصول المتأخرات على الحكومة العراقية إلى نحو 6 مليارات دولا أميركي.

ويرجع التأخير في دفع هذه المستحقات جزئياً إلى الأزمة الاقتصادية في البلاد، كما أن خطة الدفع المعقدة التي تم تصميمها لتفادي العقوبات الأميركية، أدت إلى تباطؤ تحويل الأموال إلى طهران.

وكان وزير النفط الإيراني بيجن نامدار زنكنه كشف في وقت سابق، أنه حتى الآن تم تصدير نحو 27 مليار متر مكعب من الغاز إلى العراق، مشيراً إلى أن الدفع مقابل هذه الصادرات يواجه مشكلات، وذلك في إشارة إلى التعقيدات التي تفرضها العقوبات الأميركية على التعاملات المالية بين بغداد وطهران.

إعفاء أميركي

وجدَّدت الولايات المتحدة في أواخر مارس الماضي إعفاءً من العقوبات يتيح للعراق الدفع مقابل الكهرباء المستوردة من إيران، وذلك لمدة 120 يوماً فقط.

وقلَّصت الولايات المتحدة فترة الإعفاء من العقوبات لتشجيع العراق على الحد من الاعتماد على واردات الطاقة الإيرانية، وذلك نظراً للتداعيات الجيوسياسية لهذا الاعتماد.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن هذا الإعفاء، "يضمن قدرة العراق على تلبية احتياجاته من الطاقة على المدى القصير، بينما يتخذ في الوقت نفسه خطوات للحد من اعتماده على واردات الطاقة الإيرانية".

تنويع المصادر

وفي محاولة للفكاك من الاعتماد الكامل على طهران في تعويض نقص الطاقة، يسعى العراق جاهداً لتطوير موارده من الغاز الطبيعي، والكهرباء.

ووقعت بغداد العام الماضي، اتفاقيات عدة بمليارات الدولارات مع شركات لخدمات الطاقة متعددة الجنسيات، مثل "جنرال إلكتريك" الأميركية، و"سيمنز" الألمانية لتطوير البنية التحتية للطاقة المتضررة جراء عقود من الحرب والعقوبات والفساد.

وفي مارس الماضي وقع العراق اتفاقاً مبدئياً مع شركة "توتال" الفرنسية يتضمن مشاريع لتطوير حقول النفط واستخلاص الغاز ومعالجته، وإنشاء بنية تحتية كبيرة للطاقة، إضافة إلى توليد الطاقة الشمسية. فيما تشير أنباء إلى أن توتال تستثمر أكثر من 7 مليارات دولار في هذه المشاريع. 

الربط الكهربائي

ويجري العراق محادثات مع دول الخليج والأردن لاستيراد الكهرباء، لكن هذه المحادثات لم تسفر بعد عن اتفاقيات دائمة.

وألمح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، السبت الماضي، إلى الدفع باتجاه تنويع مصادر الكهرباء وتعزيز الربط مع الدول العربية المجاورة.

وقال الكاظمي خلال اجتماع طارئ لبحث الأزمة الكهربائية، "ليس من المعقول أن تكون هناك دولة لا تملك خطة استراتيجية في الكهرباء، كل دول العالم تأخذ احتياطات للكهرباء وتربط مع دول الجوار، والعراق لديه ربط فقط مع إيران".

وأضاف: "أخذنا قراراً بالربط الخليجي وكذلك الربط مع الأردن ومصر، للبحث عن بدائل في مثل هذه الأزمة"، لافتاً إلى إنجاز نسبة كبيرة في موضوع الربط الخليجي، بحيث يكون قابلاً للتطبيق في نهاية عام 2022 أو 2023.

وتشير الحكومة العراقية إلى إنجازها نحو 81% من مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج، بما يشمل إنشاء خط ربط كهربائي بطول 300 كيلو متر من محطة الزور في الكويت إلى الأراضي العراقية.

صعوبات سياسية

لكن على الرغم من مساعي الكاظمي لتعزيز الربط مع الدول العربية، والدعم الأميركي القوي لهذه المساعي، إلا أن المشروع قد يواجه صعوبات سياسية، في ظل مزاعم عن ضغوط تمارسها مجموعات موالية لإيران للحيلولة دون إتمام هذا الربط.

وأشارت وسائل إعلام محلية، نقلاً عن مسؤول رفيع لم تسمه، إلى أن هناك "ضغوطاً تمارسها قوى سياسية ومسلحة، حليفة لإيران، على الحكومة، من أجل إيقاف مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج، باعتباره سينهي حاجة العراق إلى الغاز والكهرباء الإيرانيين واللذين تصل قيمتهما سنوياً إلى ملياري دولار". 

ووفقاً لهذا المسؤول، تريد طهران "أن يبقى العراق معتمداً كلياً على استيراد الغاز والكهرباء من قبلها، إذ يعتبر مورداً مالياً ضخماً ومستقلاً من العملة الصعبة، كما أنه يعتبر ملفاً ضاغطاً على بغداد بيد طهران"، على حد تعبيره.

وقال الباحث في الشؤون العراقية بسام القزويني لـ"الشرق"، إن "هناك تعمداً لجعل العراق سوقاً لاستيراد وتسويق الغاز الإيراني في ظل عقوبات اقتصادية مستمرة منذ سنوات".

واتهم الباحث العراقي، إيران بتحريك الشارع العراقي تجاه أزمة الكهرباء للضغط على الحكومة قبيل الانتخابات العراقية.