معرض بسويسرا لـ2 من رواد فن النحت

time reading iconدقائق القراءة - 5
أحد زوار المعرض يتأمل إحدى المنحوتات - الخدمة الإعلامية للمعرض
أحد زوار المعرض يتأمل إحدى المنحوتات - الخدمة الإعلامية للمعرض
دبي-الشرق

بموازاة معرض "بيكاسو ــ رودان" المقام حالياً في العاصمة الفرنسية باريس، تنظّم "مؤسسة بييلير" الفنية في متحفها بمدينة بازل السويسرية، معرضاً حوارياً مشابهاً بعنوان "رودان ــ آرب"، يضع وجهاً لوجه، وللمرة الأولى، أعمالاً لمحدّث فن النحت في نهاية القرن الـ19، الفرنسي أوغست رودان (1840 ــ 1917)، وأخرى لأحد روّاد فن النحت التجريدي في القرن الـ20، الألماني هانز آرب (1886 ــ 1966). 

وتعكس ابتكارات "رودان" و"آرب" بطريقة نموذجية جوانب أساسية من التطوّر الذي طرأ على ممارسة فن النحت في العصر الحديث.

تجربة مثيرة

ويتبيّن من المعرض، كيف أدخل "رودان" أفكاراً وإمكانات فنية جديدة بشكل راديكالي، وكيف استثمرها "آرب" في أشكاله العضوية، مطوّراً إياها، ومعيداً تأويلها أو مناقضاً إياها، وبالتالي، وعلى الرغم من عدم وجود دليل حتى اليوم على معرفة شخصية أو لقاء بين الفنانين، إلا أنه يمكن للمتأمّل في أعمالهما أن يستشف وجود روابط قرابة فنية ومراجع مشتركة، وأيضاً اختلافات، ما يجعل من معرضهما الحالي تجربة بصرية مثيرة ومعبّرة.

مرتين، وجّه آرب تحية واضحة ومباشرة لرودان، الأولى في "منحوتة آلية ـ احتفاء برودان" عام 1938، والثانية في قصيدة "رودان" التي كتبها عام 1952 وقارن فيها منحوتات معلمه بـ"زهور شر سماوية وأرضية" وبـ"قبلات نائمة".

لكن على طول مسار المعرض، يمكن اكتشاف أعمال يبدو الاحتفاء بها أكثر بداهة، بدءاً بمنحوتة "بطليموس" (1953) التي تعانق بشكل مبلبل منحوتة رودان الشهيرة "المفكر" في بهو المعرض، مروراً بمنحوتة "امتصاص ذاتي" (1956) التي تحاور بشكل حميم منحوتة رودان "الظل" (1902 ــ 1904)، وانتهاءً بالمحفورة الخشبية التي جسد آرب فيها عاشقين ملعونين وتشكل تأويلاً طريفاً لمنحوتة رودان الأشهر، "القبلة، باولو وفرانشيسكا" (1899)، التي يتعانق فيها رجل وامرأة بولع كبير، وهي في الأصل جزء من مشروعه الضخم "باب الجحيم".

ما وراء التصويرية

ويتبين من محتويات المعرض أن الفنانين يلتقيان في ما وراء الأسلوب التصويري لـ"رودان" والأسلوب التجريدي لـ"آرب"، وأبعد من حقيقة أن الأول أضفى على منحوتاته بعداً سردياً، بينما انشغل الآخر في بحث عن تحرر شكلي.

من هنا تتجسد قيمة الجملة التي كتبها أحد أهم المتخصّصين في فن رودان، ألبير إيلسين، ونقرأها على أحد جدران المتحف: "يعود إلى آرب إنجاز في النحت روح استعارات رودان"، جملة قصد فيها أن النحات الألماني شكل في عمله خير امتداد لعمل النحات الفرنسي، ولكشف هذه الحقيقة، عمد منظمو المعرض إلى إعادة تصميم فضاءات متحف مؤسسة "بييلير" بغية إظهار الطريقة التي تملك آرب فيها رؤى رودان، وهو تملك انتهى أحياناً إلى استعادة شكل من أجل تقليصه إلى جوهره، أو استخلاص حصيلة منه، أو حتى تطويره، كما منح آرب حياة مستقلة إلى تلك الأجزاء التي تركها رودان على حالها الخام في منحوتاته.

ويسلط المعرض الضوء أيضاً، على روابط مضمون ومقاربة تصورية بين الفنانين، تظهر في استكشافهما موضوعات وجودية مشتركة، كالخلق والنمو والتحول والاضمحلال، نتجت منه أجساد بشرية وحيوانية ونباتية مقولبة بطرق جديدة كلياً، ومع أن كلاً من آرب ورودان امتلك تصوراً فريداً للطبيعة والفن، لكن المعرض يبين أن المقارنة تصلح هنا أيضاً، على مستوى السيرورة والاختبار، وأيضاً في استثمار المصادفات الطارئة خلال العمل كمبدأ فني.

اختلاف الأسلوب

لكن كل نقاط التقارب هذه لا تلغي الاختلاف في الأسلوب بين النحاتين الذي يظهر بدوره داخل المعرض، فحين نتأمل أعمال رودان الحاضرة فيه، يتبين أنه نحت الأجساد بدقة وعناية تمكننا من عد الفقرات فيها وتجعلنا لا نفاجأ إن رأينا "مفكره" يغادر ركيزته ويذهب للتأمل بعيداً بكل حرية، أو "عاشقيه" ينفصلان عن بعضهما البعض للتنزه والتحاور بسعادة في حديقة "بيروير" التابعة لمبنى مؤسسة "بييلير".

وبالتالي، فإن عمله واقعي إلى حد عرضه عام 1877 إلى اتّهام جائر بكونه لم يفعل لإنجاز منحوتة "العصر البرونزي" سوى قولبة جسد بشري حقيقي. اتّهام لا يمكن أن يتعرض له آرب الذي صفى في منحوتاته موضوعاتها إلى حد حضور طيفي.

مع ذلك، يتوجب الإقرار بأن آرب عرف، أكثر من أي فنان آخر، كيف يمسك بما يميز الجانب البشري في منحوتات رودان، أي الحركة، كما تشهد على ذلك منحوتات كثيرة له، لعل أبرزها "تقطيعات متراكبة" (1960) التي تستحضر بقوة في حركتيها، على الرغم من طابعها التجريدي الصرف، الوضعية الفخورة التي يمثل فيها الكاتب بالزاك في المنحوتة التي رصدها رودان له.

 

هذا المحتوى من "إندبندنت عربية"