
يستقبل السودان وفداً إسرائيلياً في الأيام المقبلة، بعد إعلان اتفاق تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، وذلك لاستكمال المحادثات ومناقشة التعاون المشترك بين الطرفين، وفقاً لما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، السبت.
ويُعد اتفاق تطبيع العلاقات بين الدولتين إنجازاً استثنائياً بالنسبة إلى إسرائيل، يتمثل في تحييد دولة تحتل مكانة جغرافية حساسة، لكونها تقع على البحر الأحمر، وتجاور مصر، فضلاً عن ضمان تعاون أمني مع الأجهزة الأمنية السودانية، لإفشال أي عمليات أو محاولات قد تستهدف أمن إسرائيل، إضافة إلى سحب السودان من المحور الإيراني.
في المقابل، تنتظر الخرطوم بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الحصول على مزايا واسعة، أبرزها المنح والقروض وإسقاط الديون بمساعدة الولايات المتحدة "راعية الاتفاق"، إضافة إلى الحصول على تكنولوجيا إسرائيلية في مجالات الزراعة، والري، والطاقة، وذلك لتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي في البلاد.
وإضافة إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول فتح التطبيع لآفاق التعاون في مجالات عدّة بين الجانبين، من بينها الزراعة والتجارة والطيران، يرصد التقرير التالي أهم "الثمار" التي يمكن أن يحصدها الطرفان من اتفاقية التطبيع المشترك.
الملف الأمني
بالنسبة إلى إسرائيل، الاتفاق مع السودان يُعد في الأساس إنجازاً تاريخياً كونه يأتي من دولة رأت في إسرائيل عبر فترات طويلة من تاريخها دولة "عدو"، حسب تصريحات نتنياهو.
ومن ناحية جغرافية، وعلى الرغم من عدم وجود حدود مشتركة بين الدولتين، فالسودان يُعد جزءاً من الاعتبارات الأمنية الاستراتيجية في إسرائيل، بسبب النشاطات المتنوعة في مناطق مجاورة أو قريبة من السودان مثل تشاد ومالي والنيجر، والتي تعتبرها إسرائيل نشاطات إرهابية أو معادية لها.
ووجود علاقات دبلوماسية وأمنية بين إسرائيل والسودان يعطي الإمكانية لمتابعة هذه النشاطات، والتدخل لوقفها عند الحاجة أو إلى إجبارها على الابتعاد إلى مناطق أكثر عمقاً داخل القارة.
قناة "سي بي إس" الأميركية، كشفت في مارس 2009، عن قصف إسرائيل في يناير من العام نفسه قافلة سيارات شحن ضمن 17 شاحنة كانت في طريقها من السودان إلى الأراضي المصرية لنقل شحنة أسلحة إلى حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة. ووفقاً للقناة قٌتِل 39 شخصاً في العملية.
وفي أكتوبر من عام 2012، كشفت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، عن أن إسرائيل هي المسؤولة عن قصف أحد مصانع الأسلحة في السودان.
وقبل 3 أيام من تاريخ نشر الخبر، ووفقاً للصحيفة، فإن "الخلية" التي اغتالت محمود المبحوح (أحد قادة حماس)، حصلت على وثائق من غرفته تكشف عن اتفاق مع إيران على إنشاء مصنع للأسلحة في السودان، يعمل على تحويل جزء أساسي من إنتاجه إلى قطاع غزة.
تحييد السودان
ومن بين الثمار التي ينتظر الجانب الإسرائيلي جنيها، سحب السودان من المحور الإيراني، ومنع استخدام الأراضي السودانية من قبل إيران لاستهداف إسرائيل ودول أخرى في المنطقة.
كما أن فتح الأجواء السودانية أمام حركة الطيران القادمة والمغادرة لإسرائيل، سيساعد في تقليل زمن الرحلات الجوية أمام الشركات الإسرائيلية والأجنبية العاملة على خطوط تل أبيب والدول الإفريقية، والأهم في ذلك هو ما بين تل أبيب ودول أميركا اللاتينية، ما سيرفع من نجاعة عمل شركات الطيران الإسرائيلية، ويخفف عملية التنقل من وإلى إسرائيل.
ملف اللاجئين
وترى إسرائيل في الاتفاق مع السودان فرصة لإغلاق ملف مهاجري العمل الأفارقة في إسرائيل. فوفقاً لمنظمات حقوقية تعمل في مجال الدفاع عن طالبي اللجوء ومهاجري العمل في إسرائيل، هناك جالية سودانية يفوق عدد أعضائها 6 آلاف سوداني، جزء كبير منهم قدِم من دارفور.
