أزمة أوكرانيا تضع المستشار الألماني الجديد أمام أول امتحان فعلي

time reading iconدقائق القراءة - 8
شعار شركة "نورد ستريم" في مقرها الرئيس بسويسرا - 2 ديسمبر 2021 - REUTERS
شعار شركة "نورد ستريم" في مقرها الرئيس بسويسرا - 2 ديسمبر 2021 - REUTERS
دبي- الشرق

أفادت وكالة "بلومبرغ" بأن الولايات المتحدة ستدفع ألمانيا إلى وقف خط أنابيب "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، إذا غزت موسكو أوكرانيا، وهو ما يشكل أول امتحان فعلي للمستشار الألماني الجديد.

وجاء ذلك بعد ساعات على قمة افتراضية عقدها الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، وكان خط الأنابيب أحد الإجراءات التي تناقشها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، بعدما حشد بوتين قوات روسية مرة أخرى قرب حدود أوكرانيا، وتخشى واشنطن وحلف شمال الأطلسي (ناتو) أن تغزو روسيا، أوكرانيا، مطلع العام المقبل، علماً بأن الرئيس الروسي نفى عزمه فعل ذلك.

وتشمل خيارات محتملة أخرى، فرض عقوبات على مصارف روسية وصادرات البلاد، في إطار حزمة شاملة وسريعة التنفيذ ومؤلمة اقتصادياً، بشكل يجعلها بمثابة رادع حقيقي لموسكو.

أداة سياسية مع بوتين

ونقلت "بلومبرغ" عن مصادر لم تسمها، قولها إن إدارة بايدن تسعى إلى انتزاع التزام من الحكومة الألمانية الجديدة، التي سيرأسها أولاف شولتس، بأنها ستوقف "نورد ستريم 2" في ظلّ ظروف مشابهة.

وأضافت المصادر أن مساعدة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، واجهت، الاثنين، معارضة من أعضاء في مجلس الشيوخ، اعتبروا أن الولايات المتحدة تحدّ من خياراتها مع بوتين، من خلال عدم تزويد كييف بمزيد من الأسلحة، وفشلها في وقف "نورد ستريم 2".

واعتبرت "بلومبرغ" أن خط الأنابيب مهم بالنسبة لبوتين، باعتباره طريقاً لبيع أوروبا مزيداً من الغاز، وبالنسبة لألمانيا التي تعتمد على الإمدادات من روسيا. وشكّل هذا المشروع مصدر توتر دوري بين واشنطن وبرلين، إذ لم ترغب حكومة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في استخدامه كأداة سياسية مع بوتين.

والتزمت حكومة ميركل، في إطار اتفاق توصّلت إليه مع بايدن، في يوليو الماضي، باتخاذ إجراء إذا استخدمت موسكو الطاقة كسلاح، أو تصرّفت بشكل عدائي إزاء كييف، كما أن الاتفاق يتضمّن تأكيدات لأوكرانيا بشأن وضعها كدولة عبور لخطوط أنابيب أخرى.

في المقابل، تراجع الرئيس الأميركي عن فرض تدابير إضافية على شركات ألمانية مرتبطة بتشييد المشروع، وقد يعني اتخاذ برلين إجراء ضد "نورد ستريم 2"، تهديداً جدياً للمشروع.

ونقلت "بلومبرغ" عن مسؤول استخباراتي أوروبي وصفته بأنه بارز، قوله إن الشروط الواردة في اتفاق يوليو، ستصبح سارية إذا غزت روسيا أوكرانيا، مضيفاً أن "المخاوف الجيوسياسية التي ارتكز إليها هذا الاتفاق، جدية الآن".

حكومة شولتس وخط الأنابيب

وفي حين أن إدارة بايدن لا تستطيع وقف المشروع تماماً، إلا أنها تستطيع فرض مزيد من العقوبات على أشخاص وشركات مشاركين فيه.

وقال مصدر إن الإدارة تعتقد أن اللغة الواردة في اتفاق يوليو، تمكّن ألمانيا من وقف تدفّق الغاز عبر خط الأنابيب، إذا هاجمت روسيا أوكرانيا، علماً بأن ذلك سيكون قرار برلين في نهاية الأمر، مرجحاً أن تجد ألمانيا وسائل لإبطاء استكمال المشروع، في حالة حدوث غزو، إذ إن خط الأنابيب لم يبدأ العمل بعد.

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، بعد القمة الافتراضية: "أجرينا مناقشات مكثفة مع الحكومتين في ألمانيا، المنتهية ولايتها والقادمة، بشأن قضية نورد ستريم 2 في سياق غزو محتمل". ووصف خط الأنابيب بأنه "نفوذ" بالنسبة للغرب، وتابع: "لن أصفه بما يتجاوز ذلك، بخلاف أنه موضوع يحظى بأولوية كبرى بالنسبة لإدارة بايدن".

وضع "خطر"

وليس واضحاً بعد، كيف تنظر الحكومة الائتلافية الألمانية الجديدة إلى الأمر، إذ وصف شولتس الوضع على الحدود الأوكرانية بأنه "خطر"، مشيراً إلى أن حكومته ستواصل التأكد من بقاء أوكرانيا دولة عبور للغاز، لكنه تجنّب تقديم ردّ واضح على سؤال بشأن احتمال أن توقف حكومته "نورد ستريم 2"، إذا غزت روسيا أوكرانيا، علماً بأن الحزب الاشتراكي بقيادة شولتس يدعم هذا المشروع، مثل ميركل.

لكن النائب العتيد للمستشار الألماني، روبرت هابيك من حزب "الخضر"، لفت إلى أن عملية مراجعة المشروع قد تتأثر بالتطوّرات في أوكرانيا، علماً بأن حزب "الخضر" طالب سابقاً بإنهاء المشروع.

ونقلت "بلومبرغ" عن مسؤول ألماني، قوله إن ردّ فعل برلين على غزو روسي، لن يقتصر بالضرورة على "نورد ستريم 2".

وأضاف أن الحزب الاشتراكي حرص على ضمان الامتناع عن تسييس ملف خط الأنابيب، خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، وليست هناك إشارة إلى "نورد ستريم 2"، في اتفاق الائتلاف بين أحزاب "الاشتراكي" و"الخضر" و"الديمقراطيين الأحرار"، والمكون من 177 صفحة.

أزمة الطاقة في أوروبا

ولا يمكن تشغيل خط الأنابيب، الذي استُكمل حديثاً تحت بحر البلطيق، من دون موافقة الهيئة التنظيمية الألمانية ومراجعة من السلطات الأوروبية.

وجُمّدت عملية المراجعة في ألمانيا، الشهر الماضي، بعدما قرّرت الهيئة التنظيمية أن على شركة الطاقة الروسية "غازبروم" إعادة هيكلة عملياتها، من أجل الامتثال لقوانين الاتحاد الأوروبي.

ولطالما أعلن منتقدو خط الأنابيب، وبينهم أعضاء كثيرون في الاتحاد، رفضهم المشروع، معتبرين أنه يجعل أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، لكن برلين وموسكو تريان فيه مشروعاً تجارياً.

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن "غازبروم" زوّدت أوروبا بنحو ثلث الغاز الذي استهلكته، العام الماضي، مرجّحة أن تصبح مصدراً أكثر أهمية على المدى القصير، إذا تقلّص الإنتاج المحلي في القارة.

وأضافت الوكالة أن تقييد صادرات الطاقة الروسية قد يعرّض اقتصادات أوروبا للخطر، في وقت حرج لتعافي القارة، علماً بأنها تشهد واحدة من أسوأ أزمات إمدادات الغاز في السنوات الأخيرة، ما دفع أسعار الوقود إلى مستويات قياسية، ورفع التضخم وأثار مخاوف بشأن قدرة أوروبا على الحصول على إمدادات كافية من الغاز خلال الشتاء.

"الثرثرة أفضل من الحرب"

وبعد قمة بايدن وبوتين، رجّحت "بلومبرغ" أن يستغرق الأمر شهوراً، لمعرفة مدى نجاح الطرفين في نزع فتيل الأزمة بشأن أوكرانيا.

وأضافت أن الرئيس الأميركي لم يوافق على مطالب "الخط الأحمر" التي حدّدها نظيره الروسي، الذي لم يتعهد بسحب 175 ألف جندي حشدهم على الحدود الأوكرانية.

واعتبرت الوكالة أن القمة كانت بمثابة "نصر آخر" لبوتين، الذي بات متخصّصاً في جعل واشنطن تخمّن بشأن نياته.

ونقلت "بلومبرغ" عن فريدريك كاجان، مدير "مشروع التهديدات الحرجة" في "معهد أميركان إنتربرايز"، قوله: "حصل بوتين على جزء ممّا أراده، وهو الاتصال، في كل مرة يثير فيها أزمة ويتواصل معه الرئيس الأميركي، فإنه يعزّز هدف بوتين، المتمثل في إعادة تأسيس روسيا باعتبارها قوة لا يُستهان بها".

أما ديمتري ترينين، مدير "مركز كارنيجي" في موسكو، فكتب على "تويتر": "إن الاعتراف بالمخاوف الأمنية لبعضنا بعضاً أمر أساسي، المخاوف من حرب في الغرب لن تخمد، لكن الثرثرة أفضل من الحرب".

ورأت هيذر كونلي، مديرة "برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا" في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (مقره واشنطن)، أن "مصدر نفوذ بوتين على الولايات المتحدة يتمثل في أن تكون روسيا بطبيعتها غير مستقرة ولا يمكن التكهّن (بسلوكها)، تريد الولايات المتحدة وأوروبا تهدئة التوترات، لكن الكرملين يسعى إلى التصعيد لكسب تنازلات غربية".

اقرأ أيضاً: