قوانين الانتخابات العراقية.. ترشح فردي لأول مرة وحصة للمرأة أساس تقسيم الدوائر

time reading iconدقائق القراءة - 10
البرلمان العراقي خلال اجتماع في العاصمة بغداد برئاسة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي - 5 يناير 2020. - REUTERS
البرلمان العراقي خلال اجتماع في العاصمة بغداد برئاسة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي - 5 يناير 2020. - REUTERS
بغداد- باسل حسين*

يقف العراق على أعتاب انتخابات تشريعية مبكرة من المزمع انطلاقها في 10 أكتوبر الجاري، أبرز ما يميزها أنها تأتي في أعقاب حالة من عدم الاستقرار السياسي واحتجاجات شعبية تشهدها البلاد بشكل متفرق منذ عامين، وينتظر العراقيون أن يفضي هذا الاستحقاق إلى تحقيق مطالبهم وتطلعاتهم.

تقوم الانتخابات التشريعية في العراق على عدة عناصر رئيسية، منها الوعاء التشريعي أو القانوني وهو مهمة البرلمان، والجهاز التنفيذي المتمثل في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ثم توفير البيئة الآمنة للعملية الانتخابية وهي مهمة الحكومة، إضافة إلى الناخبين والمرشحين والأحزاب، ثم عنصر الرقابة ويقسم إلى داخلي وإقليمي ودولي.

التجربة والخطأ

تتواصل استعدادات الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات من أجل الإيفاء بتعهداتهما المتعلقة بإجراء الانتخابات في ضوء قانون انتخابي جديد أقره البرلمان في ديسمبر 2020، بعد مخاض عسير استمر أكثر من عام.

وعلى الرغم من أن القانون رقم 9 لسنة 2020 هو الإطار التشريعي الأساس للانتخابات، إلا أن هناك قانوناً آخر يشترك معه، هو قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015، فضلاً عن اللوائح التي تُصدرها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مثل أنظمة توزيع المقاعد، أو الشكاوى والطعون، أو الحملات الانتخابية.

وخضعت الانتخابات العراقية في اعتماد قوانينها إلى قاعدة التجربة والخطأ، ولطالما وُجهت إليها انتقادات واتهامات بأنها جسّدت نوعاً من المحاباة لصالح الأحزاب السياسية. ويعود إلى الشارع العراقي الدور الأبرز في تغييرها أو تعديلها، فضلاً عن الاستجابة لضغوط مؤسسة دينية يُفترض أنها خارج النظام السياسي لكنها الأكثر فاعلية فيه، وهي مرجعية النجف، ذات النفوذ القوي على المشهد السياسي العراقي.

انتخابات بقانون الاحتلال

بالنظر إلى المراحل التي مرت بها الانتخابات العراقية بعد عام 2003، يمكن ملاحظة أن أول انتخابات تشريعية استندت إلى ملحق قانون إدارة الدولة الانتقالية الذي شرعته سلطة الاحتلال الأميركي في 2004 لانتخاب الجمعية الوطنية المؤلفة من 275 عضواً، والتي كانت مهمتها الأساسية وضع الدستور العراقي، والإعداد لانتخابات مجلس النواب، والتي اعتُمد فيها النظام النسبي.

واعتُبر العراق آنذاك دائرة انتخابية واحدة مع إقرار القوائم الانتخابية المغلقة، في حين تم احتساب الأصوات بناء على نظام "العتبة الانتخابية" الذي ينتج عن تقسيم عدد الأصوات المقترعة على عدد المقاعد البرلمانية أو ما كان يعرف بـ"القاسم الانتخابي"، فيما شرعت الجمعية الوطنية قانون الانتخابات رقم 16 لسنة 2005 من أجل انتخاب مجلس النواب عبر اعتماد آلية النظام النسبي، وتقسيم العراق إلى 18 دائرة انتخابية بواقع دائرة لكل محافظة.

وأبقت الجمعية على آلية القوائم الانتخابية المغلقة واحتساب نظام الأصوات وتوزيع المقاعد على القاسم الانتخابي. وكانت أول عملية اقتراع بعد إقرار دستور عام 2005، ونتيجة الانتقادات التي وُجهت إلى القانون حدث التعديل في انتخابات 2010، وأصبحت القوائم نصف مغلقة ونصف مفتوحة (شبه مفتوحة)، وأبقي النظام الانتخابي بصفة عامة على قاعدة (النسبية)، كما تم رفع عدد أعضاء البرلمان 325 عضواً بدلاً من 275.

تطبيق نظام "سانت ليجو"

وفي انتخابات 2014 تبنّت البلاد قانوناً جديداً رقم 45 لسنة 2013، في محاولة لتجاوز الانتقادات الموجهة للنظام الانتخابي السابق، وكان أهم اختلاف هو اعتماد نظام "سانت ليجو" المعدل (1.7)، لاحتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، مع رفع عدد المقاعد إلى 328 مقعداً، قبل أن يُعدل لاحقاً في انتخابات 2018 ويعتمد نظام "سانت ليجو" وفق معادلة (1.9) مع رفع عدد المقاعد إلى 329، لكن هذا النظام قوبل بانتقادات شديدة بوصفه يزيد من تمركز المقاعد بيد القوى المهيمنة ويمنع وصول أحزاب جديدة.

ونظام "سانت ليجو" طريقة ابتكرت عام 1910 لضمان تمثيل الكتل الانتخابية الصغيرة، ويعتمد على قسمة إجمالي الأصوات الذي تحصل عليه كل قائمة أو كتلة، على أرقام فردية صحيحة (1و3و5و7و9و11) وبعد إجراء القسمة يتم تخصيص المقعد الأول لأكبر رقم من حصيلة القسمة، وثاني مقعد لثاني أكبر رقم من حصيلة القسمة وهكذا، حتى انتهاء توزيع المقاعد المخصصة لكل دائرة.

وأدى اندلاع حراك أكتوبر عام 2019 إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، وإقرار البرلمان قانون انتخاب جديد رقم 9 لسنة 2020 تحت ضغط الشارع، ليتم فيه تبني نظام الأغلبية أو الأكثرية بدل نظام النسبية الذي كان قائماً.

الأغلبية بدلاً من النسبية

تتزامن الانتخابات المبكرة في أكتوبر الجاري، مع إقرار البرلمان قانون مغاير لجميع ما سبقه، إذ يستند القانون رقم 9 لسنة 2020 إلى نظام الأغلبية بعد أن كانت جميع الأنظمة الانتخابية السابقة تعتمد النسبية.

وأقر القانون الجديد الترشح الفردي حصراً بعد أن كان ترشيح القوائم الانتخابية الحزبية هو السائد سابقاً، مع تقليل عمر المرشح المسموح به من 30 إلى 28 عاماً، لإتاحة فرصة أكبر للشباب في الانتخابات.

ومن التغييرات المهمة في القانون، إجازته آلية جديدة في تقسيم الدوائر، تتمثل في تقسيم المحافظة الواحدة إلى عدة دوائر انتخابية بدلاً من أن تكون المحافظة دائرة واحدة، متخذين من "الكوتة" النسائية في كل محافظة معياراً للتقسيم، فإذا كانت حصتها في محافظة ما 3 مقاعد، تُقسم المحافظة إلى 3 دوائر، وإذا كانت حصتها في محافظة أخرى 4 مقاعد فيتم تقسيمها إلى 4 دوائر وهكذا.

وبلغ إجمالي عدد الدوائر في عموم العراق 83 دائرة، تُمثل المقاعد العامة 320 مقعداً في 5 دوائر تضم 9 مقاعد تخص الأقليات، من المسيحيين والشبك والإيزيديين والأكراد الفيليين والصابئة المندائيين، ليكون العدد الكلي 329 مقعداً تمثل إجمالي المقاعد.

وعالج نظام توزيع المقاعد الذي أصدرته مفوضية الانتخابات طريقة احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد الفائزة، استناداً إلى القانون الجديد، إذ يقضي بتخصيص مقاعد كل دائرة للفائزين بأعلى الأصوات وعلى التوالي، بغض النظر عن جنس المرشح، بعد أن يتم احتساب عدد الأصوات المُدلى بها لكل واحد ضمن الدائرة في جولة واحدة.

"كوتا" للمرأة

ونص القانون على "كوتا" (حصة) للمرأة بعد أن أقرها الدستور في المادة 49، بما لا يقل عن 25% من المقاعد، وحدد نظام التوزيع هذه النسبة بما لا يقل عن 83 مقعداً في البرلمان.

وبهدف تجاوز تخلّف الفائزين في الانتخابات عن أداء اليمين الدستورية الذي قد يستمر لأشهر وأحياناً إلى نهاية الدورة الانتخابية كما حدث في الدورات الماضية، فقد ألزم القانون المرشح الفائز في الانتخابات البرلمانية بأداء اليمين خلال مدة أقصاها شهر من تاريخ الجلسة الأولى، وفي حال تخلفه يتم تصعيد بديله الحاصل على أعلى الأصوات من المرشحين الخاسرين في قائمته ودائرته.

تصويت وفرز إلكتروني

وأقر القانون استخدام البطاقة الإلكترونية (قصيرة الأمد) جنباً إلى جنب مع البطاقة الإلكترونية البايومترية (طويلة الأجل)، كوثيقتين ملزمتين من أجل المشاركة في عملية التصويت، في حين قررت مفوضية الانتخابات اعتماد نسبة المشاركة استناداً إلى الذين استلموا إحدى البطاقتين وليس إلى العدد الكلي من المؤهلين للتصويت.

ونصّ القانون على استخدام أجهزة العد والفرز الإلكتروني التي سبق استخدامها في انتخابات مجلس النواب عام 2018، مع إتاحة التعاقد مع شركة عالمية لفحص الأجهزة وكل ما يتعلق بها من برمجيات.

وميز القانون بين التصويت العام الذي سيجري يوم 10 أكتوبر، والتصويت الخاص (لمنتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، والأجهزة الأمنية الأخرى، ونزلاء السجون، والمستشفيات، والنازحين)، والذي يجرى قبل 48 ساعة من موعد الاقتراع العام، على أن يكون تصويت هذه الفئات بالبطاقة البايومترية حصراً.

وعلى الرغم من أن القانون سمح للعراقيين في الخارج بالتصويت، إلا أن المفوضية أعلنت استحالة التنفيذ لأسباب لوجستية وفنية وصحية، إذ رفضت العديد من الدول فتح مراكز اقتراع على أراضيها بسبب جائحة كورونا، وبالتالي لن يكون بمقدور المغتربين المشاركة في الانتخابات إلا في حالة عودتهم إلى العراق مع شرط امتلاكهم بطاقة ناخب.

تحدّيات في انتظار النتائج

من الواضح أن الإطار التشريعي الجديد للانتخابات العراقية أمام تحديات كبيرة، إذ ستُظهر مخرجات هذا القانون للعراقيين بعد التجربة العملية، ما إذا كان قد ساهم في تطوير العملية الانتخابية واستجاب لمطالب حراك أكتوبر وأكد شرعيته وتطلعاته للاستقرار، أم أنه يُمثل حالة استمرار للوضع الراهن، أو في خيار أكثر سوداوية، الانزلاق نحو الفوضى واللا استقرار، بما يفتح بالضرورة الجدل مرة أخرى أمام احتمالات المطالبة بتغييره أو تعديل نصوصه كما جرت العادة في المرات السابقة، وهو ما سيقع بالتأكيد على عاتق البرلمان القادم.

* رئيس مركز "كلواذا" للدراسات وقياس الرأي العام العراقي