وتنظر تل أبيب إلى قضية مهاجري العمل بحساسية عالية، لأنها ربما تخلق مجموعات ديمغرافية جديدة غير يهودية داخل حدودها.
وقادت وزيرة الثقافة الإسرائيلية السابقة، قبل حين، مظاهرات في مناطق تجمّعهم في جنوب تل أبيب، بغرض تفعيل ضغط على الحكومة التي شاركت في عضويتها لطردهم من إسرائيل.
أما فتح الأسواق السودانية أمام التقنيات الإسرائيلية، وتحديداً في مجال الزراعة والتقنيات العالية، فسيساعد في توسيع سوق صادراتها من التكنولوجيا، والمعدات المتطورة، وتوسيع مجال العمل، وفتح أسواق جديدة أمام الشركات الإسرائيلية.
ثمار السودان
وترى تل أبيب أن السودان حصل على جميع امتيازات التطبيع مع إسرائيل مقدماً، وحتى قبل التوقيع على الاتفاق.
المحلل العسكري لصحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، كتب بعد الاجتماع بين عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني، ونتنياهو، في عنتيبي في فبراير الماضي: "من دون هبات وقروض لن يستطيع السودان دفع ديونه العاجلة؛ أكثر من ملياري دولار، وبالتأكيد لن يستطيع البدء في تخطيط دفعات الدين القومي التي تبلغ 60 مليار دولار، ولن يتمكن من التغلب على التضخم المالي الذي وصل إلى 60%، ولن يستطيع تخفيض معدلات البطالة العالية جداً".
"هرئيل" أوضح في مقاله: "صحيح أن البنك الدولي أبدى استعداده لمساعدة السودان في توفير الإرشاد لإقامة بنية تحتية مالية مناسبة، في مجال الصرافة، وإعادة بناء البنك المركزي، وإيجاد التوازن بين ذلك والحاجة لدعم الشرائح الاجتماعية الفقيرة، التي تشكل النسبة الكبرى من سكان السودان".
التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة، وتحديداً في مجال الزراعة يمكن أن تساعد في إحداث طفرة مستقبلية في كمية وجودة وتنوع المنتجات الزراعية مستقبلاً في السودان. غير أن الخطوة المحورية بالنسبة إلى السودان، وهي رفع اسمه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، قد تمت قبل الإعلان عن اتفاق التطبيع بين البلدين.
علاقات متجذرة
من جانبه، أوضح وزير الاستثمار السوداني الأسبق، مبارك الفاضل، القيادي بحزب الأمة القومي، في حديثه لـ"الشرق"، أن العلاقات بين السودان وإسرائيل تعود لخمسينيات القرن الماضي، عندما كانت الخرطوم تُصدّر إلى إسرائيل الحبوب والقطن.
وأضاف "الفاضل": "هناك رجال أعمال سودانيين من أصول يهودية، كان لهم نشاط تجاري بارز في ستينيات القرن الماضي، وتوقف نشاطهم نتيجة لقرار حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري، بتأميم شركاتهم عقب انقلاب 1969، وذلك بإيعاز من الحزب الشيوعي الذي كان يمثل الحاضنة السياسية للحكومة السودانية آنذاك".
احتياجات السودان
وأشار "الفاضل" إلى أن السودان يحتاج إلى دعم إسرائيل في 3 مجالات رئيسة، هي الزراعة، والري، والطاقة، لتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي في البلاد.
وأوضح وزير الاستثمار الأسبق، أن إجمالي المساحة المزروعة في السودان هي 45 مليون فدان، من إجمالي 200 مليون فدان، نتيجة لارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي نظراً لغياب التكنولوجيا.
وأكد "الفاضل" أن إسرائيل تمتلك التقنية الحديثة القادرة على توسيع مساحة الرقعة الزراعية في السودان، ما سينعكس إيجابياً على الوضع الاقتصادي للسودانيين، فعدد العاملين في المجال الزراعي يبلغ 70% من إجمالي سكان السودان.
وأشار إلى أن إسرائيل تمتلك نظام ري حديثاً قادراً على تطوير أنظمة الري في السودان التي تفتقر إلى التكنولوجيا، ما يسهم في خفض تكلفة الإنتاج.
وفيما يتعلق بقطاع الكهرباء، أوضح الفاضل أن هناك نقصاً في إمدادات الطاقة في السودان بنسبة تصل إلى 60%، ولن تحدث تنمية في البلاد من دون تطوير شبكة الطاقة.