Open toolbar

طبيب من الهيئة الطبية الدولية داخل وحدة الأمراض المعدية في جنوب السودان - AFP

شارك القصة
Resize text
دبي -

بعد سنوات من مواجهة أوبئة أصابت مئات الآلاف في دولة جنوب السودان، وأنهكت منظومتها الصحية الهشّة، يقف هذا البلد، الذي خرج لتوه من حرب أهلية استمرت 7 سنوات، قلقاً أمام وباء "كورونا" المُستجد الذي لم يكتشف العالم له علاجاً بعد.

في الخامس من أبريل الجاري، كشفت جوبا عن أول إصابة بفيروس "كورونا" المُستجد في البلاد، ليتوالى بعدها الإعلان عن عدد الإصابات، لكن منظمات ووكالات صحية عالمية لم تخفِ قلقها إزاء تفشي الفيروس بين آلاف الفقراء في جنوب السودان.

وضع المستشفيات

 "هنا نخاف الحديث عن أي شيء لاعتبارات سياسية، حتى أننا لا نتحدث صراحة عن أوضاعنا الصحية خشية أن يفسر كلامنا بأنه ذم في إحدى القبائل، أو إحدى الشخصيات السياسية النافذة".  بهذه الكلمات، استهلت ممرضة طلبت أن نسميها "سلام جون"، تعمل في "مستشفى جوبا التعليمي"، حديثها إلى "الشرق"، لافتة إلى أن دولة جنوب السودان "عاشت قبل انفصالها عن السودان في مطلع عام 2011 قرابة ثلاثة عقود من الحرب مع الشمال، لتواجه بعد ذلك صراعاً مسلحاً، وعدداً كبيراً من الأوبئة والأمراض المتوطنة، على رأسها الملاريا الذي تقدر أعداد ضحاياه بمئات الآلاف".

وفي سياق كلامها عن الوضع الصحي وأوضاع المستشفيات، قالت سلام: "قد نكون المستشفى الوحيد المجهز في البلد بأكمله، ومع ذلك، فإننا لا نعاني قلة المستلزمات الطبية فحسب، بل لدينا أيضاً مشكلات أخرى مثل انقطاع التيار الكهربائي بين الحين والآخر، وكذلك عدم توفر الكثير من وسائل الوقاية والمعقمات الطبية وغيرها".

وأشارت الممرضة إلى أن "المستشفيات تقدم خدمات تكاد تكون محدودة بناء على المساعدات الخارجية، إلا أن الحروب والصراعات التي لم تهدأ في هذا البلد، أجبرت الكثير من الأطباء الأجانب على الفرار، وبالتالي لم يتبق للبلاد سوى عدد قليل من الأطباء المحليين، الذين تعلموا في الخارج وقرروا العودة لخدمة فقراء بلادهم".

وأضافت: "إلى جانب استمرار تفشي أوبئة الكوليرا والملاريا وإيبولا والسل في البلاد، فإن هذه المشافي الضعيفة الإمكانيات مضطرة لاستقبال آلاف المرضى المصابين بهذه الأمراض بشكل يومي. وبالإضافة إلى ذلك، لا يتوفر في البلاد كلها سوى 4 أجهزة تنفس صناعية فقط".

إحصاءات وتقارير

يبلغ تعداد سكان جنوب السودان نحو 11 مليون شخص، 80% منهم يعيشون تحت خط الفقر، وبحسب تقديرات منظمات دولية، فإن أكثر من 7 ملايين منهم بحاجة إلى مساعدات غذائية ماسّة. وهناك مليونين من النازحين داخلياً، ومليونين ومئتي ألف نازح آخرين في دول الجوار، كالكونغو وأوغندا.

وبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، فإن 80%من المرضى في جنوب السودان مصابون بالملاريا، الذي أودى بحياة 72% منهم. وفي آخر إحصاء إجمالي منشور، سجلت البلاد نحو 1.5 مليون إصابة بالملاريا في عام 2017 بارتفاع كبير عن معدلات الأعوام السابقة.

لا إجراءات وقائية

أمام صفوف من المرضى، يقف الطبيب الجنوبي جيمس آلور في "مستشفى جوبا"، حيث يعمل وسط بيئة خطرة، فلا إجراءات للوقاية من عدوى أي مرض، والإمكانات ضعيفة وشخصية، بحسب ما يقول، لافتاً إلى أن "جميع مستشفيات البلاد في حاجة إلى مساعدات عاجلة وفورية للوقاية، ولعلاج المرضى".

أضاف جيمس لـ"الشرق": "ليست لدينا الإمكانات اللازمة المتوفرة في دول مجاورة لمواجهة أي وباء، لكننا نبذل قصارى جهدنا. لدينا أيضا الكثير من الأمور الأخرى التي لا نستطيع تقديمها، فليس لدينا كراسٍ متحركة على سبيل المثال، وهناك نقص كبير في علاجات الملاريا، وأمصال شلل الأطفال، وما إلى ذلك".

نقص أجهزة التنفس الصناعي، وغياب وحدات العناية المركزة المجهزة، ليس الخطر الوحيد في البلاد، فالأزمة خارج المستشفيات أكبر، وتكمن في أن هذا البلد الذي يمر خلاله النيل الأبيض، ويعتبر بمثابة خزان مياه الأمطار الأكبر في شرق إفريقيا، لا يحصل سكانه على ماء نظيف للشرب وغسل اليدين، بينما 90 في المئة منهم محرومون من الوصول لصرف صحي آمن، وهو ما يفسر انتشار أمراض كالإسهال، والتيفوئيد، والدفتيريا، بين الكبار والصغار..

 وتؤكد المعطيات الأولية وجود ضعف هائل في النظام الصحي، وهو ما ألقت الأزمة الناجمة عن انتشار وباء "كورونا" الضوء عليه، فهناك طبيب واحد لكل 65.5 ألف إنسان، و47 ممرضة وقابلة لكل 40 ألف شخص. ولذلك يلجأ معظم الناس إلى أشخاص غير مؤهلين، أو غير مدربين، بالإضافة إلى انتشار العلاجات التقليدية ذات التأثيرات الخطيرة.

وبالإضافة إلى جهاز تنفس صناعي واحد لكل 3 ملايين نسمة في جنوب السودان، و4 مستشفيات عاملة فقط، والعدد القليل من وحدات الرعاية الصحية الأولية في الولايات التي تأوي النازحين، تعمل وزارة الصحة بالتعاون مع "منظمة الصحة العالمية"، و"أطباء بلا حدود"، و"اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، وعدد محدود من المنظمات الأخرى، على تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الصحية. لكن 90 في المئة من المراكز الطبية يعاني نقصاً حاداً في الأدوية والمستلزمات، بينما لا يوجد أي مركز صحي في عدد كبير من المناطق نتيجة النزاعات القبلية والطائفية المسلحة.

مواجهة "كورونا"

"منظمة الصحة العالمية" أعلنت منتصف الشهر الجاري تكثيف عملها بالتعاون مع السلطات المحلية لمواجهة الخطر الجديد القادم، في وقت الذي سجلت البلاد 34 حالة إصابة بفيروس "كورونا"، بينهم 28 حالة خلال 5 أيام فقط، وسط عدم توفر أجهزة الفحص اللازمة.

وزادت المنظمة عدد أسّرة المرضى في "وحدة جون قرنق الصحية" من 24 إلى 80 سريراً لاستقبال المصابين بفيروس "كورونا" المُستجد. علماً أن هذه الوحدة الصحية مخصصة لمرضى الأوبئة والأمراض المعدية، التي افتتحت في أواخر عام 2018 كجزء من استعدادات جنوب السودان لمواجهة وباء إيبولا.

وعبّر الدكتور آلور عن مخاوفه كطبيب من تزايد حالات الإصابة بفيروس "كورونا" المُستجد، قائلاً إن "غالبية الأطباء المحليين غير متخصصين في مواجهة أوبئة مثل كورونا، وكنا طوال السنوات الماضية نستقبل حالات مصابة بالملاريا والكوليرا، ننصحهم بتناول أقراص الدواء المقدمة لنا من منظمة الصحة العالمية".

وأضاف آلور: "كنا نستقبل أيضا جرحى الاشتباكات المسلحة، علماً أن نسبة كبيرة من الأطباء متخصصون في أمراض النساء، وهؤلاء كانوا يواجهون كارثة أخرى وهي مداواة ضحايا الاغتصاب شبه اليومي بسبب الصراعات القبلية".

خطورة انتشار الوباء

بعد أيام معدودة من تسجيل الإصابة الأولى بفيروس "كورونا" المُستجد في جنوب السودان، أصدرت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" تحذيراً مباشراً من تفشي الوباء هناك، معتبرة هذه الدولة بمثابة "نافذة" شديدة الخطورة.

