كيف سيؤثر فوز شولتز في تشغيل "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا؟

time reading iconدقائق القراءة - 13
شعار مشروع "نورد ستريم 2" على لوحة في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، 1 يونيو 2017 - REUTERS
شعار مشروع "نورد ستريم 2" على لوحة في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، 1 يونيو 2017 - REUTERS
دبي – إيلي هيدموس

أثار فوز مرشح الحزب الاشتراكي، أولاف شولتز، في الانتخابات النيابية التي نظمتها ألمانيا الأحد الماضي، واحتمال تشكيله ائتلافاً حكومياً، تساؤلات بشأن موقفه من خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي سينقل غازاً روسياً إلى ألمانيا ودول أخرى في أوروبا عبر بحر البلطيق، متجاوزاً أوكرانيا وبولندا.

وفي 10 سبتمبر، أعلنت شركة الطاقة الروسية "غازبروم" استكمال تشييد خط الأنابيب رسمياً، مرجّحة تشغيله أواخر العام. ويكلّف الخط 11 مليار دولار وتعتبره إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، "مشروعاً جيوسياسياً للكرملين"، فيما تعارضه أوكرانيا بشدة، إذ ترى فيه تهديداً خطراً لأمنها القومي، علماً أنه يحرمها من عوائد مالية ضخمة.

وكانت عقوبات فرضتها الولايات المتحدة على الشركات المشاركة في تشييد الخط، جمّدت بناءه في عام 2019، لكن سفناً روسية استأنفت العمل بعد سنة. وتراجع بايدن عن العقوبات هذا العام، معتبراً أن المشروع بات "أمراً واقعاً"، لا سيّما أن الرئيس يسعى إلى تجديد علاقات بلاده مع ألمانيا، بعدما شهدت توتراً خلال عهد سلفه، دونالد ترمب.

وأثارت هذه الخطوة غضباً لدى أعضاء في الكونجرس من الحزبين، ودول في أوروبا الشرقية، حذروا من أن روسيا قد تستخدم خط الأنابيب لـ "الضغط" على أوكرانيا و"ابتزازها".

تحذير روسي

وفي محاولة لتبديد هذه المخاوف، توصّل بايدن والمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها، أنجيلا ميركل، إلى اتفاق في يوليو الماضي لاتخاذ إجراء، إذا حاولت موسكو "استخدام الطاقة كسلاح"، وإنشاء "صندوق أخضر" لمساعدة كييف على تحديث قطاع الطاقة لديها، والسعي كي تستمر روسيا في دفع نحو 3 مليارات دولار لأوكرانيا سنوياً، كرسوم لنقل الغاز.

وفي وقت لاحق، زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بايدن في البيت الأبيض، لكنه فشل في انتزاع التزامات إضافية منه.

وكان لافتاً أن صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الروسية نبّهت إلى أن الأنبوب "قد يتأثر بنتائج الانتخابات في ألمانيا، إضافة إلى العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة". وأضافت: "في حين أن هدم خط الأنابيب المُشيّد ليس ممكناً، يمكن دفنه في قضايا بمحكمة، ممّا يحدّ من نشاطاته ويعطّل عملية المصادقة" على تشغيله.

وأشارت إلى إقرار مجلس النواب الأميركي موازنة دفاعية "تتيح فرض عقوبات على الشركات والأفراد المشاركين في تشييد نورد ستريم 2 وتشغيله، ممّا قد يؤدي إلى حظر نشاطاتهم التجارية في الولايات المتحدة وتجميد أصولهم هناك". وتابعت أن ذلك "يبدو تهديداً وخطراً بالنسبة إلى الشركات الأوروبية"، مستدركة أن "تنفيذه عملياً قد يكون صعباً".

"ضمانات" من موسكو

لكن وكالة "تاس" الروسية للأنباء أفادت بأن شولتز قال، بعد يوم على فوزه في الانتخابات، إن "على جميع الأطراف أن يأخذوا في الاعتبار الضمانات المتعلّقة بتشغيل" الخط، وتتمثّل في "وجوب أن تبقى أوكرانيا دولة عبور" للغاز الروسي. 

وأشار إلى وجوب التأكد من أن "إمدادات الغاز إلى دول معيّنة في شرق أوروبا لن تتعرّض للخطر، لأن روسيا ستقول إنها لا ترغب في خدمة هذه المنشآت"، في إشارة إلى أنظمة نقل الغاز الموجودة على أراضي تلك البلدان. وأضاف: "هذا ما يمكن أن يعتمد عليه كل شيء، ونقطة نتعامل معها جدياً".

وشدد شولتز على أن "العلاقات الاقتصادية الجيدة"، ولا سيّما مع روسيا، تتطلّب التزاماً بمبدأ حرمة الحدود ومبادئ "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، علماً أنه وزير المال في حكومة ميركل.

"استثمار خاص"

وكان شولتز أعلن خلال مناظرة انتخابية مع مرشح المحافظين في الانتخابات، أرمين لاشيت، ومرشحة حزب "الخضر"، أنالينا بيربوك، في يونيو الماضي، استعداده لإغلاق الأنبوب، إذا تراجعت روسيا عن الضمانات التي قدّمتها، استجابة للتحفظات السياسية بشأن المشروع. وأضاف وزير المال: "أي شيء يمسّ نقل الغاز وأمن أوكرانيا، ستكون له عواقب على النقل المحتمل عبر خط الأنابيب المكتمل".

في المناظرة ذاتها، اتخذت بيربوك موقفاً متشدداً، قد يعرقل مفاوضات تشكيل ائتلاف حكومي، بين الاشتراكيين و"الخضر" و"حزب الديمقراطيين الأحرار"، إذ اعتبرت أن "موقف الحكومة الألمانية (بشأن خط الأنابيب) يتعارض تماماً مع نهج الاتحاد الأوروبي"، مضيفة: "تخيّلوا شتاءً في أوروبا. لن نتمكّن من أن نقول: الآن ليس لدينا المزيد من الغاز. (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يريد زعزعة الاستقرار، ليس فقط في أوكرانيا ولكن لنا نحن كأوروبيين".

وخلال مناظرة أولى، في مايو الماضي، اعتبرت بيربوك أن مسألة خط الأنابيب تتعلّق بـ "الحرب والسلام"، إذ قد يقوّض أمن أوكرانيا. ورأت أن "الحكومة الألمانية تناقض تماماً جميع الأوروبيين الآخرين، بشأن هذا المشروع". وعلّق لاشيت، قائلاً: "هذا ليس صحيحاً يا سيدة بيربوك، وأنت تدركين ذلك".

في عام 2020، أشار شولتز إلى أن "نورد ستريم 2" هو "استثمار خاص، لا يشكّل أي سبب" كي تفرض الولايات المتحدة عقوبات عليه. ونفى مزاعم بأن الخط سيزيد اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي.

وحين وقّع ترمب، في عام 2019، مشروع قانون يتضمّن تشريعاً يفرض عقوبات على شركات تمدّ الأنابيب في الخط، قال شولتز إن برلين "ترفض بشدة" العقوبات الأميركية، مستدركاً أنها لن تتخذ تدبيراً مضاداً.

"صفقة قذرة"

لكن شولتز واجه اتهامات من منظمة "العمل البيئي ألمانيا"، في فبراير الماضي، بأنه عرض "صفقة قذرة" على واشنطن، كي تُسقط عقوباتها على "نورد ستريم 2"، في مقابل عرض لتمويل استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة.

ونشرت المنظمة رسالة شخصية من وزير المال، إلى وزير الخزانة الأميركي السابق، ستيفن منوشين، في أغسطس 2020، تطالب الولايات المتحدة بالسماح بـ"تشييد نورد ستريم 2 وتشغيله من دون عراقيل". في المقابل، أفادت الرسالة بأن "الحكومة الألمانية مستعدة لزيادة دعمها العام بشكل كبير لتشييد محطات للغاز الطبيعي المسال على الساحل الألماني... من خلال تأمين ما يصل إلى مليار يورو".

وأضافت الرسالة أن "تشريعاً مستقبلياً، يمكن أن يشكّل أساساً لفرض عقوبات على نورد ستريم 2، لن يُستخدم أو، في حالة (تمرير) بنود لعقوبات إجبارية، سيُعطَّل من خلال (تجميد الإجراءات) أو أدوات أخرى مناسبة وفعالة".

"جريمة بكل معنى الكلمة"

ووصف ساشا مولر كرينر، المدير التنفيذي للمنظمة، الرسالة بأنها "فضيحة" و"صفقة قذرة على حساب أطراف ثالثة".

واعتبرت النائبة عن حزب "اليسار" المتطرف، سيفيم داغديلين، أن عرض أموال دافعي الضرائب لتشييد محطات للغاز الطبيعي المسال، يشكّل "جريمة بكل معنى الكلمة". وتابعت: "لا يُبرم المرء صفقات سرية قذرة مع مبتزين وقحين، ولو كانوا في البيت الأبيض أو مجلس الشيوخ الأميركي".

شولتز كرّر بذلك اقتراحاً شفهياً قدمّه وزير الطاقة الألماني، بيتر ألتماير، إلى نائب وزير الطاقة الأميركي السابق، دان برويّيت، في فبراير 2019، ورفضته إدارة ترمب. وشكر برويّيت ألتماير آنذاك على اقتراحه باستيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، مستدركاً أن ذلك لا يبدّد اعتراضاتها على "نورد ستريم 2".

تجنّب شولتز الاستجابة لمطالب نواب بالمشاركة في نقاش بالبرلمان بشأن روسيا، فيما دافع وزير الخارجية، هايكو ماس، وهو اشتراكي، عن مشروع خط الأنابيب، قائلاً: "على أي شخص يشكّك في نورد ستريم 2... أن يفكّر أيضاً، على الأقلّ من الناحية الجيوستراتيجية، في العواقب التي ستترتب على الأمر وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى قدرات أوروبا على التأثير في روسيا".

واعتبر أن فرض "عزلة اقتصادية كاملة" على روسيا، إلى جانب "الانفصال" عن الصين، سيقرّب هاتين الدولتين من بعضهما بعضاً أكثر من أي وقت، وتابع: "أعتقد بأن ذلك يجب ألا يكون استراتيجية الغرب. لذلك أعارض هدم كل الجسور مع روسيا في هذا السياق".

ورأى ماس أن العقوبات على موسكو "يجب أن تمسّ الأشخاص المناسبين"، المسؤولين عن القمع، "لا موظفي نحو 150 شركة أوروبية، غالبيتها من ألمانيا".

غيرهارد شرودر و"نورد ستريم"

ذكّرت مجلة "بوليتيكو" أن المستشار الألماني السابق، غيرهارد شرودر، وهو اشتراكي، استقبل بوتين في برلين، في سبتمبر 2005، قبل أسابيع من فوز ميركل في الانتخابات، ووقّع اتفاقاً لتشييد خط الأنابيب الأساسي في المشروع، المعروف باسم "نورد ستريم"، والذي استُكمل بناؤه في عام 2011.

وأشارت إلى أن شرودر تجاهل آنذاك "احتجاجات صاخبة من أوروبا الشرقية، وأبرم اتفاقاً تاريخياً لتشييد خط أنابيب للغاز تحت بحر البلطيق، يعزّز تأثير الزعيم الروسي الماكر على أمن الطاقة في أوروبا".

وأضافت: "كُتب الكثير عن التأثير الغامض لروسيا في كثيرين من النخب الألمانية، أو ما يُسمّى بـ (المتعاطفين مع روسيا). ومع ذلك، عندما يتعلّق الأمر بشرودر وميركل، ثمة عوامل أكثر واقعية تؤدي دوراً أيضاً". وتابعت المجلة أن شرودر عُيّن، بعد أسابيع على انتهاء ولايته، في عام 2005، رئيساً لـ "نورد ستريم"، ما جعله "ثرياً". وزادت أن منتقدين للمستشار السابق رأوا أنه "ضحّى بسمعته، من خلال موافقته على خدمة بوتين".

اقرأ أيضاً: