تقرير حكومي أميركي: مسؤولون إثيوبيون قادوا "تطهيراً عرقياً" في تيغراي

time reading iconدقائق القراءة - 10
عمال من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومتطوّعون من الصليب الأحمر الإثيوبي يوزّعون أغذية على مدنيين في إقليم تيغراي - 6 يناير 2021 - REUTERS
عمال من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومتطوّعون من الصليب الأحمر الإثيوبي يوزّعون أغذية على مدنيين في إقليم تيغراي - 6 يناير 2021 - REUTERS
نيروبي/ دبي-الشرقبالشراكة مع "نيويورك تايمز"

كشف تقرير سري للحكومة الأميركية عن أن مسؤولين إثيوبيين ومقاتلي فصائل مسلحة حليفة يقودون "حملة ممنهجة للتطهير العرقي" في إقليم تيغراي، شمالي إثيوبيا، الذي مزقته الحرب.

وقال التقرير الذي حصلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية على نسخة منه إن مسلحين ومسؤولين من إقليم أمهرة المجاور، والذين دخلوا تيغراي "يجعلون من تيغراي الغربية، عن قصد وبكفاءة بالغة، منطقة متجانسة عرقياً من خلال الاستخدام المُنظم للقوة والترهيب".

ويرسم التقرير، الذي كُتب في وقت سابق من هذا الشهر، بعبارات قوية صورة موثقة لأرض المنازل المنهوبة والقرى المهجورة، حيث يُواجه عشرات الآلاف من الأشخاص مصيراً مجهولاً.

وأضاف التقرير أن "قرى بأكملها تضررت بشدة، أو تم محوها تماماً من سطح الأرض".

وأشارت الصحيفة إلى أن منظمة "العفو الدولية" قالت في تقرير ثانٍ نُشر، الجمعة، إن "جنوداً من إريتريا "قتلوا بشكل ممنهج مئات المدنيين في تيغراي في مدينة أكسوم العتيقة، على مدى 10 أيام في نوفمبر، وأطلقوا النار على بعضهم في الشوارع". 

اختبار إدارة بايدن 

واعتبرت الصحيفة أن الوضع المتدهور في إقليم تيغراي يمثل الآن أول اختبار لإدارة الرئيس، جو بايدن، في إفريقيا، التي لم تكن في حسابات الرئيس السابق، دونالد ترمب، ولم يزرها مطلقاً؛ لكن الرئيس بايدن وعد بمنهجية تقوم على مزيد من التشاركية، بحسب "نيويورك تايمز".  

وفي مكالمة هاتفية مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، الخميس، أثار بايدن أزمة تيغراي. وناقش الرئيسان "تدهور الأوضاع الإنسانية، وأزمة حقوق الإنسان في إقليم تيغراي، والحاجة إلى منع وقوع مزيد من الخسائر في الأرواح، وضمان وصول المساعدات الإنسانية"، وفق بيان صادر عن البيت الأبيض.

ولكن حتى الآن، يتردد بايدن ومسؤولون أميركيون آخرون، في توجيه نقد علني لسلوك رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في حين كان القادة الأوروبيون ومسؤولو الأمم المتحدة القلقون بشأن التقارير التي تصف "المذابح واسعة النطاق" أكثر صراحة وجهراً بمواقفهم.

والثلاثاء، قال مبعوث الاتحاد الأوروبي ووزير خارجية فنلندا، بيكا هافيستو، للصحافيين لدى عودته من رحلة لتقصي الحقائق إلى إثيوبيا والسودان إن الوضع في تيغراي "خارج عن السيطرة تماماً".

كما علّق الاتحاد الأوروبي مساعدات إلى أثيوبيا في بداية الصراع بقيمة 110 ملايين دولار. وحذر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، الشهر الماضي، من "جرائم حرب محتملة" في تيغراي، وقال إن الأزمة "تسبب إزعاجاً" في المنطقة بأسرها.

رفض إثيوبي

في المقابل، ترفض إثيوبيا الانتقادات الموجهة ضد حملتها في تيغراي، وتصف منتقديها بـ"العملاء" لأعدائها هناك.

ورداً على تقرير منظمة "العفو الدولية"، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي في بيان، الجمعة، استعداده للتعاون في إجراء تحقيق دولي بشأن "الفظائع" التي ترتكب في تيغراي، وقال إن الحكومة "تكرر التزامها بتمكين منطقة مستقرة وسلمية".

وأشار إلى أن إثيوبيا منحت جماعات المساعدات الدولية في تيغراي وصولاً "غير مقيد"، خلافاً لما يقوله مسؤولو الأمم المتحدة الذين يقدرون أن جماعات المساعدات لا يمكنها الوصول إلا إلى 20% فقط من الإقليم بسبب القيود التي تفرضها الحكومة.

وكانت الخارجية الأميركية، قالت إن الوزير الجديد، أنتوني بلينكين، تحدث إلى آبي أحمد عبر الهاتف في 4 فبراير، وحثه على السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى تيغراي.
 
في سياق متصل، قال أليكس دي وال، الخبير بشؤون القرن الإفريقي في كلية "فليتشر" للقانون والدبلوماسية بجامعة "تافتس"، لـ"نيويورك تايمز"، إنه "حان الوقت للولايات المتحدة للتركيز على الأزمة قبل وقوع مزيد من الفظائع في تيغراي وتحول الأزمة الإنسانية إلى مجاعة".

وأضاف في تصريحات للصحيفة: "المطلوب هو قيادة سياسية على أعلى مستوى، وهذا يعني الولايات المتحدة".

وتابع: "عندما تتولى الولايات المتحدة رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مارس، ينبغي أن تستخدم هذا الموقع للضغط على المتحاربين للتراجع عن الصراع المدمر".

"جرائم حرب"

كان آبي أحمد أطلق حملة عسكرية في تيغراي في 4 نوفمبر بعد شهور من التوتر مع الحزب الحاكم الإقليمي "جبهة تحرير شعب تيغراي"، الذي حكم إثيوبيا بقبضة من حديد لما يقرب من ثلاثة عقود، حتى وصل آبي إلى السلطة في عام 2018.

لكن اللوم في كثير من أسوأ الانتهاكات التي شهدتها الحرب لم يقع على عاتق الجيش الإثيوبي، أو "جبهة تحرير شعب تيغراي"، التي يُعرف جناحها المسلح الآن باسم "قوات دفاع تيغراي"، وإنما على القوات غير النظامية وغير المعلنة التي احتشدت وراء حملة آبي العسكرية، بحسب الصحيفة.

وفي غضون أسابيع من اندلاع القتال، جاءت التقارير الأولية التي تفيد بأن جنوداً من إريتريا، الخصم اللدود لإثيوبيا حتى عام 2018، عندما توصل البلدان إلى اتفاق سلام، قد تسللوا إلى تيغراي لمساعدة القوات الفدرالية المنهكة التابعة لآبي أحمد.

وفي غرب تيغراي، تدفق مقاتلون إثنيون من أمهرة، وهي إقليم متخاصم مع إقليم تيغراي منذ وقت طويل إلى الداخل، ما ساعد آبي أحمد على الاستيلاء على المنطقة.

والآن يواجه الإريتريون ومقاتلو أمهرة أخطر الاتهامات، بما في ذلك "ارتكاب جرائم اغتصاب ونهب ومذابح" قد ترقى، بحسب خبراء، إلى جرائم حرب.

تطهير عرقي

ويوثق تقرير الحكومة الأميركية عن الوضع في غرب تيغراي، التي تسيطر عليها الآن إلى حد كبير ميليشيات من أمهرة، بعبارات واضحة ما يصفه بأنه "حملة واضحة لطرد سكان تيغراي تحت غطاء الحرب".

ويوثق التقرير كيف تعرض السكان الذين ينتمون إلى مجموعات تيغراي العرقية للهجوم في بلدات عدة، حيث نُهبت بيوتهم قبل حرقها. وتمكن البعض من الهرب في الأدغال، واستطاع آخرون أن يتسللوا عبر الحدود إلى السودان، بينما ألقي القبض على آخرين وتم نقلهم قسراً إلى أجزاء أخرى من تيغراي.

في المقابل، ازدهرت البلدات ذات الأغلبية الأمهرية، وانتشرت فيها المحلات والحانات والمطاعم الصاخبة، بحسب التقرير.

ولا يعد التقرير الأميركي الأول من نوعه الذي يوجه اتهامات بالتطهير العرقي منذ اندلاع أزمة تيغراي. لكنه يسلط الضوء على كيفية توثيق المسؤولين الأميركيين لهذه الانتهاكات بهدوء، ورفعها إلى رؤسائهم في واشنطن.

"شبح مجاعة"

ويؤدي شبح الجوع الجماعي الذي يلوح في الأفق في تيغراي إلى إضفاء طابع الإلحاح على الأزمة، حيث يقبع 4 ملايين شخص على الأقل من السكان المحليين تحت وطأة الحاجة الماسة للمساعدات الغذائية، وفقاً لمركز تنسيق الطوارئ في تيغراي، الذي تديره الحكومة الفدرالية الإثيوبية. ويقول بعض المسؤولين الإثيوبيين إن بعض الأشخاص ماتوا بالفعل.
 
وتشير وثيقة صادرة عن الحكومة الإقليمية في تيغراي بتاريخ 2 فبراير، وحصلت صحيفة "نيويورك تايمز" على نسخة منها، إلى أن 21 شخصاً ماتوا جوعاً في بلدة جولوموكيدا في شرق تيغراي. ويمكن أن تكون هذه الأرقام مجرد قمة جبل الجليد، كما حذر مسؤولو إغاثة.

وقالت أبيرا تولا، رئيسة جمعية الصليب الأحمر الإثيوبية، للصحافيين في وقت سابق من هذا الشهر: "اليوم يمكن أن يكون هناك قتيل واحد أو اثنان أو ثلاثة، لكنك تعلم أن هذا يعني الآلاف بعد شهر، وبعد شهرين سيكونون عشرات الآلاف".

روايات "انتهاك" حقوق الإنسان

ومع ذلك، فإن الغضب السياسي بشأن تيغراي، خاصة في أوساط المشرعين الأوروبيين، يغذيه المد المتزايد من روايات انتهاك حقوق لإنسان.

فتقرير منظمة "العفو الدولية" الذي نُشر، الجمعة، يؤكد أن "الجنود الإريتريين أجروا عمليات تفتيش في جميع المنازل في أكسوم في نوفمبر، وأطلقوا النار على مدنيين في الشوارع ونفذوا عمليات إعدام خارج نطاق القضاء".
 
وذكر التقرير أيضاً أنه عندما توقف إطلاق النار، تعرض السكان الذين حاولوا إزالة الجثث من الشوارع لإطلاق النار، لافتاً إلى أن هذه المذبحة تمثل على الأرجح "جريمة ضد الإنسانية".

وعندما رضخ الجنود الإريتريون وسمحوا بجمع الجثث، تم تكديس المئات منها في الكنائس، بما في ذلك كنيسة "القديسة مريم سيدة صهيون"، التي يعتقد كثير من الإثيوبيين أنها تضم بين جنباتها تابوت العهد، الذي يقال إنه يحتوي على الألواح التي تحمل الوصايا العشر. 

من جهته، رفض وزير الإعلام الإريتري، يماني مسكل، التقرير ووصفه بأنه "غير مهني من ناحية الشفافية".

وتمثل أكسوم مدينة الآثار والكنائس العتيقة، أهمية كبرى لأتباع العقيدة الأرثوذكسية الإثيوبية.