
ألقت الحرب الروسية في أوكرانيا بظلالها على مختلف أنحاء العالم، ولم تكن الولايات المتحدة الأميركية استثناء من ذلك، فقد ارتدت تداعيات الحرب على الداخل الأميركي، لا سيما مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، والمقررة في نوفمبر المقبل.
وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة، الشهر الماضي، إلى أعلى مستوياتها منذ 40 عاماً، في حين لا يزال أكبر اقتصاد في العالم يرزح تحت وطأة تضخّم متسارع تفاقمه تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
الأسعار تقفز
وأعلنت وزارة العمل الأميركية ارتفاع مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 7.9% في فبراير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في أكبر زيادة له منذ يناير 1982، مع ارتفاع أسعار البنزين والمواد الغذائية والإسكان.
وأوضحت شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى زيادة كبيرة في الأسعار، حتى أنها طالت إيجارات المنازل وتذاكر الطيران والأثاث وغيرها.
وفي مجال السيارات تسبب ارتفاع أسعار المعادن المنتَجة في روسيا مثل البلاديوم والنيكل في إبطاء إنتاج السيارات بالولايات المتحدة، سواء تلك التي تعمل بالكهرباء أو بالغاز.
كما كان للشركات الأميركية العابرة للحدود نصيب من تداعيات الحرب، فشركات التقنية العملاقة مثل أبل ومايكروسوفت وديل أوقفت مبيعات منتجاتها في روسيا، كما أوقفت شركة بوينج وإيرباص عملياتها في روسيا وصادراتها إليها أيضاً، وكذلك شركة فورد للسيارات وغيرها من الشركات الأميركية.
يُضاف إلى ذلك ما ذكرته مجلة "فوربس" الاقتصادية الأميركية، بشأن وجود الكثير من الشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة التي تجني إيرادات من أوروبا.
ومع تباطؤ الاقتصاد الأوروبي تشهد العديد من الشركات انخفاضاً في الإيرادات، مشيرة إلى أن 8% من إيرادات شركة مثل فيليب موريس تأتي من منطقة الصراع الأوكراني، أي أوروبا الشرقية، وهناك بيبسيكو (4.4%)، وماكدونالدز (4.2%) وغيرها كثير.
إدارة بايدن وتداعيات الأزمة
ونشر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي دراسة للباحث الإسرائيلي إلداد شافيت، قال فيها إن السياسة الأميركية في أزمة أوكرانيا تركزت على 3 محاور، وهي تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، ودعم الحلفاء في أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفرض العزلة الاقتصادية على روسيا.
ويقول شافيت إنه لا يزال من السابق لأوانه تلخيص السيناريوهات المحتملة للحرب في أوكرانيا، وكذلك التداعيات الواسعة للأزمة على الولايات المتحدة وصراع القوى العظمى.
ويرجع ذلك جزئياً إلى ديناميكيات ما يحدث على الأرض وتأثيره على القرارات السياسية التي ستظل تُتخذ في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إلا أن الحرب تلقي بظلالها سريعاً على الساحة الداخلية في الولايات المتحدة، لا سيما على صعيد تغيير جدول الأعمال اليومي للإدارة الأميركية وترتيب الأولويات.
ولفت إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أعطت الأولوية لمعالجة القضايا الداخلية مع التركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، بينما كان ترتيب الأولويات على الصعيد الدولي يقوم على التركيز على المنافسة الاستراتيجية مع الصين، ودفع قضية المناخ إلى الأمام، وإقامة علاقات مع أوروبا. أما روسيا، فكانت الإدارة الأميركي تعتزم مواجهتها عبر الحوار وبطريقة مقيدة.
انتخابات الكونجرس
بحسب الدراسة، كانت هناك نقطة مرجعية مهمة للغاية لهذه الأولويات، وهي انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس المقرر إجراؤها في نوفمبر 2022، ما يستلزم بالضرورة تأمين أغلبية ديمقراطية، الأمر الذي يمثل دائماً تحدياً صعباً للإدارة الأميركية، مهما كان انتماؤها.
