حسام فخر لـ"الشرق": صلاح جاهين ليس مجرد "قرابة" وأنا مواطن عالمي

time reading iconدقائق القراءة - 8
الكاتب والمترجم المصري حسام فخر يتصفح عمله "بالصدفة والمواعيد" - الشرق
الكاتب والمترجم المصري حسام فخر يتصفح عمله "بالصدفة والمواعيد" - الشرق
القاهرة- علا الساكت

يبدو الكاتب والمترجم المصري حسام فخر مثل صياد ماهر، لكنه صياد حكايات وقصص، لا يلقي شباكه انتظاراً لما تجود به الصدفة، وإنما يخطط ويعتني بحكاياته التي يقتنصها عن سبق إصرار وترصد على العكس مما يوحي به عنوان مجموعته القصصية الجديدة "بالصدفة والمواعيد" الصادرة عن دار العين. 

عبر أكثر من 30 قصة يصطاد فخر حكايات عن المهمشين والغرباء والضحايا، يطوف في شوارع المدن التي عرفها وعاش فيها، ليكتب عن الغرباء أصحاب اللهجات المختلفة، ومغامراتهم التي لا يمكن تصديقها.

ويقيم فخر في مدينة نيويورك، حيث عمل بالترجمة الفورية بمنظمة الأمم المتحدة منذ عام 1982، وقد صدرت له أربع مجموعات قصصية هي: "البساط ليس أحمدياً" عام 1985، و"أم الشعور" 1992، و"وجوه نيويورك" عام 2004 ثم "حكايات أمينة"، إضافة إلى روايتين قصيرتين هما "يا عزيز عيني" عام 2006، و"حواديت الآخر" عام 2008، وفازت مجموعته حكايات أمينة بجائزة ساويرس للأدب المصري عام 2008.

تتمسك "بالصدفة والمواعيد" بعناوين فخر الغنائية، وتضع لنفسها إطاراً هو حياة البطل بين القاهرة ونيويورك، إذ يصحبنا في مجموعة القصص المكونة من أكثر من ثلاثين قصة تتأرجح بين الماضي البعيد والحاضر القريب، بين ذكريات الشباب والطفولة، ولقاءاته التي تحكمها المفارقة مع شخصيات مختلفة تطالعنا في المجموعة، ما يجعل تصنيف الكتاب يقع بين المجموعة القصصية وبين المتتالية القصصية، ونفحات من السيرة الذاتية لمؤلفها.

سيرة بعدسة ضبابية

في حواره مع "الشرق" يوضح فخر أنَّ "هناك الكثير القصص واللقطات مستوحاة من بعض الأحداث في حياتي، لكن الخط الفاصل بين الواقع أو ما حدث وبين خيالي أو ما كنت أتمنى أن يحدث غائب وضبابي، وهذا ما يجعلني أفضل استعارة تعبير (التخييل الذاتي) الذي استخدمه الكاتب الكبير محمد المخزنجي في وصف الكتاب".

يتابع: "هي لقطات كل واحدة تحمل إيحاءات وصوراً أعمق مما تراه العين من الوهلة الأولى، وليس فيها تسلسل زمني، والأهم أني لا أعرف الحقيقة بنسبة 100% من الخيال. فالبطل ليس حسام فخر، وليس بطلاً خيالياً تماماً؛ إنما هو صورة مهزوزة بعدسة ضبابية لي".

لم يقتنع فخر بشكل كامل بوصف كتابه بالمجموعة أو المتتالية القصصية، موضحاً: "أنا لست من هواة التصنيفات والتعريفات، ولا أحب التضييق وإلغاء فنون لمصلحة فنون أخرى، الدنيا فيها متسع لكل أشكال التعبير والزمن وحده هو الذي يحدد ما يبقى، وما يسقط".

ينسج فخر عالمه بلغة سلسة بسيطة مليئة بدفء الستينيات، وبناء تقليدي مكون من بداية وحبكة ونهاية، غير مبالٍ بالتيار المسيطر على السرد طوال مشواره الأدبي.

يقول: "في التسعينيات كانت هناك موجة الحداثة، وحالة من التغريب التي لم أستسغها يوماً، وأرى أنها كانت سبباً في حالة الفقر الشديد التي سادت الحياة الأدبية، وسيطرة مجموعة أدبية بعينها وحرص الكتاب الشباب وقتها على الحصول على صكوك الاعتراف من تلك المجموعة، أنا أقول فلننسَ موضوع التسميات (زمن الرواية) وغيرها، وليكتب كل واحد ما لديه، وليحدد القارئ ما يحبه وما يجب أن يبقى".

يتابع: "حين يقرر قارئ أن يقرأ كتابي فهذا يعني أني أنافس كل الأنشطة الأخرى من مشاهدة التلفاز أو مطالعة الهاتف، أو الخروج في نزهة، من واجبي ككاتب أن أعطيه شيئاً مفيداً وليس مرهقاً، لا أن أستعرض عضلاتٍ لغوية وغموضاً لا داعي له، أو أن يكون الكتاب في حجم أكبر مما يتحمَّله وقته".

مصالحة مع جاهين

واعتماداً على مبدأ المفارقة، تتناول المجموعة القصصية أشخاصاً التقاهم فخر على مدار سنوات، ربما أكثر من 20 عاماً، حيث انغرست بذرتها الأولى في عقله، لكن يقول: "لم أستطع التفرغ لها في ذلك الوقت، لأنَّ عملي كان يحتل كل طاقتي وجهدي، كنت أكتب أيام الإجازات، لكن بدأ العمل الحقيقي في المجموعة عام 2018، وهي السنة التي فارق فيها والدا حسام الحياة في خلال 30 يوماً". 

قدم فخر العزاء لنفسه من خلال الكتابة التي تدفقت قوية في تلك الفترة حسب ما قال لـ"الشرق"، وفي عام 2020 اكتمل الشكل النهائي للمجموعة.

لا يرثي فخر والديه فقط في المجموعة، بل يقدم لنا صورة عن وطن مفقود بين القاهرة ونيويورك، المدينتين اللتين احتلتا القسم الأكبر من روح حسام، وقدم صوراً لهما في أكثر من كتاب.

كما يرثي أيضاً الخال –الشاعر الكبير صلاح جاهين- الذي طالما شعر فخر بحب "صافٍ واحترام لا يتزعزع تجاهه"، ومع ذلك كره اختزال البعض لمشروعه الأدبي باعتباره "موهبة جاهينية"، كما أطلق عليه الراحل دكتور جلال أمين بعد صدور مجموعته "حكايات أمينة". 

يقول فخر: "علاقتي بصلاح جاهين حب صافٍ واحترام لا يتزعزع تعلمت منه الكثير، بما فعله وما لم يفعله، لكن أنا كنت أشعر بالحرج أن تذكر علاقة القرابة التي تربطني به، وأن أختصر فيها، وهذا حدث بالفعل بمحبة وحسن نية من الكاتب الراحل دكتور جلال أمين حين كتب عن "حكايات أمينة"، بل وحين تقدم بها بنفسه لجائزة ساويرس، وفوجئت بحصولي عليها، لكن الحقيقة أن صلتي بصلاح جاهين أعمق من صلة الدم، إذ يربطني به تقارب روحي وشيء مشترك على المستوى الفردي والإنساني".

وللمرة الأولى يكتب فخر عن جاهين في قصته "لقاءات ليلية" التي تدور حول زيارات صلاح جاهين للكاتب، ومراجعته لبعض نصوصه الأدبية، وتشجيعه على الاختصار، وتعديل النصوص، حتى تختفي الزيارات الليلية، يقول "يمكنني الآن إن أقول أنا متصالح مع صلة القرابة والربط بيني وبين صلاح جاهين، ربما بفعل النضج وسنوات الكتابة والشعور العام بالرضا عما كتبه".

ويحكي فخر: "الحقيقة أنَّ هذه القصص توثيق لحالة تلبستني لمدة 17، كنت أشعر فيها أني على حافة الجنون، كنت أراه وأحادثه ولا أعلم إن كان ذلك حقيقياً أم ضرباً من الجنون، وهذا تحديداً ما كنت أريد أن أكتب عنه، وليس صلة القرابة بيني وبين صلاح جاهين".

التقاط الغرباء

واحدة من أبرز الأعمدة التي تقوم عليها نصوص "بالصدفة والمواعيد" هو التقاط الغرباء، شخوص من النادر أن تجتمع في مكان واحد.

ففي إحدى القصص يقدم لنا فخر الياباني الذي يتحدث اللهجة العامية بطلاقة، والذي يحب القاهرة ويعتبرها بيته، ويسعى بكل الطرق إلى العودة إليها، وفي أخرى يقع حظ البطل في مسافر إسباني مجنون يظل يدعوه مرة تلو الأخرى للتدخين (الممنوع أصلاً في القطارات) حتى يعبر القطار إلى جوار قريته، ولمرة وحيدة يقول بفخر وحنين إنها قريته المليئة بالأشجار.

 وفي قصة أخرى يحكى عن المترجم المصري المغترب الذي يتجرأ ويغير صياغة اعتبرها ركيكة لكلمة الرئيس المصري -يقصد الرئيس الراحل حسني مبارك- مغامراً بوضعه الوظيفي في الأمم المتحدة، ويحصل بعدها على فرصة لقاء الرئيس في حفل عشاء رسمي.

يقول فخر: "أنا أحب الناس، وأحب أن أكتبهم كما أراهم، المحرك دائماً تفاصيل ما في شخص ما أحببته، وشعرت أنها جديرة بالتسجيل" 

ويبدو أن الحياة منحت فخراً فرصاً لا نهائية لجمع اللقطات الجديرة بالتسجيل، يقول: "الدنيا أكرمتني بشكل يصعب تخيله أو تكراره، ولدت في أسرة من الشريحة العليا للطبقة الوسطى، فئة متعلمة ومثقفة، عشت في الاتحاد السوفييتي وأوروبا وأميركا، أنا مصري حتى النخاع، ونيويوركي حتى النخاع. قابلت أناساً من جميع المستويات وهذا أعطاني شعوراً بوحدة بني البشر، أنا مواطن عالمي، أشعر بأن هذه التجربة، بكل ما حدث فيها وما كنت آمل أن يحدث، جديرة بالتسجيل". 

اقرأ أيضاً: