دراسة: الغزو الروسي لأوكرانيا يرسم ملامح النظام العالمي الجديد 

time reading iconدقائق القراءة - 7
ناشط يحمل العلم الأوكراني لإظهار الدعم لأوكرانيا مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي، تايوان 22 فبراير 2023. - REUTERS
ناشط يحمل العلم الأوكراني لإظهار الدعم لأوكرانيا مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي، تايوان 22 فبراير 2023. - REUTERS
دبي-الشرق

كشفت دراسة مسحية شملت 15 دولة أن الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي يكمل عامه الأول الجمعة، "وحد الغرب" وعمّق الهوة بينه وبين بقية دول العالم، ما يرسم ملامح النظام العالمي المستقبلي.   

واستطلعت الدراسة التي أجراها "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، الآراء في 9 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بينها فرنسا وألمانيا وبولندا، إلى جانب بريطانيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الصين وروسيا والهند وتركيا.

ونقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية عن مؤلفي الدراسة قولهم، إن المسح كشف عن "اختلافات حادة على أساس جغرافي في الموقف من الغزو والديمقراطية والتوازن العالمي في القوة"، مشيرين إلى أن الغزو الروسي قد يمثل "نقطة تحول تاريخية تؤطر لظهور نظام عالمي ما بعد غربي".  

في هذا السياق قال مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والمؤلف المشارك بالدراسة التي استندت إلى استطلاعات رأي تم إجراؤها الشهر الماضي، إن "مفارقة الغزو تكمن في أن الغرب صار أكثر اتحاداً، ولكن أقل تأثيراً في العالم مما كان عليه سابقاً".  

"نتائج واقعية"

أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة أكسفورد تيموثي جارتون آش، والذي كان ضمن الفريق البحثي الذي أجرى الدراسة، وصف النتائج بأنها "واقعية ورصينة للغاية".

وقال إن الاستطلاع أظهر أن الغزو منح الغرب عبر الأطلسي "الوحدة والهدف"، ولكنه فشل تماماً في إقناع القوى الكبرى الأخرى، مثل الصين والهند وتركيا بالسردية المتمركزة حول الغرب، مشيراً إلى أن "الدرس كان واضحاً، وهو إننا بحاجة ماسة إلى سردية جديدة مقنعة لدول مثل الهند، من حيث كونها أكبر ديمقراطية في العالم".

وبين الاستطلاع أن النظرة الغربية لروسيا "ازدادت تصلباً" العام الماضي، حيث اعتبر 77 % من البريطانيين و71% في الولايات المتحدة و65 % من 9 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، روسيا "خصماً" تخوض بلادهم صراعاً ضدها. 

في حين اعتبر 14% فقط في الولايات المتحدة و15% في دول الاتحاد الأوروبي التسع التي شملها الاستطلاع و8% في بريطانيا، روسيا "حليفاً" يشارك بلادهم مصالحها. 

كما أبدى المشاركون الغربيون في الاستطلاع "نفس القدر من السلبية" في طريقة وصفهم لروسيا، فعندما طُلب منهم اختيار صفتين من أصل 10 صفات مقترحة لروسيا، اختار 45 و41 % على التوالي من المشاركين في الاستطلاع من الولايات المتحدة، و48 و30% من دول الاتحاد الأوروبي التسع المشمولة بالاستطلاع، و57 و49% من بريطانيا الصفتين "عدوانية" و"غير جديرة بالثقة".   

وفي الدول التسع من الاتحاد، فضل 55% في المتوسط استمرار فرض العقوبات على موسكو، حتى لو جاء ذلك مقابل المعاناة الاقتصادية.  

وبالمقارنة مع استطلاع مشابه أجري الصيف الماضي، فإن مزيداً من الأفراد في الحلف الغربي ينظرون الآن إلى الغزو على أنه "معركة من أجل الديمقراطية"، وفقاً لما ذكره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في دراسته.

وفي الولايات المتحدة، قال 36% من المستطلعين إن دعم أوكرانيا جاء "مدفوعاً في الغالب بالحاجة إلى الدفاع عن الديمقراطية الأميركية"، فيما رأت وجهة النظر السائدة في المملكة المتحدة بنسبة 44% ودول الاتحاد الأوروبي التسع بنسبة 45%، أن دعم أوكرانيا جاء دفاعاً عن أمن بلادهم.

ويعتقد عدد أكبر من الأوروبيين أن أوكرانيا يجب أن تسترد أرضها بالكامل، حتى لو تكلف ذلك إطالة أمد الحرب، فيما أبدت نسبة أقل رغبتها في إسدال ستار النهاية على أحداث الغزو في أقرب وقت ممكن، حتى لو كان ذلك مقابل تنازل أوكرانيا عن الأرض لروسيا، وفقاً لما أوردته "الجارديان". 

نظرة مختلفة 

على الجانب الآخر، جاءت الاستجابات في الدول غير الغربية المشمولة بالاستطلاع "مختلفة تماماً"، إذ قالت أعداد كبيرة من المشاركين في الصين بنسبة 76% والهند 77% وتركيا 73%، إنهم يعتبرون أن روسيا "أقوى" أو "بنفس الدرجة من القوة" قياساً على ما كانت عليه قبل الغزو.  

وبالمثل، أرادت أعداد أكبر بكثير (41% في الصين، و48% في تركيا، و54% في الهند) انتهاء الحرب في أقرب وقت ممكن حتى لو تحقق ذلك بتنازل أوكرانيا عن أراضيها، فيما اعتقد 23% و27% و30% فقط أن أوكرانيا يجب أن تسترد أراضيها حتى لو كان ذلك مقابل إطالة أمد الصراع.     

وكشف الاستطلاع عن قدر أكبر بكثير من التشكك أيضاً في دوافع الغرب، حيث اعتقد أقل من ربع الذين شملهم الاستطلاع في الصين وتركيا، على سبيل المثال، و15% فقط في روسيا، أن الغرب "يدعم أوكرانيا دفاعاً عن أمنه وديمقراطيته".  

ووصف ما يقرب من ثلثي المستطلعين في روسيا (64%) الولايات المتحدة باعتبارها "خصماً"، فيما استخدم 51% و46% الصفة نفسها للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. 

وفي الصين، نظر 43% ممن شملهم الاستقصاء إلى الولايات المتحدة باعتبارها "منافساً"، واستخدم 40% الصفة نفسها للمملكة المتحدة و34% للاتحاد الأوروبي.  

وتوقع كثيرون من خارج الدول الغربية أن يفقد النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة هيمنته على العالم خلال العقد المقبل، وأن يصبح الغرب "قوة عالمية ضمن عدة قوى عالمية أخرى"، فيما توقع 7% فقط في روسيا و6% في الصين أن تصبح بلديهما "القوة المهيمنة على العالم" بعد 10 سنوات من الآن. 

نظام عالمي جديد

على الجانب الآخر، توقع 29% في بريطانيا و28% في دول الاتحاد الأوروبي التسع المشمولة بالدراسة، و26% في الولايات المتحدة حلول "نظام عالمي ثنائي القطبية" من كتلتين تقودهما الولايات المتحدة والصين، فيما وُجدت مؤشرات على أن القوى الناشئة ترى أن قيادة العالم ستؤول إلى "أقطاب متعددة" مستقبلاً.    

ففي الهند، قال 87% من المشاركين في الاستطلاع إنهم يعتبرون الولايات المتحدة "حليفاً"، فيما شعر 82% بالشيء نفسه حيال الاتحاد الأوروبي، و79% حيال روسيا وبريطانيا، و59% حيال تركيا، بينما اعتبر 75% من المشاركين في الهند، الصين "منافساً".

وقال مؤلفو الدراسة لـ"الجارديان" إن "كثيرين في الغرب ينظرون إلى النظام العالمي القادم باعتباره عودة إلى الثنائية القطبية التي هيمنت على العالم في فترة الحرب الباردة بين الغرب والشرق، وبين النظام الديمقراطي ونظيره الاستبدادي، ولكن الناس في هذه الدول يرون أنفسهم على نحو مختلف تماماً". 

وأوضحوا أن الغرب لن يجد نفسه مضطراً فقط للتعايش مع "ديكتاتوريات معادية مثل الصين وروسيا"، وإنما أيضاً مع "قوى مستقلة"، مثل الهند وتركيا، ولكنها لن تمثل "كتلة ثالثة جديدة"، أو حتى تتشارك أيديولوجية عامة فيما بينها، كما أنها "لن تقنع بالتكيف مع أهواء وخطط القوى العظمى".

وخلصت الدراسة إلى أنه بدلاً من توقع أن تدعم هذه القوى الجهود الغربية للدفاع عن نظام ما بعد الحرب الباردة المتداعي "فإننا بحاجة إلى أن نكون على أهبة الاستعداد لمشاركتها بناء نظام جديد".  

اقرأ أيضاً:

تصنيفات