وحذرت اللجنة من أن انتشار وباء "كورونا" المُستجد في جنوب السودان، سيعد بمثابة مرض مدمر لما تبقى في هذا البلد، وييشكّل خطراً كبيراً على البلدان المجاورة، مشددة على التزامها بالتعاون مع السلطات المحلية للحد من انتشاره.

وكيل وزارة الصحة وعضو اللجنة العليا للصحة في جنوب السودان الطبيب ماكور كوريوم، قال لـ"الشرق" إن أعداد مصابي وباء كورونا في البلاد مقلقة للغاية، على الرغم من تسجيل 34 حالة فقط حتى الآن"، موضحاً أن "أول 3 حالات سُجلت كانت لأجانب ممكن يعملون في بعثات ووكالات أجنبية".

وأضاف "كوريوم": "بعد أيام من تسجيل إصابات عدة بين مواطني جنوب السودان في جوبا، قررت السلطات تشديد القيود على الحركة من العاصمة وإليها، وعدم السماح بالخروج منها إلا للضرورة القصوى". وقال إن "المشكلة والقلق جاءا بعد تسجيل حالات أخرى في قرى خارج العاصمة، لأناس لم يخرجوا قط من قراهم"، مشيراً إلى وجود "أشخاص ظهرت عليهم أعراض كورونا بعدما خرجوا من جوبا".

الوسيلة الوحيدة لوقف تفشي وباء "كورونا" في جنوب السودان، بحسب كوريوم، "تتجلى في اتباع المجتمع إجراءات الوقاية بشكل صارم". وأشار كوريوم إلى أن "الجميع يعرف أن لدينا نظاماً صحياً ضعيفاً للغاية، وهذا يعود لأسباب تاريخية، ويضعنا أمام تحديات كبيرة نخشاها في الوقت الحالي الذي تنتشر فيه جائحة من هذا النوع، لدينا موارد محدودة، وأجهزة ومعدات طبية محدودة للغاية، وكذلك لا يوجد الكثير من الإمدادات الطبية اللازمة، وهذا كله يعقّد من التحدي".

وأضاف وكيل وزارة الصحة "تتركز جهودنا في الوقت الحالي على تقليل تداعيات هذا الفيروس قدر الإمكان، وعلى الناس أن يدركوا تماما كيفية حماية أنفسهم، فالوقاية هي الطريق لتقليل مخاطر انتشار المرض بينهم".

استراتيجية حكومية 

وفي ما يتعلق بأوضاع مستشفيات جنوب السودان، قال كوريوم: "لدينا وحدات صحية منتشرة في الولايات، وهي تقدم خدمات على رأسها علاجات الملاريا كونه الوباء الأول في البلاد"، موضحاً أن "الملاريا ليست مشكلة جنوب السودان وحدها، إنها مشكلة قارية، فالوباء منتشر في عدد كبير من الدول الإفريقية".

وتابع وكيل وزارة الصحة مشدداً على أن "التركيز يجب أن ينصب على طرق الوقاية من الفيروسين، الملاريا وكورونا، لنتمكن من التحكم في الوضع الصحي بشكل عام حالياً، بعد سنوات طويلة من تدهور النظام الصحي، ونقص الكوادر الطبية المؤهلة في البلاد".

وعن الأطباء المحليين، قال كوريوم إن "أحد أهم التحديات الصحية في البلاد تتجلى في نقص الكادر المحلي، فعلى سبيل المثال لم يكن لدينا قبل 2011 سوى 9 قابلات في البلد كله... واليوم نتحدث عن أكثر من 1000 قابلة، ومثلهم من الممرضات، وخطتنا الاستراتيجية تهدف للوصول بهذا الرقم إلى 3000 قابلة وممرضة بحلول عام 2030".

وتمكنت جوبا بضغوط دولية وجهود مضنية من تشكيل حكومة انتقالية في فبراير الماضي، لإنهاء صراع مسلح دار في أنحاء البلاد منذ أواخر عام 2013، بين القوات الحكومية بزعامة الرئيس سيلفا كير ميارديت، والمتمردين بزعامة نائبه رياك مشار، وعدد من الفصائل المسلحة الأخرى، بعد جولات من مفاوضات التوصل لحل سياسي يرضي جميع الأطراف.

 

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.