وجاءت الأزمة الأوكرانية لتدفع بايدن وإدارته إلى تعديل أولوياتهم، بشرط ألا تغير بشكل أساسي خطة التركيز على الأهداف الأساسية، التي حددتها الإدارة لنفسها: الساحة المحلية والمنافسة مع الصين.
وتوقعت الدراسة أن تركز إدارة بايدن خلال الأشهر المقبلة، عشية انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، على استغلال الأزمة الأوكرانية في الترويج والدعاية الانتخابية للحزب الديمقراطي لمساعدته على النجاح في الانتخابات.
وكان من المعتاد والمعروف في السنوات الأخيرة أن تلعب القضايا الداخلية الدور الأكبر في التأثير على الناخبين وتصويتهم في الانتخابات الأميركية بشكل عام والكونجرس بشكل خاص، الأمر الذي عزز الشعور بالقلق في الإدارة الأميركية بوجود تهديد حقيقي للأغلبية المحدودة الحالية من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ وربما أيضاً بمجلس النواب، بحسب الدراسة.
وتتعزز تلك المخاوف مع احتمال أن ينشغل الناخب في الانتخابات المقبلة بالمشاكل الاقتصادية، خاصة ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة التي تشهد أسوأ موجة غلاء لم تر لها مثيلاً منذ أكثر من 40 عاماً.
استراتيجية الديمقراطيين
وتوقعت الدراسة أن تعمل الإدارة الأميركية على التهرب من كل تداعيات الحرب الأوكرانية على الساحة الداخلية عبر تركيز الخطاب الانتخابي للحزب الديمقراطي على الترويج لنظرية مفادها أن الحزب الجمهوري عبر سياساته المتعاطفة مع روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، قد شجع موسكو والكرملين على غزو أوكرانيا، وبالتالي يتحمل الحزب الجمهوري كل تداعيات هذا الغزو على الساحة الدولية وانعكاساته على الاقتصاد الأميركي.
كما تعمد إدارة بايدن إلى تركيز الأضواء على الدعم الذي تتلقاه اليوم من الجمهوريين باعتباره "شهادة على فشل سياسات الحزب الجمهوري في الماضي"، وهو ما يمكن ترجمته لأصوات لصالح الديمقراطيين في صناديق الاقتراع، بحسب الدراسة.
ويقول إلداد شافيت إنه ليس من الممكن حتى الآن تحديد ما إذا كان تعامل الرئيس بايدن مع الأزمة الأوكرانية سيحسن بشكل كبير مستوى شعبيته في الشارع الأميركي، والذي كان منخفضاً في الأشهر الأخيرة.
ويضيف أنه من الواضح أن الرئيس بايدن يدرك أن سلوكه في مواجهة الأزمة مع روسيا يؤثر بشكل مباشر على صورته كقائد، سواء على الساحة الدولية أو في الساحة المحلية.
ولذلك ستواصل الولايات المتحدة التدخل في الأزمة على كافة المستويات بعيداً عن التدخل العسكري المباشر في الحرب، وهو خطاب يخشى البعض أن يكون رسالة تحفيز لروسيا لمواصلة عدوانها في أوكرانيا.
لكن الخطاب في حد ذاته يستهدف الساحة الداخلية الأميركية لاسترضاء الشارع واكتساب دعمه لسياسة إدارة بايدن، خاصة فيما يتعلق بالتكلفة الاقتصادية لهذا الدور الأميركي، والتي يدفع ثمنها أولاً المواطن الأميركي في صورة غلاء غير مسبوق.
ورغم كل ذلك تتوقع الدراسة أن تستمر الأزمة الأوكرانية في التأثير على الأجندة الأميركية، لكنها تستبعد أن تؤدي إلى تغيير جذري في وجهة نظرها الرئيسية بأن التهديد الصيني هو الأهم، وأن التأثير الرئيسي بعيد المدى على المصالح الأميركية سينبع بالأساس من نتائج المنافسة مع بكين.
وترى الإدارة الأميركية أن الطريقة التي تتصرف بها الصين تجاه الولايات المتحدة ستتأثر أيضاً بالعزيمة الأميركية لإثبات أن العدوان الروسي سيكبد موسكو ثمناً باهظاً.
اقرأ أيضاً: