
بالصلوات والزهور والأعلام الملفوفة بأشرطة سوداء، ودّعت اليابان الثلاثاء، رئيس وزرائها السابق الراحل شينزو آبي الذي هيمن على السياسة بصفته الأطول خدمة في البلاد، والذي طغى اغتياله الأسبوع الماضي على فوز الحزب الحاكم في الانتخابات.
وتجمعت الحشود على الأرصفة، في ظل وجود أمني مكثف لدى مغادرة عربة نقل الموتى معبداً كان جثمان آبي يسجى بداخله في وسط طوكيو بعد ظهر الثلاثاء. وهتفت الحشود وصفقت لتودع الجنازة لدى مرور السيارة، بينما كان البعض يحمل الزهور.
وتجمع مئات اليابانيين داخل المعبد مساء الاثنين وصباح الثلاثاء، لإلقاء نظرة الوداع على آبي (67 عاماً)، والذي أحدث اغتياله الجمعة الماضي، على يد شاب استخدم مسدساً يدوي الصنع، حالة من الصدمة في بلد تندر فيه جرائم إطلاق النار والعنف السياسي.
تجدر الإشارة إلى أن مراسم دفن المسؤول الراحل، كانت مغلقة أمام وسائل الإعلام، واقتصرت على العائلة والأصدقاء المقربين.
وسار موكب الجنازة في شوارع طوكيو، مروراً بمنطقة ناجاتاشو، الوسط السياسي للعاصمة، التي تضم معالم رئيسية مثل مبنى البرلمان الذي دخله آبي لأول مرة كنائب شاب في عام 1993، بعد وفاة والده السياسي، والمكتب الذي قاد منه البلاد على مدى فترتين كرئيس للوزراء من 2012 إلى 2020.
ومنذ الصباح الباكر، تشكلت صفوف طويلة من المواطنين اليابانيين بملابس سوداء خارج المعبد، فيما اصطف آخرون أمام مقر "الحزب الديمقراطي الحر" الحاكم.
وكانت كيكو نومي، وهي معلمة تبلغ من العمر 58 عاماً، واحدة من كثيرين أتوا للصلاة ووضع الزهور أمام صورة كبيرة لآبي داخل المعبد، يظهر فيها ضاحكاً ومرتدياً قميصاً أبيضاً.
وقالت: "كان هناك شعور بالأمن عندما كان آبي رئيس الوزراء المسؤول عن البلاد". وأضافت "لقد أيدته حقاً، لذلك هذا مؤسف للغاية".
رسائل تعزية
وقدم العديد من زعماء العالم التعازي في وفاة آبي، وتوقف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لفترة وجيزة في طوكيو (خلال عودته إلى الولايات المتحدة عائداً من جنوب شرقي آسيا صباح الاثنين) لتقديم العزاء، فيما انضمت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى المعزين.
وقالت يلين للصحافيين خارج المعبد، حيث وضعت البخور تكريماً لآبي وقدمت العزاء لأسرته: "هناك شعور عميق بالأسى لفقده"، مضيفة: "رئيس الوزراء آبي كان قائداً ذا رؤية وقد عمل على تقوية اليابان (...) أعلم أن إرثه سيستمر".
وأصبح نائب رئيس تايوان وليام لاي، أكبر مسؤول تايواني يزور اليابان خلال 5 عقود، إذ قام بزيارة خاصة إلى طوكيو لتقديم العزاء في آبي.
من جانبها، قالت وكالة "كيودو" اليابانية للأنباء إن نحو 2000 رسالة عزاء وصلت من دول حول العالم، إذ أرسل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعازيه في مقطع فيديو نُشر على حساب الرئاسة الرسمي على تويتر، بعدما زار السفارة اليابانية في باريس.
متابعة التحقيقات
ونقلت الوكالة اليابانية عن محققين قولهم إن القاتل الذي أُلقي القبض عليه في مكان الحادث وعرفته الشرطة باسم تيتسويا ياماجامي (41 عاماً)، يعتقد أن آبي روج لمجموعة روحية قدمت لها والدته "تبرعاً كبيراً".
وأطلق ياماجامي النار على آبي من الخلف، وأفرغ رصاصتين في ظهره من مسدس ملفوف بشريط لاصق أسود اللون.
وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني هيروكازو ماتسونو في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، إن الحكومة ستدرس ما إذا كانت هناك حاجة لتنظيم حيازة الأسلحة المحلية الصنع بدرجة أكبر. وأضاف: "نحن على علم بأن القواعد الراهنة تقيد بشدة الأسلحة النارية".
من جهته، أفاد ساتوشي نينويو، رئيس لجنة الأمن الوطني العام، خلال مؤتمر صحافي، بأنه أصدر توجيهات بتشكيل فريق للتحقيق في الوضع الأمني المحيط باغتيال آبي.
"فوز كئيب"
وجدد "الحزب الديمقراطي الحر" وشريكه "حزب كوميتو" في الائتلاف الحاكم أغلبيتهما في مجلس الشيوخ بالبرلمان في الانتخابات التي أُجريت الأحد. وعلى الرغم من أن الحزب نال الأغلبية بالفعل في مجلس النواب، فإن الكآبة سادت في مقر الحزب، بدلاً من الأجواء الاحتفالية.
وصمت الجميع دقيقة إحياء لذكرى آبي، فيما بدا وجه رئيس الوزراء الحالي فوميو كيشيدا عابساً، وهو يعلق أزهاراً بجوار أسماء المرشحين الفائزين على لوحة في حركة رمزية احتفالاً بفوزهم.
وقال كيشيدا في مؤتمر صحافي إنه سيعالج المشكلات الصعبة التي لم يتمكن آبي من حلها، مثل مراجعة الدستور، لافتاً إلى أنه "يأمل" في إمكانية إجراء مناقشات حول الموضوع خلال الجلسة المقبلة للبرلمان.
وفاز "الحزب الديمقراطي الحر" وشريكه الأصغر "حزب كوميتو" بـ 76 مقعداً من أصل 125، جرى التنافس عليها في المجلس، ليرتفع بذلك عدد مقاعدهما (كان يقتصر على 69 مقعداً سابقاً). وفاز "الديمقراطي الحر وحده بـ63 مقعداً بعدما كان يشغل 55 مقعداً، ليفوز بأغلبية المقاعد المتنافس عليها.
ومع عدم تحديد موعد لإجراء انتخابات لثلاث سنوات أخرى، أصبح لدى "كيشيدا"، الذي كان مقرباً من آبي، فرصة غير عادية، ليحاول تنفيذ جدول أعماله الخاص، ويشمل ذلك توسيع الإنفاق الدفاعي ومراجعة دستور اليابان السلمي، وهو حلم لطالما راود آبي.
يُشار إلى أن آبي ظل مؤثراً في "الحزب الديمقراطي الحر" حتى بعد تنحيه في عام 2020 بسبب "مشكلات صحية"، كما قاد أكبر فصيل داخل الحزب. وقال محللون إن وفاته قد تؤدي إلى "اضطرابات محتملة" داخل الحزب، ويمكن أن تتحدى سيطرة "كيشيدا".